من المؤكد أن في نجاح فيلم ابن القنصل بعض التعويض الكافي لأحمد السقا ولنا نحن أيضا كمشاهدين عن فشل فيلميه الاخيرين الديلر, وابراهيم الأبيض. وينطوي نجاح فيلم ابن القنصل علي عدة عناصر موجودة في الفيلم بداية من قصته وحبكته الدرامية شديدة التماسك لأيمن بهجت قمر الذي استطاع التطرق لعالم النصب والاختيال ليس فقط بأسلوب ساخر وظريف, ولكن بشكل جديد, ومختلف عن كل الأفلام التي قدمته من قبل, وساعد علي ذلك وجود مخرج متمكن مثل عمرو عرفة الذي كانت بصماته في هذا الفيلم واضحة وضوح الشمس عنها في فيلمه الأخير زهايمر ولا أدري ماهو السبب في ذلك؟, علي أي حال فقد استطاع هو وأيمن بهجت قمر أن يحكما قبضتهما علي الأحداث حتي النهائية التي جاءت مفاجئة فكشفت لنا كل ماخفي علينا أو الذي أوهمنا الفيلم بعكسها. فالفيلم قائم أساسا علي موضوع النصب والاحتيال ويحكي عن عملية نصب كبري بطلها أيضا نصاب كبير هو عادل خالد صالح الشهير بالقنصل, وقد سمي بذلك لموهبته الشديدة في التزوير, المهم ان هذا النصاب الكبير الذي يظن انه هو الوحيد الذي يستطيع أن ينصب علي الناس يتعرض هو لأكبر عملية نصب, والمصيبة ان هذا النصاب يكون هو ابنه عصام أحمد السقا أو المفروض انه كذلك, حيث يكشف الفيلم في النهاية أن العملية كلها نصب* نصب, وسأكتفي بهذا فقط حتي لا أحرق النهاية أو المفاجأة في الفيلم. كان التغيير الذي أحدثه أحمد السقا علي نفسه في الفيلم سواء من حيث الشكل, حيث ظهر علي انه ارهابي أو من حيث مضمون الفيلم نفسه عنصر آخر لنجاح ابن القنصل, ويكفي انه تخلي أخيرا عن الأكشن الذي كان يحبس نفسه فيه في كل أفلامه تقريبا, فلعل السقا يكون قد تأكد بنفسه انه ليس بالاكشن وحده ينجح ويستمر! لا يمكن أن ننسي وجود خالد صالح في الفيلم, فهو الفيلم, والفيلم هو, وفي الحقيقة وربما يحدث هذا لأول مرة في أفلامناالجديدة أن يكون الموضوع كله عن البطل الثاني, وليس الأول ويحسب طبعا هذا للمخرج والمؤلف وللسقا أيضا الذي وافق علي ترك كل هذه المساحة في الفيلم لخالد صالح بعكس ماحدث من قبل مع خالد النبوي في فيلم الديلر ويبدو ان السقا ينتبه جيدا للنقد الموجه له! وعموما فوجود نجمين محببين للجمهور مثل السقا وخالد مكسب اخرصص للفيلم, ولكل المشاهدين ولهما هما أيضا لأن نجاح الفيلم ينسب لهما معا مجتمعين فالأول لنجوميته والثاني بأدائه. ويبدو أن التغيير لم يكن يقتصر علي السقا فقط, حيث يبدو أنه من شيم هذا الفيلم كله, فحتي غادة عادل هي الأخري غيرت جلدها من خلال هذا الفيلم, وقدمت لأول مرة دور فتاة الليل, ولكن بالطريقة العصرية طريق النت الذي أصبح يسيطر علي كل حياتنا, وقد أوضح الفيلم هذا الموضوع, واستعرضه جيدا, وما أعجبني في غادة أنها أدت الدور دون التقيد بأي قيود من تلك المعروفة بالسينما النظيفة, ولكن الذي لم يعجبني تصريحاتها بشأن موافقتها علي الفيلم هي وزوجها مجدي الهواري والتي كانت مرهونة بخدعة الفيلم, والتي لولاها لما قامت بالدور. ومن الواضح ان داود عبدالسيد عندما قدم إسكندرية في فيلمه رسائل بحر بكل هذا السحر والجمال قد فتح شهية باقي صناع الأفلام لها والتصوير فيها بعد أن كادت أن تكون منسية في كل أفلامنا الأخيرة وها هو المصور والمخرج محسن أحمد يعيد من خلال ابن القنصل اكتشاف باقي مواطن الجمال في الاسكندرية في عدساته التي كانت تتسلل في أرجاء المدينة الجميلة. لولا هذه النهاية الأشبه بمسرحية هزلية لكان فيلم ابن القنصل أفضل بكثير مما هو عليه, وان كان أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة اعتقدا أن هذه النهاية هي سر جمال الفيلم, ففي رأيي أنها اضعف ماكان في الفيلم, فليست الاثارة ان يسير بنا الفيلم في اتجاه بينما هو ذاهب الي اتجاه اخر مغاير تماما وبدلا من اكتشافها بشكل درامي راح الفيلم يكشف لنا علي طريقة حكاوي القهاوي, حيث حكي لنا بالسرد المباشر كل تفاصيل الخدعة ونسي الفيلم ان الخدعة كان يجب أن تكون علي بطل الفيلم, ولكن الحقيقة انها كانت علينا وأحنا اللي في الاخر شربناها