«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراعات المسلحة أكبر تهديد للسودان
إيبى: أمل فوزي - تصوير: صلاح إبراهيم
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 11 - 2010

لم يكن الطقس الذي تحول من صيفي شديد الحرارة إلي خريفي غزير الأمطار هو الشيء الوحيد الذي شهد تغييرا في الجنوب. وذلك ما بين زيارتي أثناء الانتخابات ثم عودتي مرة أخري بعد تشكيل الحكومة فقد لمست تغيرا في تعامل الناس مع قضية الانفصال‏,‏ فصور الرئيس عمر البشير التي كانت موجودة علي استحياء في بعض الأماكن لم يعد لها أثر‏,‏ في حين أمتلئت الشوارع بلافتات موقعة من جماعة تحمل اسم‏(‏ الشباب من أجل الانفصال‏)‏ وهي تحث الحكومة علي الإسراع في تنفيذ إجراءات الاستعداد للاستفتاء‏,‏ وفي الوقت الذي لمست بنفسي هدوءا كبيرا في الشارع الجنوبي أثناء الانتخابات شاهدت بعدها ولأول مرة التظاهرات بالسيارات النصف نقل والموتوسيكلات‏(‏ البودا بودا‏)‏ تجوب مدن الجنوب للمطالبة بإتمام الانفصال وعدم الموافقة علي تأجيله بالطبع لا يمكن الجزم بأن شعب الجنوب كله يريد الانفصال ولكن المؤكد أن النخبة الحاكمة والشباب المنخرطين في العمل السياسي يحاولون قيادة الرأي العام في هذا الاتجاه كثيرون من الذين التقيت بهم يتشوقون لفكرة التحول إلي دولة مستقلة‏(‏ حتي من الذين يعارضون سيطرة الدينكا علي مقاليد الحكم‏)‏ وعندما تذكرهم بالتحديات التي يمكن أن يلاقيها الجنوب بعد الانفصال فإن هذا لا يثنيهم عن أرائهم بل يصرون عليه أكثر‏,‏ فلسان حال كثيرون هو لننفصل أولا وليحدث بعد ذلك ما يحدث‏.‏ ومن أشهر الذين يتزعمون الشباب في تلك المظاهرات شاب يطلق عليه بودا في حين أن المحرك الرئيسي لتلك التجمعات هو مارتن ماجوت ياك وهو السكرتير القومي للمنظمات الجماهيرية والفئوية في الأمانة العامة للحركة الشعبية لتحرير السودان‏.‏
الأماتونج‏..‏ السودان الجديد
كثيرون منهم يتطرقون حتي لتفاصيل ما بعد الاستقلال فمثلا من حيث اسم الدولة فالأغلبية يبدون تمسكهم باسم السودان لدولتهم وأن أختلف البعض في إذا ما كان سيطلق عليها السودان الجديد أو سيصبح اسمها جنوب السودان وهناك من يريد اسم أخر للدولة وقالت لي سارة جيمس أنه كان مقترحا منذ اتفاقية فاشودة للسلام وهو‏(‏ أماتونج‏amtong)‏ وهو اسم شجرة في الجنوب معروفا عنها أنه إذا ما حفروا أسفلها في موسم الجفاف فإنهم يجدون ماء‏.‏والحقيقة أن تسمية الدولة ليس هو ما يستدعي التوقف أمامه ولكن هناك تحديات جمة تواجه الجنوب في حال الانفصال ويدركها جيدا الجنوبيين قبل الشماليين‏,‏ جزء منها يتعلق بمقومات الدولة وقدرتها الشاملة الحالية وجزء آخر يتعلق بتداعيات الانفصال علي الأوضاع الداخلية للجنوب أمنيا واجتماعيا‏.‏

تحديات الانفصال
