تساؤل يحمل خطابا ومساءلة إلي كل من يعنيه الأمر.. وكل مسئول عن شئون البلاد, بالقول أو بالفعل, مسئولية دستورية أو سياسية, حقيقة أو مفترضة, بعد أن كثرت الكتابات بإلحاح, وتزايدت الأبحاث بالدراسة المتعمقة والأسئلة, إحاطة بأحوال البلاد, في الشئون الاقتصادية.. والاجتماعية.. والسياسية, وبمناسبة ماجد من أحداث, في قضايا الانتخاب..كانت كاشفة بذاتها عن حالة الانتخابات والأحزاب السياسية في البلاد. والغريب أنه لم تحظ مادة من قضايا الرأي العام بالكتابة والتعليق والاهتمام, مثلما حظيت به قضايا الانتخابات والأحزاب السياسية في مصر, سواء علي مدي التاريخ القديم أو في الوقت المعاصر, إذ حظيت بالإثارة والاهتمام والتحليل, وكانت الانتخابات الأخيرة لبرلمان0102 وماجد من أحداث قبل وأثناء وبعد جولة الانتخابات الأولي والإعادة.. خير شاهد ودليل. فهل تاهت الكتابات العاقلة والرشيدة التي طافت الدنيا, والدراسات المتخصصة التي أطلقت الحوارات والندوات لقضايا الانتخاب.. والاحزاب؟ هل تاهت المتابعة والتحليل لكل ماكتب, وسط هذا الزخم السياسي.. بإطلاق الاتهامات المتبادلة.. والصراعات والمعارك, حول المنافع والمكاسب والأضواء وكلمات الشو, والشعارات والبطولات... والزعامات السياسية؟ هل تاهت كل هذه الجهود والكتابات الوطنية فألهبت الرأي العام, مع أو ضد, واختفت الأسرار والحقائق عن الرأي العام؟! لقد بدت هذه الانتخابات بين متابعة إخبارية حية لقنوات التليفزيون المصري أمام لجان الاقتراع وداخلها ولجان الفرز, وإذاعة المؤتمرات والبيانات عن اللجنة العليا للانتخابات علنا حتي بدت حقيقة واضحة, بينما كان علي الجانب الآخر وفي ذات الوقت, التناقض بينا كاشفا عن وجه أسود للاقتراع والتزوير حتي إعلان النتيجة, ووسط كل ذلك, الأحكام القضائية والإشكالات,ثم إعلان الانسحاب والمقاطعة, والفوز لبعض الأحزاب الصغيرة ببعض المقاعد الفردية علي المستوي الحزبي, وأخيرا قفز من قفز إلي بهو المجلس لاستخراج بطاقات عضوية البرلمان... وليحظي الجميع علي قدم المساواة, بالحصانة تحت القبة!! وظل الجانب الغالب من الرأي العام الذي سمع كل ذلك وشاهده.. حائرا.. أو قانعا.. أو عازفا.. أو يضرب كفا بكف لما وقع فيه من تناقض بين الوجهين بين باسم.. أو غاضب...!! هل كان هذا الذي جري علي الساحة وفي الشارع السياسي, جديدا حديثا طارئا؟! أو أن هذه القضايا كلها كانت من القضايا المزمنة, التي كتب فيها كتاب كبار.. وعلماء أفاضل, علقوا لنا عليها منذ قديم.. وتناولوها بالتحليل الموضوعي وقالوا لنا عنها الكثير... ومنهم من غادر الساحة وانصرف.. وترك المسئولية, فظلت الساحة حكرا للأصوات العالية, أياكانت هويتها, أو الوعود والشعارات المدوية, التي ظلت باقية حتي ولو كانت طلقات في الهواء أو غير مشروعة. وكل ما أثير أمامنا من قضايا هذه المرة لايعدو أن يكون حصاد سلبيات السنين, رغم ماجد من تعديلات دستورية وتشريعية, استهدفت طريق الإصلاح, ولم يلحق ذلك التطوير إصلاحا واقعيا أو حقيقيا في قضايا الانتخابات.. وقضايا البرلمان.. والحياة الحزبية في مصر. فمن يصدق أننا مكثنا سنوات طوالا نتحدث عن نظام انتخابي جديد يتفادي السلبيات ويتمكن به أبناء هذا البلد, من اختيار أفضل العناصر وأكثرها أمانة ووطنية, بقدر الإمكان, بعد أن جربنا النظم الانتخابية كلها... من الفردي إلي القائمة.. ثم الجمع بين النظامين.. ثم العودة إلي الفردي مرة أخري.. وكان البعض يهدد في كل مرة بعدم الدستورية, حتي تم تعديل نص الدستور ذاته منذ أكثر من ثلاث سنوات, يخول البرلمان سلطة اختيار أي نظام انتخابي يجمع بين الفردي والقوائم الحزبية بأي نسبة يحددها.. ومع ذلك ظل الحال لسنوات علي ما هو عليه.. ولم يسمع أحد!! ومن يصدق أننا جربنا كل نظم الإشراف علي الانتخابات, بدءا من وزارة الداخلية ثم الإشراف القضائي.. ثم قاض علي كل صندوق.. ثم اللجنة العليا للانتخابات, وفي كل مرة