يوم الأحد المقبل, يتوجه ملايين الناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشعب واختيار نوابهم من بين المرشحين, سواء كانوا حزبيين أم مستقلين. أهمية الانتخابات الحالية أنها تأتي قبل عام تقريبا من الانتخابات الرئاسية, وهي سوف توضح خريطة العمل الحزبي والسياسي خلال المرحلة المقبلة. أفضل ما في هذه الانتخابات هو الرغبة العارمة من القطاعات المختلفة للمشاركة فيها والذهاب إلي صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم, وإن كانت مشكلة الجداول لاتزال تعتبر العقبة الرئيسية التي تعترض ذلك, ويحتاج الأمر إلي جهد غير عادي لإعادة ضبط تلك الجداول وتنقيتها وترتيبها أبجديا, لتسهيل دخول الناخبين والإدلاء بأصواتهم في يسر, بعيدا عن التعقيدات الحالية والكعب الداير الذي يتحمله الناخب لكي يستطيع الإدلاء بصوته, والمشقة الهائلة التي يتحملها المرشح في طبع وتوزيع الكشوف الانتخابية علي مناطق نفوذه لمساعدة مؤيديه في الإدلاء بأصواتهم. قضية الجداول الانتخابية بذلت فيها وزارة الداخلية جهدا كبيرا وقامت بتجهيز الكشوف الانتخابية علي أقراص مدمجة ووزعتها علي المرشحين, غير أن تلك الكشوف بها الكثير من العوار المتراكم عبر عقود طويلة نتيجة سعي المرشحين قبل ذلك إلي تضخيم الأصوات الانتخابية في بلادهم, فإذا كان عدد الأصوات في قرية ما نحو5 آلاف صوت يقوم المرشح المنتمي إلي هذه القرية بمضاعفة هذه الأعداد ليصبح لها ثقل انتخابي, وبالتالي ظهرت الأصوات المكررة وأصوات المتوفين, وظل هذا الأمر لفترة طويلة حتي تم إيقاف ذلك, واقتصر التعديل والإضافة علي وزارة الداخلية فقط, وإضافة كل من يبلغ سن الرشد إلي الجداول تلقائيا, إلا أن مشكلة الجداول القديمة تظل قائمة حتي الآن وتحتاج إلي جهد كبير لتنقية تلك الجداول وضبطها وإعادة ترتيبها طبقا للحروف الأبجدية وبطاقة الرقم القومي, لتصبح عملية التصويت سهلة وجاذبة للراغبين في المشاركة الانتخابية. الملاحظة الثانية هي خطورة ما يحدث من بعض رجال الأعمال والتجار في صرف مبالغ مالية باهظة خلال الحملات الانتخابية, في محاولة للإيهام بالنفوذ والسيطرة, وبرغم أن السقف المالي محدد لكل مرشح بنحو052 ألف جنيه, إلا أن هذا السقف لا يحترم أبدا من تلك النوعية, ليرتفع إلي أرقام مرعبة تتجاوزة العشرة ملايين جنيه, وربما أكثر أو أقل قليلا, في شكل دعاية هائلة وشراء أصوات وشراء أماكن للدعاية, وحتي المقاهي يتم شراؤها ودفع مبالغ هائلة للبعض من أصحابها, لاحتكار الدعاية في تلك المقاهي وفي مداخلها. تجاوزات السقوف المالية المقررة تجعل الانتخابات ساحة للصراع المالي وليست للمنافسة السياسية أو التنافس في تقديم الخدمات أو البرامج الهادفة إلي تطوير الدوائر وإنقاذها من تردي الخدمات والمرافق وحل مشاكل مواطني تلك الدوائر بشكل حقيقي. الأخطر في تلك النقطة هو الهروب المحتمل لكل المرشحين الجادين من حلبة المنافسة, لأنهم لن يستطيعوا بأي حال إنفاق كل تلك المبالغ وحتي لا يظهروا أمام مؤيديهم وكأنهم مقصرون.الصراع المالي أسهم في رواج سوق البلطجة وتطوع أعداد كبيرة منهم لتمزيق اللافتات وطمس الصور للمنافسين, مادام سيادة المرشح يدفع لهم ليقوموا هم بالمهمة تحت رعايته.أتصور أن قضية الإنفاق المالي تحتاج إلي ضوابط واضحة وعادلة, وعقوبات محددة أهمها شطب المرشح المخالف, وأن تكون تلك العقوبات سريعة التنفيذ, لأن استمرار الوضع علي ما هو عليه سوف ينهي قصة الضوابط المالية, ويزيد الوضع سوءا لتنقلب الانتخابات التشريعية إلي انتخابات مصالح وبيزنس. الملاحظة الثالثة هي غياب الوعي الحزبي لدي معظم الناخبين, وعدم إلمامهم بقضايا الأحزاب والاقتصار علي شخص المرشح, وهي الملاحظة التي تحمل في جوانبها قدرا من الإيجابية, لأن الحكم علي المرشح يظل مرهونا بشخصه, لكنها علي الجانب المقابل تعني غياب الأحزاب عن الشارع وضعف تأثيرها وعدم تجاوب معظم المواطنين معها, مما يحتاج إلي إعادة نظر من كل الأحزاب( حكومة ومعارضة) لمعالجة هذا الخلل خلال المرحلة المقبلة, بحيث يكون هناك توازن في الشارع السياسي, لأن الإصلاح السياسي لن يكون إلا من خلال وجود أحزاب شرعية قوية ومؤثرة, تؤهل نفسها للتداول السلمي للسلطة فيما بعد, وهذا هو التحدي.