فتحدث نبيل البتانوني وهو خبير اقتصادي من الشمال عن المصاعب الاقتصادية التي يمكن أن يواجهها الجنوب في حالة الانفصال من كونها ستصبح دولة حبيسة تعتمد بشكل كبير علي الشمال في الاستيراد والتصدير لا سيما وأن تكاليف الاستيراد والتصدير من خلال الطيران مكلفة جدا ولا يمكن الاعتماد عليها في كل شيء وخصوصا وأن الجنوب يعتمد علي الاستيراد بنسبة‏100%‏ تقريبا‏,‏ أيضا هناك ارتباط لا يمكن فصله في الفترة الحالي بين الشمال والجنوب بسبب وجود المصافي التي يكرر فيها بترول الجنوب في الشمال كما أنه يتم تصديره عن طريق ميناء بور تسودان وفي حين أن البترول يشكل‏45%‏ من الناتج القومي في السودان ككل نجد أن الدخل القومي في الجنوب يعتمد بنسبة‏98%‏ علي نسبتهم من البترول‏.‏ ورواتب جيش الحركة الشعبية ومرتبات الموظفين في الوزارات تعتمد بشكل كامل علي دخل البترول الذي يحصلون عليه من الشمال‏,‏ وهو ما يعني أن في حال قطع أو تعطل المال عن الوصول أن يكون الجيش خارج السيطرة‏.‏
أيضا هناك ارتباط نقدي بين الشمال والجنوب لتعامل الجنوب بالجنيه السوداني حيث أن الشمال يمنحهم نصيبهم من البترول بالجنيه وليس بالدولار وبالطبع لا توجد قدرة حالية علي إصدار عملة جديدة خاصة بهم لأسباب عديدة أبسطها علي الإطلاق أنه لا توجد حتي الآن مطبعة من أي نوع في الجنوب وبالطبع لا توجد مطبعة بنكنوت‏(‏ وإن كان قد ترددت شائعات عن قيام الحكومة بمحاولة استيراد مطبعة مؤخرا‏)‏ ولكن الأهم عدم وجود نظام مصرفي كامل يدير السوق ويتحكم فيه‏.‏ وعدم وجود أنظمة واضحة للتعامل هو أمر ينسحب علي قطاعات أخري فمثلا عدم وجود نظام لمحاسبة الناس علي ما يحصلون عليه من كهرباء جعل تلك الخدمة تقدم لمعظم المستفيدين منها بالمجان وهم يبحثون حاليا الطرق الممكنة لتحصيل تلك الفواتير في المستقبل‏.‏
‏عجز في الكوادر
ويمكن من خلال زيارة الجنوب أن نتبين مصاعب أخري منها طبيعة شعب الجنوب والذي عاش لعقود طويلة تحت وطأة الحروب مما أفقده القدرة علي اكتساب مهارات في مجالات العمل المختلفة واعتمد لسنوات عديدة علي ما يقدم له من إعانات من الجهات المانحة لذا نجد أن معظم من يعمل في الجنوب حتي في أبسط المهن مثل قيادة التاكسي أو حتي تقديم الطعام في الفنادق من جنسيات أخري من أوغندا وكينيا وليبريا وأثيوبيا ومصر‏,‏ هذا بخلاف أن قطاع التجارة يعتمد بالكامل علي تجار الشمال ودارفور والذين يسيطرون علي الأسواق ولا يمكن الاستغناء عن ما يقدمونه من خدمة في الجنوب‏,‏ فرغم المضايقات التي تعرض لها الكثيرون منهم ودفعت بعضهم لترك الجنوب فإن سيطرتهم علي الأسواق لا تزال واضحة وذلك رغم المنافسة الأوغندية القوية‏.‏
والجنوب يفتقد لوجود الكوادر الكافية والقادرة علي تغطية احتياجات الجنوب في قطاعات عديدة وفي مقدمتها التعليم والصحة فهناك مدن بأكملها لا يوجد بها جراحين أو أطباء أخصائيين‏.‏
