العرض الذي شاهدته لك هذا الاسبوع في قاعة يوسف إدريس بمسرح السلام.. هذا العرض لواحد من كبار كتابنا صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ والمثير والمهم هنا هو أنه كتبه للمسرح. لم يكتبه كرواية ليقدمها بعد ذلك للمسرح ولكنه كتبه للمسرح أساسا ولعلها كانت من الاعمال النادرة التي لم نتعرف عليها وربما أعتبرها أكثر من ذلك وأقول انها من كنوز هذا العملاق الراحل بالنسبة للمسرح النص كما لو كان يقول أنا نص نجيب محفوظ.. البساطة مع العمق.. لغه عربية سهلة وممتعة.. تشويق بالغ الذكاء للمتلقي المتفرج.. نص مركز لا تستشعر لحظة مللا من تلك اللحظات بل والدقائق وربما اكثر التي تقوم بهذه المهمة الثقيلة بسبب الإطالة بالفعل لا تشعر بأي لحظة تقول داخل نفسك لماذا هذا المشهد أو ذاك. النص يحكي من خلال فلسفة نجيب محفوظ العميقه الخوف.. خوف الانسان.. خوف البشر الذي ربما دون سبب ما أو بلا داع حقيقي.. هذا الخوف عندما ينتقل من المواطن إلي زميله المواطن ليجد الاثنان أنهما في وضع بالغ السوء ينتظران مصيرا مؤلما لا يقل عن القتل أو الموت. في هذه اللحظات العصيبة يتحولان الي أي شيء.. حب ظاهري وليس حقيقيا.. مشاعر فياضة مع شبه غياب عن الوعي.. ذلك الوعي الذي يبعدانه عنهما ليعيشا لحظات يضطران فيها الي التقارب من بعضهم البعض.. الطرف الاول هو الباديء يقتحم منزل الطرف الثاني ليحميه من الشرطة التي تطارده لتقتله والطرف الثاني تحت التهديد بالانتحار يجد نفسه في ورطة حقيقية يضطر الي منتهي التعاطف مع هذه المصيبة التي حلت عليه وهي الفتاة التي طرقت بابه منتصف الليل لتختبيء من الشرطة. هل هي فعلا قاتلة؟ هل هي فعلا قامت بجرم ما.. لا نتيقن من هذا ولا من ذاك ولكنها في النهاية خائفة.. خائفة للغاية. الخمر كانت وسيلتهما حتي لا يتذكرا المصير المؤلم.. وخلال الانتظار يتم التقارب الحقيقي بينهما بما يصل ربما لدرجة الحب مع التعاطف. يطرق الباب الصديق ليشتم رائحة إمرآة داخل المنزل ولكنه لا يصل الي أي نتيجة فصاحب المنزل خائف من التصريح بأي شيء.. لا يستطيع أن يصرح بأنه يخفي أو يتستر علي امرأة ربما قاتلة.. المهم أنها هاربة من العدالة. لكن هل هي هاربة بالفعل من العدالة؟ الحقيقة أنه فقط الخوف.. الخوف من أي شيء وربما كل شيء فالشرطة تصل بالفعل للمسكن ولكن تدور معركة بينها وبين أخرين في الشارع ويتعرف صاحب المسكن أن الفتاة غير مقصودة من الشرطة وان الشرطة لا تبحث عنها بل عن آخرين لكنه الخوف الذي يدفعها في النهاية إلي الانتحار.. فتبتلع قرص السم لتنهي حياتها. تنهي حياتها حتي تتخلص من ذلك الكابوس المرعب والقاتل في حد ذاته وهو الخوف.. نجاتها منه لا تستطيع أن تحصل عليها إلا بالانتحار. نص يجعل المتلقي في حالة تشوق دائم ماذا سوف يحدث للفتاة وماذا سوف يحدث لصاحب المسكن الذي وقع للشرطة أنه لا يخفي أحدا بمنزله. هذا عن النص الذي أخرجه للمسرح وأقصد هنا مسرح الطليعة الذي أنتج هذا العمل ولكن اضطر إلي أن يعرض بقاعة يوسف إدريس بمسرح السلام التابع لمسرح الشباب بسبب انشغال مسرح الطليعة بعرضين الأول في المسرح الكبير والثاني في المسرح الصغير فكان أن استضافه مسرح الشباب في قاعته بمسرح السلام. وربما هذا العرض هو الوحيد الذي يقدم في حفلتين في اليوم الواحد مسائية من الثامنة والنصف مساء وسواريه في العاشرة مساء كنتيجة طبيعية لتدفق المتفرجين لمشاهدته. لدينا إلي جانب اسم نجيب محفوظ.. اسم كبير في المسرح وهو الفنان جلال توفيق.. هذا الاستاذ الكبير الذي قام بالتدريس لأجيال وأجيال بمعهد المسرح بأكاديمية الفنون والذي غاب عن المسرح مخرجا لسنوات طويلة ربما ليعود إليه بعدما جذبته هذه التحفة الادبية النجاة لنجيب محفوظ وليعود بها مخرجا مسرحيا مرة أخري. لن أتحدث عن الإخراج لواحد في قامة جلال توفيق.. حركة سريعة ورشيقة ومدروسة بعناية لتقدم المطلوب.. إستعان بديكور متميز للغاية للفنان زناد أبوالعينين الذي لم أشاهد أعمالا له من قبل. ليس لدينا استعراض بالمعني المعروف ولكن حركة استعراضية بسيطة للفتاة والشاب صممها ضياء مع إضاءة جيدة لأبوبكر الشريف. إخراج في النهاية لفنان تستشعر أنه واثق من عملة وهو محق في هذا. فماذا عن الابطال؟ لدينا الشاب وهو ياسر جلال قدم ما يمكن أن تقول عصارة تجاربه العديدة في السينما وأيضا التليفزيون أداء فية حرفية عالية وأمامه الفتاة وهي رباب طارق التي أشاهدها لأول مرة فهي مازالت طالبة بمعهد المسرح ثم لدينا الصديق مجدي فكري الذي يقدم من خلال دوره بعضا من البسمة والكوميديا غير المقصودة من خلال أدائه. عرض احيي عليه مسرح الطليعة ومديرة هشام عطوة واحيي عليه شادي سرور مدير مسرح الشباب الذي استضاف هذا العمل علي مسرحه وأحي عودة فنان مبدع وهو جلال توفيق.