محمد أبوالعلا السلاموني واحد من كتاب الجيل الثالث للمسرحيين, الذي ظهر بعد نكسة عام.7691 وقد قدم مسرحيات تاريخية وواقعية ذات مضمون فكري واضح يراجع الثوابت والتيارات الوافدة. ويحاول استنهاض الهمم والتحريض علي القيم الثورية النبيلة ورفض الاتكالية والخنوع, في عصر غاب فيه البطل الفرد, داعيا لإفساح المجال للبطولة الجماعية لكي تقرر مصيرها وتفرض إرادتها. واستمد السلاموني توجهاته الفنية من الاشكال المسرحية التراثية الشعبية النابعة من جذورنا, وسار علي درب الكاتب المسرحي الألماني الشهير برتولد بريخت ومسرحه الملحمي التعليمي, الذي يطرح الحلول أمام عقل المتفرج ليختار منها بنفسه. لماذا تصر علي العودة الي الأشكال المسرحية التراثية؟ العودة الي الاشكال المسرحية التراثية جاءت تلبية لدعوة توفيق الحكيم ويوسف إدريس التي تنادي بضرورة تأصيل المسرح العربي واستخدام ظواهر فنية مستقاة من جذورنا وثقافتنا كالمحبظاتية وخيال الظل والراوي وغيرها. وهذا ما فعلناه في جيلنا الثالث الذي أتي بعد جيل الرواد خاصة بعد نكسة عام7691 التي دفعتنا ككتاب الي التمسك بالجذور لمواجهة هذه العاصفة العاتية فأتيحت لنا فرصة المراجعة والوقوف علي اسباب تلك الكارثة وعلاجها. وصفت مسرحية رواية النديم عن هوجة الزعيم بأنها مقامة مسرحية من اربع بابات رغم انك لم تكتتبها بطريقة السجع والجناس وغيرها مثلما هو متبع في المقامات القصصية؟ لم يكن يعنيني من المقامات سوي انها مجرد شكل استطيع ان اضع بداخله المضمون المسرحي الذي أريده, وبدلا من السجع استخدمت إيقاعا شعريا وذلك ضروري للتواصل مع التراث ليس كهدف في حد ذاته بل لأنه كامن في الوجدان الشعبي والذي نحاول الوصول اليه. ظهرت شخصية محمد علي في مسرحية رجل في القلعة في صورة تجافي الحقائق التاريخية.. هل تري أن التاريخ مجرد مادة خام في يد الكاتب يمكن ان يشكلها كيفما شاء؟ وثراؤه وحكاياته الجاهزة تغريه؟ الحقيقة التاريخية ليست حقيقة مطلقة يسلم بها الجميع بل حقيقة نسبية والكاتب المسرحي يجب ألا يحاسب علي أنه مؤرخ بل كاتب يحمل ضمير الأمة فعندما اظهرت محمد علي كإنسان يحس بوخز الضمير جراء فعلته المشينة تجاه عمر مكرم ونفيه خارج القاهرة اردت ان ارسم صورة المحب لمصر والحاكم الذي يراجع سياسته لأسباب إنسانية. ومن أراد الحقيقة التاريخية فليقرأ كتب التاريخ. أما بخصوص ثراء التاريخ بالدراما ودنو قطافه فالتاريخ بالفعل مادة خصبة وجاهزة مسبقا والوقائع التي تحدث في عصرنا كأحداث11 سبتمبر في الولاياتالمتحدةالامريكية مثلا.. هي اليوم مجرد خبر وفي المستقبل ستصبح تاريخا.. المهم أن تقدم أحداث التاريخ في شكل درامي مشوق لا يصيب المشاهدين بالملل. وماذا عن تناول اعمال السحر والشعوذة التي تواصلت حتي وقتنا هذا باستخدام الاقنعة التاريخية في مسرحية السحر؟ موضوع السحر في حد ذاته لم يكن هو المقصود فاعمال السحرة والمشعوذين فهذه المسرحية اخذتها عن مسرحية آرثر ميللر ساحرات سالم لأنه كتبها في عصر المكارثية الامريكية, وأنا كتبت مسرحيتي في ظروف مشابهة أثناء القبض علي بعض المثقفين والسياسيين في عصر السادات. في المجلد الأخير من اعمالك المسرحية تستخدم موضوع ركوب البعض موجة التدين من اجل الوصول للثروة والسلطة كما في مسرحية ديوان البقر وغيرها. ألم يكن من الافضل ان تكفيها مسرحية واحدة؟ المجلد الرابع الذي تتحدث عنه يضم خمس مسرحيات كتبت خلال ثلاثة عقود رصدت فيها ظاهرة الارهاب والتطرف الديني متتبعا تجلياتها منذ انطلاق طائر التطرف في السبعينيات في صورة جناح نظري ساد المجتمع تحت دعاوي التكفير وتخويف الناس, كما هو ممثل في مسرحية السحرة وفي الثمانينيات وجد في صورة جناح اقتصادي يرتدي عباءة الدين من اجل المال كما هو في مسرحية المليم بأربعة, وفي صورة جناح إرهابي وعنف دموي كما هو في مسرحية ديوان البقر ومسرحية الحادثة التي رصدت جناح الإرهاب والعنف من أجل بلوغ كرسي السلطة, ويكفي ان العالم يتحدث عن صدام الحضارات وهذا ناتج عن ظاهرة التطرف التي انطلقت من بلادنا الي العالم. لعبة المسرح داخل المسرح لها حضور طاغ علي مشاهدك المسرحية هل هي حيلة فنية لتخفيف حدة التسجيلية أم ماذا؟ لعبة المسرح داخل المسرح لها جذور تاريخية في تراثنا وهي موجودة بالفعل في وجدان الجماهير, واتفق معك انني استعين بها لتخفيف حدة التسجيلية, لأنها لعبة مقبولة تتيح فرصة تقديم رسالة الكاتب, فهي تتكيء علي لعبة السامر الشعبي الذي يقوم فيها البعض بتقليد الشخصيات والاحداث بطريقة التشخيص وتبادل الأدوار, ولعلنا نذكر مسرحية الهلافيت لمحمود دياب وهي خير مثال علي ذلك. مسرحياتك كلها تطرح المشكلة مقرونة بالحل وهذه ليست مهمة الادب الأساسية؟ لا أنكر انني أميل الي طرح القضايا والحلول المقترحة لها بشكل تعليمي ولكن هذا لا يمنع من طرح القضايا بحلول مفتوحة, هناك الاتجاهان, وعلي المشاهد ان يكون قناعاته الخاصة. ولكن النهاية التي وضعتها كحل لتطرف الشاب والفتاة المعتدلين بصورة مفاجئة في مسرحية الحادثة التي جرت جاءت غير متوقعة من حيث عودتهما الي الاعتدال في غمضة عين, وهل من الممكن التضحية بالمنطق الدرامي من اجل توصيل الرسالة؟ هذه النهاية تتحدث عن مجتمع متقلب ثقافيا وسياسيا ولان البعض يتحول من حزب, الي حزب او من معتقد الي آخر بصورة مفاجئة, وما الي ذلك. إذن ليس غريبا ان ينقلب الشاب واخته لاعتناق التطرف ثم يرجعان الي اعتدالهما في غمضة عين!