أيضا هناك نقص كبير في عدد المعلمين حتي أن‏(‏ معهد مريدي‏)‏ وهو أخر معهد من المعاهد الستة لتدريب المعلمين والتي كانت موجودة في الجنوب والذي كان مستمرا في العمل قد أغلق في العام الماضي نظرا لعدم وجود تمويل مالي له من حكومة الجنوب‏.‏
وعندما طرحت بعضا من تلك المصاعب علي مارتن ماجوت سكرتير التنظيمات الشعبية قال لي‏:‏ وماذا قدمت لنا الوحدة مع الشمال في هذا الصدد فما نحن فيه الآن تعلمه الحكومة المركزية في الشمال ولم نفعل فيه شيئا فهي ترفض أن تنفق في الجنوب ولا تمنح له ميزانية كجزء من السودان ككل وإنما تمنحه نسبة يسيرة من عوائد البترول الموجود في الجنوب فقط‏.‏
‏ما بعد الانفصال
ومع اعترافنا بأن كل ما سبق هو مشكلات حقيقية تواجه الجنوب فإن هناك الكثير من الأمور التعامل معها ليس مستحيلا في حال الانفصال فبالنسبة لمصافي البترول فإن الصين والتي تعد السودان رابع أكبر مصدر للبترول لها فمن مصلحتها أن تبني خط أنابيب جديد من الجنوب إلي مومبسا في كينيا وتقيم مصافي لتكرير النفط في الجنوب خصما من عائد النفط أو في نظير عمل تعاقد جديد مرضي مع الجنوب أسوة بالتعاقد الذي سبق ووقعه مع حكومة الخرطوم وكانت الصين تحصل فيه علي النصيب الأكبر ويقتسم السودان شماله وجنوبه النسبة اليسيرة التي يحصلون عليها‏.‏
أما بالنسبة للقطاع المصرفي فبالطبع سيتم التعامل بالجنيه السوداني لفترة حيث يصعب سحبه سريعا ولكن ينبغي ألا نغفل أن استخدام الدولار في الجنوب شائع جدا ويمكن التعامل به لفترة جنبا إلي جنب ومع الجنيه السوداني لحين إصدار عملة خاصة بهم ولكن ينبغي هنا الإشارة إلي أمر استوقفني في الجنوب وهو أنه من الممنوع تداول الدولارات التي تحمل تاريخ قبل عام‏2006‏ حيث ترفض أية جهة استلامها في الجنوب وأحيانا يتم تغييرها للمضطر بنصف قيمة الدولار وبشكل غير رسمي وهو الأمر الذي لم أفهم مبرراته‏.‏
‏‏ البديل الأوغندي
بالنسبة للتجارة فيمكن للجنوب الاستعاضة بالاستيراد من أوغندا بدلا من الشمال وخصوصا لو علمنا أنه وفقا للبنك المركزي الأوغندي فإن حجم الصادرات الحالية للجنوب تصل شهريا لحوالي‏170‏ مليون دولار ولا يوجد ما يمنع من زيادتها‏.‏
وبالنسبة لاعتماد الجنوب علي استيراد مواد البناء بالكامل من الشمال فيبدو أن كينيا فطنت لذلك وقامت بالتعاون مع الهند في عمل مصنع للاسمنت بتكلفة قدرها‏105‏ مليون دولار في شمال غرب كينيا بالقرب من الحدود السودانية وذلك للاستفادة من احتياج الجنوب لتحسين الأوضاع الاقتصادية في كينيا بمثل هذه المشاريع‏.‏
‏‏لغة الرصاص
