يتفق خبراء علم الاجتماع علي أن هناك خللا في منظومة القيم في المجتمع المصري, وهو ما أدي إلي تزايد وتيرة العنف بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ومن أسف فقد انسحب هذا العنف إلي داخل الأسرة نفسها. وهو أمر بالغ الخطورة بلاريب. ويفسر الخبراء انتشار العنف علي هذا النحو بأنه نتيجة للشعور بالإحباط وعدم القدرة علي كظم الغيظ والتحكم في مشاعر الغضب.. وقد يتولد العنف من رغبة في الانتقام أو الحصول علي مكاسب غير مشروعة, بالاضافة إلي ذلك أن أسبابا كالفقر والبطالة والجهل وغياب الدور التربوي سواء للمدرسة أو الأسرة وأخلاق الزحام تلعب دورا محوريا في تأجيج نيران العنف. أما خبراء علم النفس فيرون أن وراء هذا العنف غياب ثقافة الحوار والاعتماد علي ثقافة الخطابة وتلقي الأوامر في مجتمعاتنا الشرقية الأبوية بطبيعة تركيبها التي تثمن كثيرا( المونولوج) أي الحديث من طرف واحد عن( الديالوج) أي الحديث بين طرفين, ولعل المثل الشعبي الذي يقول( اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي) دلالة واضحة علي صحة هذه الرؤية. في سبر أغوار ظاهرة العنف التي تنامت في الفترة الأخيرة يفتش البعض عن اللهاث وراء المادة وسيادة الأنانية واللامبالاة بالآخرين مما ولد تبلدا إزاء ما يعانيه الآخرون وعصبية شديدة في رد فعل لا يتناسب البتة مع حجم الفعل الموجه للأنا, انظر ماذا يحدث عند تلامس ولا نقول تصادم سيارتين وبغض النظر عن الشريحة الاجتماعية والثقافية لقائديهما.. إنهما عادة يتحاوران وتوا باللكمات عوضا عن الكلمات!! ومن أسف فقد أصبحت الطلقات أسرع من الكلمات وأضحت أقذع الألفاظ هي لغة وقاموس الحوار وعند كل خلاف. ولا مراء أن الغضب هو الشرارة الأولي التي تفجر بركان العنف, ولذا فإن النصيحة الذهبية هي( لا تغضب) بفتح التاء, ولكن لابد أن ننوه إلي نصيحة موازية لا تقل أهمية عنها ألا وهي( لا تغضب) بضم التاء, فهناك من الناس من يتفنن في إغضاب الآخرين بالسخرية تارة وبالتحدي تارة أخري, وهو ما يزيد أوار نيران الغضب اشتعالا, ويفقد من يتم إغضابه عقله في لحظة عمي فيرتكب جريمة لم يكن يتصور ولو للحظة في حياته أنه سيرتكبها في يوم من الأيام. تتضح هذه الحقيقة بجلاء من خلال جرائم القتل التي شهدها مجتمعنا في الفترة الأخيرة وكان مرتكبوها ممن يطلق عليهم صفوة المجتمع.. فلقد شاهدنا أستاذ الجامعة والمهندس ورجل الأعمال والمذيع وعضو المجلس النيابي في قفص الاتهام بارتكاب جريمة القتل والتي تعد بحق جريمة الجرائم. نزعم أنه من الضرورة بمكان أن تولي الجهات المسئولة كل اهتمامها لتحليل ظاهرة العنف في مجتمعنا وأن يناط بخبراء علوم الاجتماع والتربية والنفس وعلماء الدين وضع حلول عاجلة تكون بمثابة لجام يكبح جماح العنف الذي انطلق في مجتمعنا بشكل يدعو إلي القلق, وغني عن البيان أن لوسائل الإعلام دورا فاعلا في هذا السياق فمما لا شك فيه أن قضية العنف جد خطيرة وتستحق الاهتمام الإعلامي فهي أخطر بكثير من قضايا هامشية إن لم تكن تافهة تسلط عليها أجهزة الإعلام الأضواء بشكل يدعو للدهشة حينا والحيرة أحيانا!! د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية