ما زالت إشكالية الأخوان المسلمون في إطار الماضي والمستقبل, بين كثير من الأسئلة التي أشار إليها د. وحيد عبد المجيد في كتابه الأخير الإخوان المسلمون بين الماضي والمستقبل.. فكيف يمكن تجسيدها؟ وكنا قد اشرنا هنا الي العديد من الاسئلة التي يطرحها الكتاب وفي حالة مصر علي وجه التحديد كيف ستكون علاقة هذه المرجعية بالأزهر وعلمائه,؟ وهل فكر الإخوان وغيرهم من الإسلاميين الذين يطرحون فكرة النظام الديمقراطي ذي المرجعية الدينية في موقع الأزهر في الإطار الذي يتصورونه, أم أن هذا الإطار ما زال محض خطوط عامة لم يحدث تفكير في كيفية تطبيقها؟ ثم كيف ستسير العلاقة بين المرجعية أيا تكون صورتها والمجلس التشريعي المنتخب؟ وهل يكون اعتراض المرجعية علي تشريع أصدره هذا المجلس نهائيا؟ وماالذي يبقي من مبدأ السيادة للشعب الذي تمتنع الديمقراطية في غيابه؟ ثم ماذا لو اختلفت المرجعية علي تشريع ما, فرأي بعض علمائها انه لا يخرج علي مبادئ الشريعة فيما رأي بعض آخر أنه يحل حراما أو يحرم حلالا؟ وليست هذه إلا عينة من أسئلة كثيرة يثيرها مفهوم النظام الديمقراطي في إطار مرجعية إسلامية, بما وضح فيه وما غمض. فالواضح فيه يتعارض مع أهم مقومات الديمقراطية التي تمتنع حين تحضر المرجعية الأحادية التي تقترن بالنظام الشمولي. أما الملتبس فيه فهو يعود إلي عدم قدرة أصحابه علي تقديمه في صياغة تنسجم مع مقومات الديمقراطية, أو علي الأقل لا تتعارض معها تعارضا جوهريا. والمعضلة, هنا-كما يلاحظ الكاتب- هي أنه لا توجد دلالة محددة وواضحة لمفهوم المرجعية في الفكر السني. لقد رأينا المرجعية الشيعية في التطبيق سلطة دينية عليا تمتلك الحق في مراجعة كل ما يقوم به غيرها بينما لا تسأل هي أو تراجع. فليست هناك صيغة أخري معروفة للمرجعية التي يقول بعض الإخوان إنها لا تعني سلطة دينية. وليس لديهم اجتهاد محدد يوضح كيفية تجسيد هذه المرجعية بطريقة لا تجعلها سلطة دينية متعالية تراجع كل ما يصدر عن المؤسسات الدستورية في الدولة والمجتمع لتجيزه أو تهدره.والحال أن مجرد وجود هيئة ما فوق المؤسسات الدستورية يؤدي إلي دولة دينية حتي إذا كان نظامها السياسي مكتمل الأركان من الناحية الإجرائية, وحتي إذا لم يكن أعضاء هذه الهيئة من رجال الدين. فحكم هؤلاء ليس شرطا للدولة الدينية لأن العبرة بدورهم والصلاحيات المخولة لهم وطبيعة سلطتهم. فالعبرة ليست بمن يحكم, بل بكيف يحكم. وإلي أن يتمكن الإخوان المسلمون من حل هذه العقدة المحورية, ستظل مواقفهم تجاه المسألة الديمقراطية متعثرة بالرغم من حرص قيادتهم علي اتخاذ خطوات إلي الأمام بشأنها منذ منتصف العقد الأخير في القرن الماضي عندما أصدروا الوثيقة المعروفة عن الشوري في الإسلام. وهومايجب التنبه اليه في هذا السياق.. لقد كانت هذه خطوة مهمة إلي الأمام في موقف الإخوان تجاه المسألة الديمقراطية. ولكنها لم تكن مكتملة أو قل إنها تعثرت في عقدة المرجعية. وأدي ذلك إلي إضعاف مفعول التقدم الذي عبرت عنه الوثيقة تجاه تأكيد القبول بالتعدد الحزبي وتداول السلطة عبر انتخابات دورية. ويعني ذلك أن هناك مرجعية عليا لابد أن تلتزم بها الأحزاب والجماعات السياسية كلها, وليست جماعة الإخوان فقط, ويتعرض من يخرج عليها للإجراء الشرعي, بحيث لا يبقي في الساحة السياسية غير أحزاب تنتمي إلي مرجعية واحدة هي التي تؤطر التعددية. والواقع ان هذا نزوع احتكاري- كما يرصد وحيد- يتعارض مع التقاليد الديمقراطية, التي تجعل تحديد المقومات الأساسية للعملية السياسية رهنا باتفاق مختلف الأحزاب والتيارات وتفاهمها, بحيث تكون هذه المقومات حصيلة القواسم المشتركة بينها. وعندئذ يتحقق التراضي العام, الذي لا يمكن الوصول إليه إلا عبر حوار جدي يشارك فيه الجميع, ويلتزمون بنتائجه التي تمثل مقومات العملية السياسية. كانت اشكالية المرجعية أكثر مايلاحظ خاصة لدي التيارات الحديثة لجماعة الاخوان.. ومن إشكالية المرجعية إلي إشكالية العلاقة مع التيارات الأخري يلاحظ المؤلف هنا ان الجماعة لم تستطع تبديد المخاوف من مشروعهم السياسي أو الحد منها لأنها مخاوف حقيقية وليست فقط من صنع الذين استخدموا الأصولية الإسلامية فزاعة من أجل أهداف يتوخونها. وإذا كان الأقباط في مقدمة الخائفين فان الخوف يشمل قطاعا يعتد به من النساء كما إنه من الطبيعي أن يكون المثقفون في صدارة الخائفين علي المقدار المتاح الآن من حرية التفكير والتعبير والإبداع, خصوصا وأن تجربتهم مع بعض نواب الإخوان في البرلمان مريرة. ومتابعة الواقع الفكري والسياسي هنا يلاحظ ان بعضهم قد مارس رقابة علي العقل والإبداع أكثر مما راقبوا السلطة التنفيذية وأجهزتها كما تشمل هذه المساحة أحزابا وتيارات سياسية أخري يوفر التباس مواقف الإخوان المسلمين تجاه المسألة الديمقراطية فرصة لقادة بعضها الذين لا يريدون التعاون معهم لأسباب تتعلق بحساباتهم ومصالحهم في المقام الأول. كما تدفع آخرين يخافون فعلا هذا الالتباس وآثاره المستقبلية إلي المحافظة علي مسافة بمنأي عنهم. ويلاحظ د.وحيد عبد المجيد في نهاية لوحاته الفكرية الجادة, وفي اطار المقارنة بين حزب الجماعة في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا ان هذا الحزب الأخير بدا متفوقا علي الجماعة المصرية لأسباب كثيرة منها أن الحزب التركي كان أكثر قدرة علي الاجتهاد والتوفيق الخلاق بين ما لا يمكنه تجنبه وما لا يستطيع ان يقبله.. وهذاالمشترك السياسي الذي سعي اليه الحزب في أنقرة لم يصل اليه بعد حزب الإخوان في القاهرة لغياب الوعي بالمشترك الثقافي في التجربة.. بيد ان اعادة النظر في المقارنة بين التجربتين المصرية والتركية قضية تستأهل التمهل والفهم العميق في العصرا لحديث... وهومايسهب حوله الكتاب ويصل منه الي نتائج مهمة..