المشكلة التي تؤرق المجتمع الدولي من الانفصال هي أن وتيرة الصراع بين القبائل في تصاعد والانشقاقات في جيش الحركة الشعبية يحدث بشكل متكرر ولغة السلاح هي القوة الأولي التي تتحكم في مناطق عديدة في الجنوب ويروي لي أحد المراقبين الدوليين الذين أشرفوا علي الانتخابات ما حدث في ولاية الوحدة أثناء الانتخابات والتي كان مرشحا فيها الدكتورة أنجليكا زوجة الدكتور ريك مشار نائب رئيس الحكومة في الجنوب وكان أمامها مرشح الحركة الشعبية وحاكم الولاية تعبان دينق ولأن الولاية بها نسبة كبيرة من قبيلة النوير التي تنتمي إليها أنجليكا فقد أعطوا أصواتهم لها ولكن تعبان لم يعترف بالنتيجة وقام بأخذ صناديق الانتخابات وأعلن نفسه فائزا بالانتخابات‏,‏ وهو الأمر الذي لم ينفيه د‏.‏ ريك مشار نفسه عندما سألته عن هذا الأمر فتعبان دينق هو حاكم قوي وله سطوة كبيرة علي الجيش هناك وهو ما جعل له الكلمة العليا‏,‏ ونفس الأمر تكرر في ولاية جونجلي والتي رشح فيها نفسه القائد العسكري جورج أطور وعندما خسر أمام الحاكم كوال مدينق قام بحركة تمرد في الجيش وكان يطالب بتقسيم ولاية جونجلي ليتولي منصب الحاكم في الجزء الذي يري أن به مؤيديه‏!!‏
هذا بخلاف الصراع بين القبائل بسبب نزاع علي أبقار وفي العام الماضي سجلت الأمم المتحدة العديد من المعارك التي سقط فيها مئات القتلي وبالطبع فإن الانفصال قد يؤجج تلك الصراعات بشكل أكبر‏.‏
‏ آبيي‏...‏كركوك السودان
يختلف المحللين في وصف وضع مدينة آبيي في العلاقة ما بين الشمال والجنوب ومدي أمكانية أن تكون نقطة اشتعال الصراع بينهما مرة أخري وهناك من يشبهها بكشمير وذلك كما قال لي سلطان الدينكا هناك والبعض يري أن وضعها أقرب لكركوك العراق علي اعتبار أن أصل الصراع يدور حول البترول وهناك من يري أنها لا هذا ولا ذاك وأن الجنوب يستخدمها كورقة للضغط علي الشمال لإتمام أتفاق الانفصال فأهمية آبيي لا يعود لمجرد وجود بترول فيها‏,‏ فحسب وإنما لأنها مسقط رأس عدد من قيادات الجنوب ومنهم علي سبيل المثال دنج الور وكذلك فإن أغلب سكانها من الدينكا والذين يتصارعون مع قبائل المسيرية الشمالية‏.‏
ولقد كان هناك صراع بين الشمال والجنوب علي منطقة أجليج وإذا ما كانت تتبع آبيي أم لا وحسمتها محكمة العدل بأنها لا تتبعها وأن بقيت آبيي قضيتها لم تحسم بعد ومن المفترض أن يتم استفتاء أهلها إذا ما كانت تتبع الشمال أم الجنوب‏.‏
والحقيقة أن آبيي من أكثر المدن التي زرتها معاناة فالصراعات والقتال العنيف بها ما بين القبائل أتي علي الأخضر واليابس فرغم وجود سكان هنا وهناك فإنك لابد وأن يعتريك شعورا بأنك تزور مدينة مهجورة حيث تسيير لمسافات حتي يمكن أن تري بعضا من القطيات‏(‏ الأكواخ‏)‏ المتناثرة والمعروف أن هناك صراعا عنيفا يثور ما بين الحين والآخر ما بين قبيلة الدينكا الجنوبية وقبيلة المسيرية الموالية للشمال ولأنها قبيلة رعوية فهي تنتقل في الصيف من مكان لأخر للبحث وراء الماء مما يجعلها تعتدي أحيانا علي أراضي الدينكا فينشأ الصراع والذي يعلو فيه صوت الرصاص ويسقط فيه مئات القتلي والجنوبيين يتهمون حكومة الشمال بدعم المسيرية في صراعاتها ضد الدينكا ويرون أنهم أسقطوا آبيي من المشاركة في الانتخابات الماضية خوفا من أن تظهر انتماء آبيي للجنوب وذلك بحسب ما قال لي كوال دينق كوال سلطان الدينكا في آبيي حيث أوضح أنه في الوقت الذي تجاهلت مفوضية الانتخابات آبيي قامت حكومة الجنوب بتخصيص مقعدين لآبيي في ولاية واراب وكذلك مقعد للمرأة كما خصصت مقعدا لآبيي في المجلس الوطني بالخرطوم خصما من المقاعد الأربعين المخصصة للجنوب وعندما أدركت حكومة الشمال ذلك قامت ولاية جنوب كردفان بتخصيص مقعد لآبيي باعتبار أنها تابعة للولاية‏.‏
