من أبرز ما تخرج من الندوات والمؤتمرات الطبية, بل وتنادي به كبري الهيئات والمنظمات العالمية اليوم في ختام اللقاءات العلمية عن المرأة والطفل, هو إصدار توصيات وبيانات تنادي الأمهات بأن يرضعن أولادهن رضاعة طبيعية. ومن عجب أن تحاول تلك المنظمات جاهدة من خلال معاملها وأبحاثها تأكيد فوائد ذلك وأثره علي الطفل والأم معا.. في حين أن المدقق لآيات القرآن الكريم يجد أن الاسلام حسم هذا الأمر قبل أن تخترع الأبحاث والمعامل بأكثر من14 قرنا. توضح ذلك الدكتورة فاطمة السكري رئيس قسم أمراض النساء والتوليد بجامعة الأزهر مشيرة إلي أن الله تعالي خلق الانسان ووفر له سبل الحياة علي أحسن حال في جميع أطواره, فحين يكون جنينا في رحم الأم يوفر له الغذاء والتنفس والحركة دونما تدخل بشري, وبعد الولادة, لايزال الطفل في حاجة إلي غذاء مناسب سهل الهضم تتحمله أجهزة الجسم البسيطة التي لاتزال في طور النمو. وتؤكد د. السكري أن أفضل غذاء للطفل بعد الولادة هو حليب الأم, وقد أثبتت جميع الأبحاث والتجارب حكمة الله الكونية, حين جعل غذاء الطفل من أمه, ليس علي مستوي الطفل فحسب, بل وللأم أيضا. فالمتأمل لحليب الأم يجد فارقا شاسعا بينه وبين أي بدائل أخري للرضاعة. مما يؤكد قدرة الخالق عز وجل وإعجاز القرآن الكريم, وذلك لما يحتويه هذا الحليب من مكونات وتركيزات هي الأنسب للطفل إذ تتغير نسبتها بحسب عمر الطفل, حتي إن تركيز الحليب أثناء الصباح يختلف عنه في المساء, وتكون كمية الدهون في الصباح أكثر من المساء... ويتميز بسهولة الهضم وارتفاع مضادات الجراثيم واجسام المناعة والفيتامينات المختلفة, كما أنه ملين خفيف لأمعاء الطفل, وبخلاف الألبان الصناعية فإنه معقم لايحتاج إلي تعقيم وغلي كما يحدث في الببرونات. وتضيف: إن للرضاعة الطبيعية فوائد كثيرة للأم, أهمها أنها تساعد علي زيادة الترابط بين الأم والطفل نفسيا وعاطفيا, كما تسبب افراز هرمون( الأوكستيوسين) من الغدة النخامية للأم أثناء الرضاعة.. وهذا الهرمون يساعد علي انقباض الرحم, فيتم تقليل كمية الدم التي تفقدها الأم, ويبدأ الرحم في الرجوع إلي حجمه الطبيعي قبل الحمل.. كما تساعد عملية الرضاعة الطبيعية علي إنقاص وزن الأم وتقيها من أخطر الأمراض كسرطان الثدي والمبيض. كما أن افراز اللبن بشكل كاف خلال الاشهر الثلاثة الأولي يجعل الرضاعة مانعا طبيعيا للحمل خلال فترة الحمل(24 شهرا), وهو تنظيم تلقائي للنسل دونما وسيلة تتعاطاها الأم قد تصحبها مضاعفات مختلفة! أما فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل فأهمها أن حليب الأم يمنح الطفل الاستقرار والهدوء النفسي والذكاء وسهولة النوم, كما يحتوي علي أجسام المناعة الطبيعية التي تقي الطفل من الموت المفاجئ, كما تقي الرضاعة الطفل أيضا من أمراض الحساسية وزيادة الوزن عند البلوغ, فضلا عن الوقاية من التهابات الأذن الوسطي والمثانة والقولون والاصابة بمرض السكري. وتختتم د. فاطمة السكري بأن فوائد الرضاعة لاتقتصر علي الطفل والأم فحسب, بل تمتد أيضا للمجتمع, حيث توفر العملة الصعبة التي تنفق في استيراد الألبان, وكذا منع التلوث البيئي الناتج عن عمليات تصنيع زجاجات الحليب وتخفيف الحليب البقري, والنفايات الناتجة عن معالجة هذا الحليب. أما عن الرؤية الشرعية للرضاعة الطبيعية, فيوضح الدكتور ناصر محمود وهدان, استاذ الدراسات الاسلامية للمساعد بجامعة قناة السويس, أن الرضاعة الطبيعية حق ثابت للرضيع بحكم الشرع, لقوله تعالي والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين.. ويشير إلي أنه في الرضاعة الطبيعية الآن ضرورة شرعية, حتي لدي الاسر التي لا ترهقها أثمان الألبان الصناعية, لاسيما في ظل تفشي الأمراض الخطيرة التي تقي منها الرضاعة الطبيعية, وكذا في ظل فتور العلاقات وإنتشار العقوق بين الآباء والأبناء.. وإذا أضفنا إلي ذلك دور الرضاعة الطبيعية في التنظيم التلقائي للأسرة.. لتأكد لنا أهمية الامتثال لشرع الله في كل ما جاء به.. وليس الرضاعة الطبيعية فقط.. علمنا الحكمة من ذلك أم لم نعلم! ويضيف د. وهدان أن رعاية الطفل في سن الرضاعة حق أصيل له لا يجوز لأحد أن يغتصبه فما دامت الأم قادرة علي ذلك لايجوز لها حرمان صغيرها إذا كان يحتاجها, ذلك أن الحفاظ علي حياة الطفل في تلك من أهم ما دعا إليه الشرع, وإلا ما أرجأ النبي صلي الله عليه وسلم تطبيق حد الزنا علي الغامدية حتي يبلغ صغيرها سن الفطام, برغم أنها أتت بكبيرة( الزنا) حقا إنها عظمة الاسلام في رعاية حقوق الانسان قبل أن تخترع المواثيق الدولية وقبل أن يعرف الغرب الابحاث والمعامل بقرون طويلة.