لعل الحقيقة المؤكدة فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية الأخيرة انتهت, وإننا أغلقنا هذه الصحف إجرائيا, وان ظلت مفتوحة نظريا لكثير من التحليلات والتقييمات والمراجعات. وقوفا علي عناصر القوة والضعف بها وتحديدا لعناصر المكسب والخسارة فيها وتعريفا بما جري فيها وما ستؤدي إليه. ومع هذه البيئة النقاشية المفتوحة تبرز مجموعة من التساؤلات المواجهية التي ينبغي علي جميع الأطراف التي شاركت في الانتخابات ان تبحث عن اجابات لها, لا لتعرف بها الآخرين, لكن لكي تبني عليها في تحديد مستقبلها وفي تطوير أنفسها أساسا, وما لم تتم مواجهة هذه الأطراف بتلك التساؤلات تظل الاستفادة الحقيقية من هذه الانتخابات وغيرها غير مؤكدة وغير واضحة, فما لم يعرف المتعلم خطأه سيظل يكرره إلي ما لا نهاية. وأكاد أزعم ان كل طرف من الأطراف التي شاركت في الانتخابات يحتاج إلي مرآة كبيرة تبرز كل الجوانب, ومرآة صادقة تظهر الصورة كما هي, وليست كما يحلو له ان يراها ويجب أن تكون الصورة أمام المرآة بدون أي محسنات صناعية وبدون أي عمليات تجميل حتي يكون التقييم صادقا وحتي يكون الدرس مفيدا! وأول الأطراف التي ينبغي ان تقف أمام المرآة وأمام منصة الاعتراف بالذات, هي الأحزاب المصرية, لاسيما أحزاب المعارضة ولابد ان تسأل قيادات هذه الأحزاب نفسها: ما شرعية وجود كل منها؟ وما المؤهلات التي أكسبت كل قيادة منها موقعها التنظيمي في ظل هذه الأحزاب؟ وما هي مؤهلاتها الجماهيرية والمؤسسية التي تجعلها علي رأس أحزاب كبري؟ لقد ظن البعض ان قيادة الحزب مثل قيادة شركة تجارية وان النجاح في إدارة كيان تجاري كيميائي يجعل قيادة حزب سياسي مسألة مضمونة, وهي ما ظهرت نتائجه في الانتخابات وهو ما عكسته عدد المقاعد التي حصلت عليها هذه الأحزاب! إن علي أحزاب المعارضة ان تقف وقفة تأمل وتدبر أمام أحوالها وان تتخلص من مشاعر التعجب غير المبررة ومشاعر الشعور بالصدمة المفتعلة فمن لم يدخل الامتحان ولم يسجل له لايشعر بالصدمة ان ظهر اسمه في كشف الراسبين ومن خرج من لجنة الامتحان وورقته بيضاء لم يخط فيها حرفا لايندهش ان حصل علي صفر طبيعي فالمنطق وحسابات الورقة والقلم ليست في مصلحة هذه الأحزاب الإعلامية كما ان علي هذه الأحزاب ان تبحث عن مدي وجود حقيقي لها وسط الجماهير, وأن تسأل نفسها: هل تم التجهيز والتدريب الكافيين لكوادرها الحزبية؟ وهل تمتلك هذه الأحزاب بالفعل كوادرحزبية؟ لقد كشفت ترشيحات بعض الأحزاب عن عجز حقيقي في كوادرها بل وفي تعريفها لمفهوم الكادر الجماهيري. إضافة الي ذلك فعلي الأحزاب المعارضة ان تسأل نفسها: هل كانت تنتظر من الحزب الوطني ان يساند مرشحيها ضد مرشحيه؟ وهل كانت تأمل( لولا الحياء) ان يعقد معها صفقات علي حساب مصلحة الشعب؟ إن مشكلة كثير من هذه الأحزاب انها تمنت ان يقوم الحزب الوطني بدورها بالنيابة عنها طلبت منه صراحة أو ضمنا ان يهزم نفسه وان يضعف نفسه عشان خاطرها تماما مثل العفريت الأعمي الذي تحكي الحكايات الشعبية انه قال لأحد المارة هات ايدك يا بني عشان اخوفك اكتفت الأحزاب بالدعاية السياسية الساذجة التي تم اعدادها بطريقة مهينة وتمنت ان تؤتي ثمارها واستغرقت في احلامها وأوهامها والمشكلة الحقيقية انها لاتزال تحلم! أما الجماعة المحظورة فيجب ان تقف أمام أكثر من مرآة, وأن تبحث عن مرايا تصغر لها عيوبها أكثر من مرآة عاكسة لعيوبها الحقيقية التي لايمكن احتمالها, لقد جربت الجماعة العمل السري والخلايا تحت الأرض, ويبدو انها ارتضت به ولم تعد تقدر علي شئ وانها لا تري شيئا فرجعت إلي جيوبها ودروبها مرة أخري, تمارس نفس انشطتها التي اعتادت عليها, من ترويع وتفزيع وخطف حتي لأبنائها, لم تقدر الجماعة علي مواجهة نفسها بالحقيقة المرة, وهي ان الناس أصبحوا قادرين علي التمييز بين الغث والسمين, وبين ألاعيب الحواة الذين يرفعون عباءة الدين وبين أصحاب البرامج الجادة التي تستهدف نهضة الناس ورقيهم, وليس علي الجماعة المحظورة الآن سوي ان تراجع نفسها مراجعات شاملة بحثا عن دور يتلاءم مع ما ارتضته الأغلبية من فصل للدين عن الدولة ومن اعتبار المواطنة أساسا للمعاملة, وليس عن دور يقوم علي أساس قاعدة طظ في مصر التي أعلنها مرشدها منذ عدة سنوات ولا قاعدة أولوية الماليزي المسلم في حكم مصر إن أهم هذه الانتخابات ان الصندوق قد أسقط وللأبد كل ما هو شرعي ان المواطن المصري لم يكن أبدا ولن يكون فريسة للمجهول ولن يضحي أبدا باستقراره وأمان مستقبله. وحديث المرايا يقتضي ان يسأل كل مرشح نفسه, سواء نجح هذا المرشح أم فشل, هل تري كان يستحق هذا المرشح الترشيح أصلا؟ هل لديه جماهيرية حقيقية في الدائرة التي ترشح لها, بعيدا عن أولئك المحيطين والذين يزينون له ان الناس ميتة فيه وان الجماهير تفديه بالروح والدم؟ لقد خرج كل المهزومين في هذه الانتخابات حتي المنتسبين للحزب الوطني والذين كانوا ينافسون أعضاء آخرين تابعين للحزب الوطني, بتصريح واحد وهو انه تم تزييف وتزوير إرادة الشعب الذي اختارهم! فهل كانوا يعبرون عن قناعة حقيقية لديهم؟ أم ان الأمر لم يكن يتعدي طقم كلام محفوظ يكرره الجميع ويعيده الكل؟ وأيضا لابد ان يسأل كل المرشحين انفسهم: هل يعرفون الدوائر التي ترشحوا فيها معرفة حقيقية؟ إحدي المرشحات المرموقات كانت تخطئ في نطق اسم الدائرة التي ترشحت فيها, وكانت تنطقها بلكنة فرنسية راقية ورصينة رغم ان الدائرة كانت في القليوبية ومرشح آخر كانت آخر زيارة له للدائرة التي ترشح لها منذ ثلاثين عاما! وحديث المرايا يتطلب من الجمعيات الحقوقية صاحبة الأجندات الشخصية التي ملأت الدنيا صراخا في الانتخابات وأرادت ان تضخم من احداث وبعض تجاوزات لكي تشوه الصورة العامة ان تعلن عن مصادر تمويلها؟ وعن الجهات التي تقف وراءها وتدعمها؟ وبأي أهداف؟ ولأي مصلحة؟ فمن يدفع للزمار أجرته يحدد له اللحن, ومن يمول الجمعيات الحقوقية يحدد لها الأجندة, ويكتب لها النوتة, ويشاركها العزف, الجمعيات التي صدعت رءوسنا بالحديث عن الشفافية والرقابة لابد ان تخضع نفسها لما طالبت الآخرين به: الشفافية في كشف حساباتها ومصادرها والرقابة علي أعمالها وعلي بياناتها لا أحد فوق المساءلة ولا أحد يمكن ان يقوم بدور الرقيب ولايسمح للآخرين بالقيام بنفس الدور بالنسبة له؟ أما الحزب الوطني الديمقراطي وهو حزب الأغلبية فإنه مطالب هو الآخر بتأكيد التزاماته وبصرامة بتعهداته المستقبلية من خلال أجندة تشريعية تدرس ويفتح حولها حوار مجتمعي مستفيد تشارك فيه كل أطياف القوي السياسية الشرعية وكذلك حزمة من السياسات التي تؤكد حرص العدالة الاجتماعية والارتقاء بحياة المواطن واستكمال كل ما من شأنه حماية هذا البلد الآمن من المغامرات والمخاطر من اجل مصلحة الوطن والمواطن ولابد من الاعتراف في نهاية المقال بأن حديث المرايا هو حديث موجع لكنه ضروري ولايمكن الاستغناء عنه..لانحتاج في الوقت الحاضر إلي مواجهات وصراعات معلنة قدر حاجتنا الي مكاشفات واعترافات ذاتية علها تكون بداية الطريق نحو تصحيح ما اعوج من الأمور, وعلها تكون البداية الحقيقية لكثير من الأطراف. المزيد من مقالات د. سامى عبدالعزيز