غدا يوافق الذكري التاسعة والتسعين علي ميلاد كاتبنا الراحل نجيب محفوظ عام1191, وبعد غد يوافق الذكري الثانية والعشرين علي تسلمه جائزة نوبل عام.8891 وهاتان المناسبتان تستحقان التحية والتقدير.. تحية ترتفع بها أيدينا إجلالا علي ما قدمه لأمته من أعمال شقت طريقها إلي العالمية, وتكريم يوجه إليه حين استطاع أن يجعل أدبنا يتخطي الحدود ويتبوأ مكانته العالية بين الآداب العالمية ولعلنا هنا نتأمل هذين اليومين المهمين في حياته.. لقد ولد نجيب محفوظ في زمن المخاض الفكري والسياسي لنهضتنا الحديثة, حيث كانت مصر تبحث عن ذاتها في كل جوانب الحياة.. فاختار الكلمة الأدبية المحملة بفكره أسلوبا لحياته, مفضلا الانتماء إلي الاتجاهات الديمقراطية ليصبح واحدا ممن أنجبهم المناخ الفكري النشط حين ملك الموهبة النادرة التي أتاحت له التفوق, وعلي جناح هذه الكلمة استطاع أن يعبر بأدبنا إلي الآفاق العالمية, متخذا فيها مكانا يليق بمصر الحضارة ولسانها العربي الأصيل, ولذلك يمكن القول بأن الذي أفسح لنجيب محفوظ الطريق إلي العالمية وهو نجيب محفوظ إبن زمانه ومكانه, والذي جعل نجيب محفوظ متحدثا إلي قراء الصحف والمجلات, وجمهور الإذاعة والتليفزيون.. هو نجيب محفوظ أحد أعلام الحياة الثقافية الأفذاذ, والذي جعل نجيب محفوظ الآن علي قيد الحياة الأدبية في نظر وسائل الإتصال الحديثة.. هو نجيب محفوظ المعبر عن هموم وآمال أمته, والذي جعل نجيب محفوظ موضع تقدير النقد علي اختلاف اتجاهاته هو نجيب محفوظ الكاتب الملتزم والأديب المبدع, والمفكر الواعي.. وليس غريبا والأمر كذلك أن ينال محفوظ التقدير من أدباء ونقاد أمته وفي مقدمتهم قطبا الثقافة العربية طه حسين وعباس محمود العقاد حين تنبأ له كل منهما له منذ عشرات السنين بهذه المكانة العالمية التي وصل إليها.. لقد كتب عنه طه حسين مؤكدا: وما أشك في أن قصص نجيب محفوظ تثبت للموازنة في لجان نوبل مع من شئت من كتاب القصص العالميين وكتب عنه العقاد متسائلا: لماذا تقف جوائز نوبل دون أدباء البلاد العربية من أمم العالمين فلا تهتدي إلي واحد منهم.. وفي مقدمتهم نجيب محفوظ؟, كما تنبأ بفوزه بنوبل عدد من الأدباء والنقاد الأجانب في مقدمتهم الناقد الأدبي المتخصص أندريه ميكيل الذي كتب في مجلة الأدب الفرنسية عدد مارس عام8891: إن نجيب محفوظ هو الأديب العربي المنتظر حصوله علي جائزة نوبل.. وهكذا يتواكب يوم ميلاد نجيب محفوظ مع يوم فوزه بالجائزة ليصبحا علامة مضيئة في التاريخ القومي للعرب, وصفحة مشرقة من صفحات تاريخ الثقافة المصرية, وما أجدرهما من مناسبتين تتيحان لأجهزتنا الثقافية والعلمية النظر من جديد إلي أدب نجيب محفوظ بعين مخلصة, وأخري واعية علها تجيب لنا وللأجيال التالية علي تساؤلات منها: هل كان طريق نجيب محفوظ إلي العالمية هو الاستغراق في المحلية؟ وهل دخل هذه العالمية من باب الفلسفة التي درسها واستوعبها وتفوق فيها وتخرج منها ولم يواصلها ليكون فيلسوفا أو مؤرخا للفلسفة؟ أم انه اكتفي بمنهجها؟, وهل هناك أديب عربي يستطيع أن يخلف نجيب محفوظ في المجال العالمي؟ وهل استطعنا استثمار هذا الفوز استثمارا يحقق لأدبنا العربي المكانة المتطورة؟ إلي آخر هذه التساؤلات التي تذكر المرء في هاتين المناسبتين بآخر لقاء معه عندما بلغ التسعين ثم نشره بالأهرام الأدبي منذ تسع سنوات, حين استشعرت الإحساس بلقاء عظيم من عظماء هذا الزمان الذي جفت فيه أنهار العظمة, لتعلو وتفيض رغاوي بحار التقزم والتفاهة والادعاء.. لقد استشعرت ذلك أثناء جلوسي بجواره علي أريكة متواضعة, وقد ارتدي ملابس منزلية بسيطة, واضعا إحدي يديه إلي جانب إحدي أذنيه مستعينا بسماعة صناعية حتي يمكنه الاستماع بوضوح, وعندما توالت أسئلتي كانت جرأته المقرونة بدبلوماسيته تجعله يتردد في الإجابة ثم لايلبث أن يدافع بشرف عن القضايا التي التزم بها طوال حياته..