المتابع لحال البحث العلمى والصناعة فى مصر يدرك أن الصورة الذهنية الأمثل للوضع القائم هى بمثابة خريطة لكم هائل من الجزر المفتتة والمنعزلة عن بعضها البعض. فمؤسسات البحث العلمى كثيرة ومتعددة من كليات علمية ومعاهد ومراكز متخصصة إلا أن كل من هذه الهيئات مفتته لجزر أصغر من الأقسام والشعب والتى لا تتحاور أو تتفاعل مع الأقسام المجاورة فى نفس المبنى. وفى مكان بعيد تقع الصناعة المتشعبة لصناعات واستثمارات كبيرة ومتوسطة وصغيرة وصناعات مغذية إلا أنها قلما تتشابك داخليا. وبرؤية عامة مجردة سنجد أن حجم الأسئلة والمشكلات التى تعيشها بعض الجزر لها حلول وإجابات فى مناطق أخرى إلا أن لغة الحوار والتفاعل مفقودة وبالتالى من الوارد جدا أن نشهد حالة من التكرار للبحوث العلمية أو الركود العام. المشكلة ليست بالتأكيد هى عدم وجود لغة حوار بقدر ما هى غياب لثقافة التحاور ولا هى مشكلة البعد الجغرافى بين الجزر بقدر ما هى عدم وجود رؤية واضحة لفرص التعاون والمنفعة المشتركة. من أجل كل ذلك كان التفكير فى إيجاد فرص للحوار والتفاعل من تنظيم سوق ومنتدى للابتكار والتكنولوجيا فى الفترة من 26 الى 28 يناير القادم. يقول الدكتور عبد الحميد زهيري منسق برنامج البحوث والتنمية والابتكار بوزارة التعليم العالى والبحث العلمى إننا فى حاجة للعمل على عدة مستويات لتنفيذ إستراتيجية العلوم والتكنولوجيا فى مصر لذلك فإن أهم ما نحرص عليه فى الوقت الحالى هو تهيئة المناخ العلمى وتوفير السبل للتواصل والتحاور على عدة مستويات: - داخل المجتمع العلمى المحلى - بين المجتمع العلمى المصرى والدولى - بين المجتمع العلمى والصناعة - وأخيرا بين العلماء والمجتمع من خلال نشر الثقافة العلمية بين الناس لذلك أجرينا خلال السنوات القليلة الماضية عدة مشروعات لتحقيق هذه الأهداف أهمها شبكة نقاط اتصال بالجامعات والمراكز البحثية عن فرص المنح البحثية التى يقدمها الاتحاد الأوروبى إضافة الى دورات تدريبية متخصصة للباحثين لتدريبهم على تكوين مجموعات بحثية من المراكز البحثية المختلفة وصياغة المقترحات البحثية والتفاوض مع الجانب الأوروبى إضافة الى دورات للتعريف بشروط التمويل فى دول الاتحاد الأوروبى وسبل إدارة المنح ماليا وإداريا. كل هذه الدورات المتخصصة أتت بثمارها حيث زادت المقترحات البحثية التى تقدمها مصر للاتحاد الأوروبى من 400 مقترح فى الفترة من 2004 - 2006 الى 600 مقترح بحثى فى الفترة من 2007 الى 2009 كما ارتفع معدل قبول المقترحات البحثية بشكل ملحوظ عما سبق. إضافة لذلك قام برنامج البحوث والتنمية والابتكار بوزارة التعليم العالي بالعديد من المشروعات لدعم وتشجيع الابتكار العلمى الموجه لخدمة الصناعة منها تمويل 51 مشروعا بحثيا قابل للتنفيذ على المستوى الصناعى بمنحة لا ترد قيمتها 7 مليون يورو، حيث تم انتقاء هذه المشروعات من واقع 719 مشروعا تقدم بها شباب الباحثين كما أن 70% من هذه المشروعات موجهه للقطاع الخاص وبالتحديد الشركات الصغيرة والمتوسطة. ويضيف الدكتور عبد الحميد زهيري أن هذه الحصيلة من المشروعات فى حاجة لمزيد من الضوء والاهتمام على المستوى المحلى أو الدولى لذلك حرصنا تقسيم سوق ومنتدى الابتكار الى ثلاث أقسام الأول سوق لعرض الابتكارات التى قمنا بتمويلها إضافة الى كافة الابتكارات والاختراعات التى تدعمها هيئات أخرى مثل مكتبة الإسكندرية مكتب براءات الاختراع جمعية نهضة المحروسة حيث سيكون السوق بمثابة فرصة لكل مبتكر مصرى يريد عرض فكرته أو اختراعه للحضور من رجال الأعمال المصريين والأجانب. إضافة لذلك، وتشجيعا لنشر الثقافة العلمية بين الأطفال والشباب سيقام جناح تفاعلى للأطفال يشارك فيه كم هائل من الشركات والهيئات البحثية الدولية منها وكالة الفضاء الأمريكية والجامعات والمراكز البحثية حيث سيتم تنظيم مسابقات وورش عمل للأطفال فى موضوعات عديدة مثل الطاقة النظيفة والبيئة وتصميم الألعاب الإلكترونية وهى فى مجملها تتيح للأطفال التعلم بطريقة مختلفة تعتمد على اللعب والترفيه وليس الحفظ والتلقين. كما ستقام المسابقة النهائية لمختبر الشهرة والتى ستقام بين عشر متسابقين من شباب الباحثين بهدف الوصول لنموذج من العلماء لديهم القدرة على شرح المواضيع العلمية الصعبة بطريقة مبسطة ومسلية للعامة. ويضيف الدكتور عبد الحميد زهيرى إنه على المستوى الدولى يهدف هذا الحدث لبناء روابط بين المجتمع العلمى والصناعى فى مصر ودول حوض المتوسط ودول الاتحاد الأوروبي وخلق فرص وفتح قنوات تعاون بينهم، فضلا عن أنه يتزامن مع رئاسة مصر المشتركة للاتحاد من أجل المتوسط بما يضفى عليه بعدا سياسيا هاما. كما يعد هذا الحدث ذو أهمية كبرى نظرا لكونه ينظم للمرة الأولى فى مصر والمنطقة كما سيشهد تدشين عام العلوم والتكنولوجيا المصرى الفرنسى لذلك تم تخصيص قسم من المنتدى لمشاركات المراكز العلمية والبحثية من عدة دول أورومتوسطية مثل فرنسا، المغرب، قبرص المملكة المتحدة والمانيا. كما ستقام جلسات متخصصة للمعنيين بسياسات البحث العلمى والتكنولوجيا منها فرص التعاون البحثى المصرى الأورومتوسطى فى موضوعات عديدة منها الطاقة الشمسية وخدمات الاتصال وتغير المناخ وموضوعات كثيرة نحن فى حاجة للتحاور فيها لتقليل حالة العزلة التى تعيشها جزر بحث العلمى فى مصر.