أصدر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قرارا بإقالة منوتشهر متكي وزير الخارجية أثناء زيارة يقوم بها للسنغال لتسليم رسالة من الرئيس الإيراني إلي الرئيس السنغالي. كما أصدر نجاد قرارا آخر في الوقت نفسه بتعيين علي أكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة النووية مشرفا علي وزارة الخارجية. ويمكن قراءة هذا الحدث المثير من عدة جوانب: أولا: أسباب الإقالة, وتنقسم إلي ثلاثة أقسام, قسم سياسي, ويتعلق بأخطاء سياسية ارتكبها متكي خلال عمله الدبلوماسي, وإدارته لوزارة الخارجية بشكل يعمق هذه الأخطاء. وآخر فني يخص خطة أحمدي نجاد لتطوير وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي علي الطريقة الثورية. أما القسم الثالث فيتعلق بتغيير الاستراتيجية العامة للنظام الإيراني, وتطوير التعامل مع القسم الخارجي, وكان قد سبق القرار تعيين أحمدي نجاد أربعة ممثلين له في السياسة الخارجية للمناطق الدولية. ثانيا: توقيت الإقالة, جاء توقيتها أثناء أداء الوزير مهمة خارج البلاد, وهذا التوقيت رغم أنه يخالف العرف الدبلوماسي والأخلاقيات الإسلامية ويخدش السياسة الخارجية لإيران, مقصود في حد ذاته, لأنه يمثل عقوبة للوزير متكي لخطأ قاتل وقع فيه أثناء أدائه لمهمته في السنغال, ولا يقل عن تبليغ رسالة مختلفة للسنغال, أو إهانة للشعب السنغالي أو للرئيس والحكومة السنغالية, بل جاء هذا القصد نتيجة لأوامر مباشرة من زعيم النظام يتوجب تنفيذها علي الفور, لأسباب لم يعلن عنها. وهذا القصد يؤكد ديناميكية الرئيس الإيراني وحساب الوقت عنده, بما لا يجعله يتأخر في قراراته ولو لساعة واحدة, تخوفا لأعدائه وتحذيرا لأصدقائه وإنذارا للعاملين معه. ثالثا: يشير تعيين صالحي مديرا مؤقتا للدبلوماسية الإيرانية, إلي عدة أوجه. أهمها نجاحه الساحق في إدارة هيئة الطاقة النووية الإيرانية, في الوقت الذي أصبح الملف النووي بمثابة مفتاح العلاقات الدولية لإيران سلبا وايجابا. وهذا النجاح يصب في نجاح سياسة أحمدي نجاد الخاصة. ونجاح صالحي كذلك من قبل كمندوب لإيران في الوكالة الدولية للطاقة النووية, يؤكد قدرته الدبلوماسية في إدارة العلاقات الخارجية فضلا عن كونه أستاذا جامعيا له مؤهلاته العلمية والثقافية وفكره العلمي الأصولي. جاء عدم اختيار سعيد جليلي, أمين المجلس الأعلي للأمن القومي المسئول عن الملف النووي وكبير المفاوضين مع الغرب, لسببين. الأول, أنه لا يوجد في الوقت الحاضر من يخلف جليلي في موقعه الذي يرضي سياسة أحمدي نجاد. والثاني, الظروف الصحية لجليلي التي تجعله غير قادر علي الحركة الديناميكية التي يتطلبها العمل الدبلوماسي في المرحلة القادمة. أما عدم اختيار أحد وكلاء وزارة الخارجية, أو أحد ممثلي الرئيس في الوزارة, فيمثل رغبة الرئيس في التطوير الشامل للحركة الدبلوماسية الإيرانية, ورؤيته في اتجاه الفكرة الأصولية بأن الملف النووي هو مفتاح العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي. الحاصل أن الهجوم علي القرار من إعلانه بدأت تظهر تداعياته, وهو هجوم ليس من المعارضة الإصلاحية فقط, وإنما من داخل التكتل الأصولي, والنخبة المثقفة والجماهير, رغم أن أي مؤسسة مثل مجلس الشوري الإسلامي, أو شخصية قيادية في النظام أو المعارضة لم تعلق بعد علي القرار. الواقع أن أحمدي نجاد رغم ثوريته, ليس من الغافلين عن تداعيات هذا القرار الذي يمكن أن يمثل إضعافا لشخصه, وللسياسة التي يتخذها, ولخطته المستقبلية في دفع من يخلفه في رئاسة الجمهورية, ولذلك فهو لايزال يخفي الأسباب الحقيقية لهذا القرار, ليكتشف من معه رغم ما يبدو من أخطائه, ومن يتظاهر بأنه معه, ومن يؤكد عداوته, وهذا الفرز للصفوف مهم جدا في هذه المرحلة التي يخطط أحمدي نجاد لقيادتها بعد تركه منصب رئيس الجمهورية, ولذلك فهو سيفاجئ أعداءه وأصدقاءه علي السواء بالأسباب المقنعة لاتخاذه هذا القرار. سوف يحدد موقف الزعيم خامنئي الذي ينتظر ألا يعلن عنه بشكل سريع, المستقبل السياسي للرئيس أحمدي نجاد وما إذا كان لايزال يتمتع بدعم وحماية الزعيم, أم أن صبر الزعيم علي أخطائه قد نفد؟ كان طبيعيا أن يقيل الرئيس أحمدي نجاد وزير الخارجية متكي لاتساع هوة الخلاف بين الاثنين حول أحد أعمال السيادة في الدولة, وهي السياسة الخارجية التي هي واجهة النظام للخارج, والتي يدعو من خلالها لنشر مباديء الثورة الإسلامية, ولكن من غير الطبيعي أن يتم ذلك بصورة استعراضية منفرة, تزيد من الأعداء وتخيف الموالين والأصدقاء, وإن لم يسارع أحمدي نجاد بتوضيح هذا القرار الاضطراري المفاجيء فإن رصيده السياسي سوف يتضاءل, وتنهال عليه سهام الأعداء والناقدين الذين يتربصون به. هناك أكثر من سيناريو لنتائج القرار, الأول: أن يتم تثبيت صالحي وزيرا للخارجية, تأكيدا لفكر الرئيس أحمدي نجاد بأن المسألة النووية هي مفتاح علاقات إيران بالمجتمع الدولي, مع ترشيح محمد قنادي مراغئي رئيس مركز البحوث النووية خليفا لصالحي, أو أن يكون هذا التعيين مؤقتا لاختيار وزير خارجية من العيار الثقيل, وسيكون غالبا من أعضاء مجلس الشوري الإسلامي المؤيدين للرئيس. ومن المحتمل أن يتأخر تعيين وزير الخارجية في حال اصرار أحمدي نجاد علي تعيين صالحي ورفض مجلس الشوري لهذا التعيين, وهو ما يؤدي إلي عقد صفقة جديدة بين الرئيس ومجلس الشوري إن لم يتدخل الزعيم خامنئي في تعيين الوزير الجديد. من المؤكد أن تغييرا سوف يحدث في سياسة إيران الخارجية خلال الفترة المتبقية من رئاسة أحمدي نجاد, سواء بفرض فكره الأصولي في العلاقات الخارجية, أو بوجود اتصالات سرية بينه والولايات المتحدةالأمريكية, أو استكمالا لمتطلبات التغيير التي بدأها الزعيم خامنئي في عهد رئاسة أحمدي نجاد. تمثل السنغال أفضل صديق وحليف لإيران في إفريقيا, وهو ما يجعل إقالة متكي هناك تتعلق بخطأ فادح ارتكبه متكي في حق السنغال رئيسا أو حكومة أو شعبا أو شيعة, ومن المتوقع حدوث تحول في الموقف الأمريكي يتطلب سرعة حركة استعدادا لمفاوضات اسطنبول حول الملف النووي الإيراني.