القارئ أحمد الرزيقي واحد من الذين استطاعوا أن يصلوا بالمعاني القرآنية إلي قلوب المستمعين في الدول الإسلامية كافة, فقد حباه الله بصوت مكنه أن يشعر من يستمع إليه بعظمة جمال القرآن الكريم. ولد الشيخ أحمد الرزيقي عام (1938م) في قرية (الرزيقات) بمحافظة قنا, في جمهورية مصر العربية, واتجه لحفظ كتاب الله منذ طفولته, وما إن أتم العاشرة من عمره حتي كان قد حفظ القرآن الكريم كاملا.وكان لتوجه الشيخ الرزيقي لحفظ القرآن وتلاوته قصة طريفة, حاصلها: أنه كان يوميا في طريقه إلي المدرسة, وكان الجو باردا, فوجد جموعا من الناس يقفون عند باب منزل أحد الوجهاء في بلدته, فأراد أن يستطلع الخبر, فسأل عن الأمر, فأخبروه أن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد سوف يقرأ القرآن عبر الإذاعة, وما هي إلا لحظات حتي صدع صوت الشيخ عبد الباسط عبر الإذاعة, وملك قلوب الجميع. وبعد أن قضي الأمر, وفض الجمع, تساءل في نفسه قائلا: لماذا لا أكون مثل الشيخ عبد الباسط ؟ ومن يومها, قرر أن يترك المدرسة, ويلتحق بحلقات الكتاب, وعندما علم والده بالقرار الذي اتخذه ولده, أعجب بتصرفه, وأثني عليه, وأقره علي توجهه, ودعا له بالتوفيق والسداد. وبعد أن تم له حفظ القرآن كاملا, كافأه والده بأن اشتري له مذياعا ليستمع لقراءة الرعيل الأول. وقد أتم الشيخ الرزيقي حفظ القرآن في الكتاب علي يد الشيخ محمود إبراهيم كريم, والذي يقول في حقه:( شيخي علمني الكثير والكثير, وكانت رعايته ترقبني... علمني أشياء أفادتني في حياتي كلها; علمني الكياسة, والفطانة, وكيفية التعامل مع الناس, وكيف أفكر قبل إصدار القرار, حتي في نطق الكلمة, أتذوقها أولا, فإذا كان طعمها مستساغا أنطقها, ولكنها إذا كانت مرة المذاق, فسوف تكون أكثر مرارة إذا خرجت من لساني. وعلمني متي أتحدث, وفي أي وقت أتحدث, وكيف يكون احترام الكبير والصغير, فكان الكتاب جامعة داخل كتاب). بعد تلك المرحلة التأسيسية والرحلة التكوينية انتقل الشيخ إلي معهد تعليم القراءات ببلدة( أصفون) القريبة من قريته( الرزيقات) وقد كان يتولي أمر هذا المعهد الشيخ محمد سليم المنشاوي أحد علماء القراءات في مصر. حيث تلقي علي يديه علم التجويد, والقراءات السبع, وعلوم القرآن, وبعدها اشتهر أمر الشيخ الرزيقي وذاع في كثير من المدن والقري المصرية, فانهالت عليه الدعوات للقراءة في المناسبات الخاصة والعامة, وخلال شهر رمضان المبارك, وأصبح ذا مكانة رفيعة بين القراء, ومحل ثقة وتقدير وحب من الجميع. كل هذا مهد الطريق للشيخ للذهاب إلي القاهرة, والتعرف عن قرب إلي أعمدة القراء, وأعلام المقرئين. وقد سعد الشيخ الرزيقي في أثناء إقامته في القاهرة بصحبة عدد من المقرئين الكبار, الذين تتلمذ عليهم, وتلقي عنهم أصول القراءة, وفن التلاوة. وكان في مقدمة هؤلاء, الشيخ عبد الباسط عبد الصمد, الذي تأثر به الشيخ الرزيقي كثيرا, وكان معجبا بصوته غاية الإعجاب, حتي إنه كان يعتبره مثله الأعلي, ولازمه ملازمة المحب للمحب. وقد ساعد الشيخ عبد الباسط الشيخ أحمد الرزيقي وشجعه علي القراءة بين الرعيل الأول من القراء, الذين كانوا موضع إعجاب, ومحط أنظار في داخل مصر وخارجها علي حد سواء. وكان الشيخ الرزيقي حريصا كل الحرص علي متابعة مشاهير القراء عن طريق الإذاعة المصرية, وملازمتهم في الأماكن التي يترددون إليها لقراءة القرآن. وفي سنة(1973) التحق الشيخ الرزيقي بالإذاعة المصرية, بعد أن تجاوز الاختبار المطلوب بكفاءة وامتياز. ومن القصص الطريفة التي حصلت للشيخ في هذا الاختبار ما يرويه لنا فيقول:(... أثناء اختباري كقارئ بلجنة اختبار القراء بالإذاعة, والتي كان الشيخ الغزالي رحمه الله أحد أعضائها, طلب مني فضيلته أن أقرأ سورة( التغابن) تجويدا, فقلت لفضيلته: لم أعود نفسي علي تجويدها, ولكنني أجيد أداءها ترتيلا. فأصر وألح علي لأجودها, ولكنني كنت أكثر إصرار فقال له زميله باللجنة المرحوم الدكتور عبدالله ماضي: يا شيخ محمد, الشيخ أحمد الرزيقي صادق, وهذه تحسب له.. فأود أن تجعله يقرؤها مرتلا.. وكان الشيخ محمد الغزالي سمحا ما دام الأمر لا يؤثر علي أحكام الدين والقرآن, فقال لي: رتلها يا شيخ أحمد فرتلت سورة( التغابن) وسعد الشيخ الغزالي بالأداء لدرجة أنه شكرني, وأثني علي أدائي المحكم. ودارت الأيام, وجاءتني دعوة لإحياء شهر رمضان بدولة قطر عام(1985 م) وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالي الذي دعي لإلقاء دروس العلم. وفي ليلة من ليالي الشهر الكريم كان مقررا أن أبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن, ويقوم فضيلة الشيخ الغزالي بالتعليق علي ما أتلوه. فطلب مني أن أقرأ من سورة( آل عمران): ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة( آل عمران:123) فقلت له: إنني سأقرأ( التغابن) فابتسم ابتسامة عريضة; ولأنه صاحب مكانة جليلة, وأخلاق كريمة, قال: اقرأ آيتين من( آل عمران) ثم اقرأ( التغابن) حتي نتحدث في المناسبة, ثم أقوم بتفسير ما تقرؤه من( التغابن). لم أقصد من وراء قولي هذا لفضيلة الشيخ الغزالي إلا لأذكره فقط بما حدث بلجنة الاختبار). وقد حصل الشيخ أحمد الرزيقي علي وسام الجمهورية من الطبقة الأولي; تقديرا لدوره في خدمة القرآن الكريم, كما حصل علي العديد من الميداليات وشهادات التقدير, ولكن تبقي أغلي شهادة, وأعظم وسام حصل عليه, كما يقول هو: حب الناس له. وتوفي الشيخ أحمد الرزيقي في8 ديسمبر 2005 بعد حياة حافلة مع القرآن الكريم.