الحمد لله الذي أفاض علينا البركات في هذه الأيام من شهر ذي الحجة التي اجتمعت فيها كل العبادات الصلاة والصوم والزكاة والحج,ولعل أهم يوم فيها وهو يوم عرفة يوم الحج الأكبر ومغفرة الذنوب والعتق من النار, حيث صيامه يكفر عاما مضي من قبله وعاما من بعده, وفيها أيضا يوم النحر, وهو أعظم الأيام عند الله. إذ يعيد إلي ذاكرتنا يوم انطلق الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل إلي بطحاء مكة ذلك الموضع من الأرض المقدسة التي شهدت الإنسانية فيها أروع مظاهر البذل والفداء, وأشد مواقف الاختبار والبلاء حيث رأي النبي إبراهيم في نومه ورؤيا الأنبياء وحي أن هاتفا قال له: إن الله يأمرك أن تذبح ولدك إسماعيل ولما تكررت الرؤيا ثلاثا, لم يسعه إلا تنفيذ الأمر فقام باصطحاب ابنه إسماعيل نحو الصحراء مصارحا له بحقيقة الرؤيا. حيث جاءت الآية الكريمة: فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين( سورة الصافات آية:102), وكان خلفهما الشيطان فالتف حول إسماعيل يوسوس إليه ويزين له فكرة الهرب والنجاة بالفرار, لكن إسماعيل فطن إلي خدعة الشيطان ومكره فأسرع يقذفه بالحصي ويشيعه رميا بالجمرات كلما تراءي له حتي ارتد الشيطان عنهما خاسئا فاشلا, وبهذا يتضح كيف أن الله تعالي أودع في قلب النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام الصبر العظيم علي الابتلاء, وليس بطاعة إسماعيل لوالده فقط, بل ويساعده أيضا علي تنفيذ مهمته في ثبات عجيب وعليه فقد قام النبي إبراهيم بتغمية عيني إسماعيل ثم شد علي قدميه ويديه وجعله يستلقي علي وجهه حتي لا يري منظر الدماء عند الذبح والاحتضار, ولما هم إبراهيم بإمرار السكين مكبرا ضج من في السموات والأرض وفزعت إلي ربها الملائكة وحملة العرش المقربون, وقالوا: يا ربنا ارحم برحمتك هذا الشيخ الكبير, وافتد هذا الغلام الصغير, فإذا بالسكين تمر ولا تذبح وإذا بجبريل عليه السلام يهبط إلي الأرض وفي يمينه كبش أملح ويقول يا إبراهيم: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إنك صدقت الرؤيا, ويأمرك بذبح هذا الكبش فداء عن ولدك, فانطلق إبراهيم يذبح الكبش ويفك عن ولده والدمع ينهمر من عينيه فرحة الرحمة والتكريم ويخر ساجدا لله شكرا علي المنة الكبري وهي منة الفداء العظيم, الذي نتذكره كلما أقبلت هذه الأيام المباركة لنهلل ونكبر بيوم النحر من كل عام.