محمود الشلبي شاعر وناقد وأكاديمي أردني, حصل علي الدكتوراه في اللغة العربية( تخصص أدب ونقد) من جامعة الأزهر عن رسالته الصورة الفنية في شعر المتنبي عام1981 تقلب في مستويات عدة من العمل: مدرسا فعميدا لعدد من الكليات الحكومية في وزارة التربية والتعليم العالي وجامعة البلقاء التطبيقية, حيث يعمل مستشارا لرئيسها للشئون الثقافية والإعلامية, كما يرأس تحرير مجلة وسام التي تصدر عن وزارة الثقافة الأردنية, وتعني بثقافة الأطفال والفتيان وأدبهم. تعرفت عليه لأول مرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي, حين كان هو والدكتور إبراهيم السعافين الناقد والأستاذ الأكاديمي مسئولين عن الأمسيات الشعرية والملتقيات الثقافية في مهرجان جرش, ونجح بحيويته الفائقة وحسه الفني الرفيع في إضفاء طابع من الألفة والتناغم علي قبيلة الشعراء والباحثين المشاركين في المهرجان وهم في العادة, لا يألفون ولايؤلفون! وفي مرحلة تالية من تعرفي عليه اكتشفت فيه الشاعر, وعرفت حجم شاعريته وتمرسه الطويل بالإبداع الشعري منذ ديوانه الأول عسقلان في الذاكرة1976, وتوالت بعده دواوينه: ويبقي الدم ساخنا1982, وأشجار لكل الفصول1985, ومنازل لقمر الآس1991, وأجيئك محترسا من نبضي1996, وأحلام نافرة1997, وسلالم الدهشة2002, وأحدث دواوينه: سماء أخري وكان طبيعيا أن تمنحه حياته الأكاديمية الممتدة وانغماسه في البحث الأدبي والنقدي قدرا كبيرا من الرصانة الفنية واللغوية انعكست علي لغته الشعرية ومساحة واسعة من الوعي الجمالي والحياتي الذي يتجلي في معمار قصيدته من ناحية وفي تجاربه الإنسانية المعمقة والمكثفة من ناحية أخري. كما أنه من الطبيعي ان تجيء قصيدته في الشكلين العمودي والحر تعبيرا عن استيعابه لجماليات القصيدة العربية عبر مسارها الطويل معتمدا علي الصورة الفنية, والترميز الإشاري والإيقاع الموسيقي واللغة الشعرية الحديثة والمواكبة لنزعة التجديد والتطوير. يقول في القصيدة التي أصبحت عنوانا لأحدث دواوينه سماء أخري: خفقت بقلب الوقت أغنية الجهات ولامست قلبي الذبيح فأعشبت دربي جاءت, فكان لها فضاء خالص من زرقة شفافة, وملاءة بيضاء, تسكب من ندي الحب هذي سماء العاشقين تباعدت حتي دنت وتألقت أفلاكها حتي غدت كقصيدة من أعين الشهب هذي سمائي أستفيق لها. وأكتب ماتبقي من سطور صبابتي لعيونها, وحضورها في الموقف الصعب يتصاعد المعني إلي شرفاتها يمتد خط رؤاي نحو نسيج ألفتها, المرايا تصطفيها من صفاء مياهها, فإذا بها إيقاعنا الممتد بين الارض والأرض البعيدة. بين شرق النبض والغرب! واضح في هذا النموذج المقتطع من أحدث قصائده حرص الشاعر علي الإيقاع, والوزن العروضي, والتقفية الملتزمة في يسر وطواعية, وكلها أمور تشي بهوية الشاعر المدجج بعروبته هوية ولغة وإبداعا, فهو وجيله من شعراء السبعينيات في الأردن قد نجوا من الشرذمة والتخليط الذي أصاب بعض أبناء هذا الجيل في أقطار عربية أخري, وهنا يصبح انتماء الشاعر الأكاديمي وحسه النقدي الواعي عاصما له من مسايره دعاوي تؤدي إلي التغريب والهجنة والانفلات باسم الحداثة والتجديد المفتري عليهما. يقول محمود الشلبي في قصيدته قنديل الوحشة وهي في وداع صديق راحل: رحلت وفي قلبك المقدسي شموع وأشجار حلم وطيف اغتراب أراك تفر إلي سدرة المنتهي حاملا تاجك الأرجواني في موكب العشب تجمع ورد السحاب وظلك نهر رماد يسير سريع الخطي نحو أيامك الغر نحو المدي والردي إلي آخر السطر تمضي وحيدا ومختصرا رحلة العمر خاتمة في كتاب!