تنطلق الاتهامات بغير هوادة.. وبأقصي العبارات والأوصاف.. اتهاما بالتزوير والانبطاح والانحياز أو أن اللجنة العليا بغير صلاحيات أو أنياب, رغم كل الكتابات والاقتراحات.. والتعديلات التشريعية.. ومع ذلك لم يسمع أحد!! من يصدق أن تظل المعارك بالأسلحة البيضاء.. والاشتباكات.. والقذف والسباب علنا.. وأن تنطلق نفقات الدعاية لتصل إلي الملايين تأثيرا علي إرادة الناخبين, تملأ الدنيا ضجيجا بالمخالفات والجرائم, ولدينا باب كامل في القانون عن جرائم الانتخابات.. وقرارات اللجنة العليا للانتخابات ولجان متابعة الإعلام.. بعد أن أتيحت الفرصة أمام أحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات, لعرض برامجها لأول مرة.. وإجراء الحوارات والمناظرات لأول مرة أيضا.. ومع ذلك يظل ارتكاب الجرائم والمخالفات جهارا نهارا رغم كل التحديرات والكتابات بل والتعديلات التشريعية وكأن أحدا لم يسمع!! من يصدق أننا وقعنا في كل المحظورات, حتي وصلنا إلي حد التصادم بين السلطات.. بين أحكام القضاء والإشكالات وكسب الوقت.. والمضي في إجراء الانتخاب, رغم صدور الأحكام, حتي القفز داخل البرلمان والاعتصام وراء الحصانة وإسدال الستار علي ما فات, ليبدأ بعدها سيد قراره مجلجلا متوحشا في مواجهة البطلان وتحقيقات محكمة النقض, ليفصل المجلس لصالح أعضائه علي طول الخط بصحة العضوية, فكان الخصم والحكم, لينتهي الأمر بعدها إلي تعويض تسدده الدولة من أموال الناس.. فتتحقق بذلك مقولة عبد العزيز باشا فهمي أننا خاصمنا المشروعية مرتين.. مرة عند مخالفة القانون.. ومرة أخري بسداد التعويضات.. ومع ذلك ورغم كل ما قيل وكتب منذ قديم.. فلم يسمع أحد!! من يصدق أن الحصانة أيها السادة وهي استثنائية, مقصود بها في الأصل حماية العضو داخل المجلس تمكينا له من أداء عمله النيابي حتي لا يكيد له خصومه.. أو تخطفه الحكومة من بين أحضان المجلس لآرائه السياسية وقوة شكيمته.. وعظمة حجته واستجواباته, لأنها, أي الحصانة, ليست ميزة للعضو ولا هي حق له, لكنها حق للمجلس, ليتمكن العضو من ممارسة مسئولياته النيابية بمهابة, تحت قبة المجلس.. لهذاكانت الحصانة مطلقة داخل المجلس ومقيدة بصفته النيابية خارج المجلس.. ومع ذلك لم يسمع أحد!! من يصدق أيها السادة أن الحياة الحزبية.. وما جري لها.. في مرحلتها الثالثة منذ عام67 وقد بلغت أكثر من ثلاثين عاما.. امتدادا لحياة حزبية بدأت في مصر منذ عام9781, ثم كان ميلادها الرسمي عام7091, ثم توقفها عن الحياة منذ عام3591, وعودة المنابر والأحزاب السياسية للمرحلة الثالثة منذ عام..7791 ومع التطور والدعم والتعديلات التشريعية التي تستهدف قيام أحزاب قوية قادرة علي المنافسة.. لها صحافتها وبرامجها واتصالها بالقواعد الشعبية, ومع ذلك انشغلت عنا بصراعات داخلية, أو بالحصول علي مزايا ومنافع من وراء حجاب, أو أداء الأدوار.. ثم بدت متصارعة مع بعضها البعض.. متسابقة في إطلاق الشعارات وتبادل الاتهامات, ثم بعد هذا التاريخ في مرحلته الثالثة المعاصرة.. ينافس تسعة عشر حزبا سياسيا فقط من بين42 حزبا علي الساحة, بل حتي بين المتنافسين ما لبث أن سقط منهم ثلاثة عشر حزبا صفر اليدين ومن أول جولة, ثم ينسحب البعض.. ويقاطع الآخر, ولينتهي المقام إلي تمثيل حزبي ما يقرب من ستة أحزاب.. بعدد من المقاعد يتجاوز عدد أصابع اليدين قليلا, ثم تبدأ مرحلة جديدة تنطق بها الاتهامات والتهديد والتنديد ببطلان المجلس والانتخابات.. وكأن أحدا لم يسمع أو ير!! هل معني هذا أيها السادة, أننا قد فشلنا في أن نحقق الاصلاح علي أرض الواقع؟! وهل آن الأوان لنشاهد تلك المعارك وذلك التنافس الشرس في دائرة البرامج والاصلاح.. ومواجهة القضايا التي تهدد الوطن والمواطن بحثا عن العلاج وبدأت القوة والإصرار.. رغم كل الكتابات.. الحوارات والندوات التي جرت عبر الزمان عن تلك القضايا القديمة.. الحديثة أم ماذا.. فهل تسمعني؟ ومتي؟.. شكرا!!