‏لماذا آبيي‏!!‏
وعن أصل الصراع بين الشمال والجنوب حول آبيي يقول سلطان الدينكا كوال دينق أن آبيي أرض مليئة بالموارد الطبيعة فبجانب البترول هناك من يتحدث عن وجود اليورانيوم وموارد أخري عديدة وهذا سر أهميتها‏,‏ وآبيي كانت تتبع إدارة الجنوب ثم قام الحكم المصري الإنجليزي بنقل تبعيتها للشمال لظروف أمنية رغم أن أغلبية السكان كانوا ينتمون للجنوب وبدأت الحكومة بعد ذلك تدفع قبيلة المسيرية للوجود في آبيي وتدعمها في صراعاتها مع الدينكا وخصوصا مع احتياج قبيلة المسيرية لمرعي لأبقارها في موسم الصيف وهو ما جعل الصراعات تتأجج‏.‏
ولكن ومع اتفاق السلام ثم عمل برتوكول آبيي والذي يتضمن أجراء استفتاء في آبيي حول انضمامها للشمال أو الجنوب والذي سيجري متزامنا مع استفتاء انفصال الجنوب‏.‏
سألته عن رغبة أهل آبيي في الانفصال فقال الانفصال ليس هو الحل الوحيد أو نهاية المطاف ولكنه بداية ليتعامل الشمال مع الجنوبيين بندية واحترام كما أنه هام للجنوبيين ليشعروا أنهم ليسوا تابعين لأحد‏.‏
وعن الصراع والاقتتال الذي ينفجر بين القبائل من الحين للأخر فيقول للأسف لا يزال هناك الكثير من الأسلحة سواء مع المسيرية أو الدينكا ولك أن تتخيلي أن تعداد السكان في آبيي انخفض بسبب تلك الصراعات من‏200‏ ألف نسمة إلي‏30‏ ألف فالمدينة هدمت بالكامل حتي أن كل محلات السكن والأشغال المختلفة الموجودة حاليا مبنية حديثا وعن إذا ما كان حكم محكمة العدل الدولية بأن منطقة أجليج الغنية بالبترول لا تتبع آبيي يمكن أن يحد من الصراعات ؟ فقال المحكمة حكمت بأن حدود آبيي الإدارية لا تضم أجليج ولكن هذا لا يعني أن أجليج لا تتبع الجنوب لأن حدود‏56‏ ما بين الشمال والجنوب لم ترسم بعد حيث تضع حكومة الشمال العراقيل أمام تحديدها‏.‏
وعن إذا ما كان من الممكن أن يتجدد الصراع ما بين الشمال والجنوب بسبب آبيي ؟ فأجاب إذا قامت حكومة الشمال بالتزاماتها واتفاقاتها الدولية فلن يحدث صراع ولكن وكما هو واضح فإن قبائل المسيرية والتي تتحرك دائما بدافع من الحكومة أعلن أحد قادتها رفضه لحكم محكمة العدل الدولية والذي يرون أنه يحرمهم من الرعي في مناطقنا والأهم أنهم لن يشاركوا في التصويت في الاستفتاء وهم يثيرون القلائل رغم رضوخنا نحن لقرار المحكمة والذي حرمنا من بعض مناطق البترول التي كانت تتبع آبيي‏.‏
في الحلقة القادمة‏:‏
مصر في الجنوب‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.