ما لا يدرك, لا يترك كله.. هكذا يجب أن نتعامل مع قرار الحزب الوطني ترشيح عشرة من المواطنين الاقباط بين مرشحيه لانتخابات مجلس الشعب المقبلة, كما يجب أن ألا ننسي أن هناك مرشحين أقباطا تقدم بهم حزب الوفد, وهناك أيضا مرشحون أقباط تقدموا كمستقلين, والمطلوب الآن من كل القوي السياسية المصرية. وكذلك من الناخبين العمل بكل الوسائل القانونية لإنجاح جميع هؤلاء المرشحين الأقباط, مهما يكن انتماؤهم الحزبي. لقد كنا نأمل مثلنا في ذلك مثل كل مصري يرفض الطائفية ويؤمن بدولة القانون الديمقراطية التي لا تفرق بين مواطنيها لأي سبب كان أن ترشح كل الأحزاب عددا أكبر من الأقباط, وكنا نأمل من الحزب الوطني بالذات أن يختار عددا أكبر من المرشحين الأقباط, ليس فقط لأنه الحزب الحاكم الذي يتوقع أن يحصل علي الأغلبية البرلمانية, حتي وإن خلت الانتخابات من شبهات التدخل والضغط الحكوميين, واتهامات التزوير, ولكن أيضا لأن هذا الحزب شاء أم أبي هو الحامل لتراث نظام ثورة32 يوليو السياسي, وهو النظام الذي اتفق علي أنه قضي علي الليبرالية التي رسخت مبدأ الدولة الوطنية المصرية القائمة علي المساواة في المواطنة بين أتباع الديانات المختلفة, وعلي مشاركة الجميع, والأهم من ذلك علي قيام المنافسة الإنتخابية علي أسس سياسية بحق, ثم إن الحزب الوطني علي أية حال هو الذي بادر بإقامة نظام التعدد الحزبي, بدلا من نظام الحزب الواحد, وهو الذي بادر أيضا إلي إدخال مبدأ المواطنة في صلب الدستور في إطار التعديلات الأخيرة, وهي كلها خطوات نحو استعادة قيم الليبرالية السياسية حتي وإن بدت للبعض خطوات محدودة وبطيئة, ومع ذلك فطبقا للقول المأثور الذي بدأنا به هذه السطور فإن ما لايدرك كله, لا يترك كله. ولابد أن الحزب الوطني لديه أسبابه التي قد يقتنع بها البعض, ولا يقتنع بها البعض الآخر لعدم ترشيح عدد أكبر من الأقباط العشرة, ولكنها علي الأرجح حسابات تتعلق بالقدرة علي المنافسة, ولا تتعلق مطلقا بسياسة مقصودة للحد من تمثيل الأقباط, من هنا فإن انجاح هذه البداية عن طريق ايصال اكبر عدد من الأقباط إلي مقاعد مجلس الشعب بأصوات الناخبين هو وحدة الضمان لاجتذاب الاخوة الأقباط للمشاركة السياسية ولهزيمة الساسيات الطائفية, ولتشجيع الأحزاب والحزب الوطني في المقدمة منها علي التوسع في ترشيح أعضائه الأقباط في المستقبل, وصولا إلي المرحلة التي لا يعود فيها أحد يتساءل: هل هذا المرشح مسلم أم قبطي ؟! ولن يكون معيار نجاح التجربة هو فوز أكبر عدد من المرشحين الأقباط بعضوية مجلس الشعب بأي ثمن والسلام, ولكن المعيار الأهم والمضيء للمستقبل هو فوزهم بأكبر عدد من أصوات الناخبين, ولن يتأتي هذا إلا باقبال كثيف من الناخبين في الدوائر التي نزل فيها إلي الحلبة مرشحون أقباط, ومرة أخري نقول إن هذا مطلوب, سواء كان المرشح القبطي ينتمي إلي الحزب الوطني, أو كان ينتمي لأي حزب آخر, أو كان مستقلا. ولن يحدث هذا الذي ندعو إليه ونتمناه من تلقاء نفسه, إذ لابد من العمل الجاد من الجميع للوصول إليه, وعليه فإننا نقترح علي الأحزاب( والحزب الوطني في المقدمة) وعلي منظمات المجتمع المدني أن تتعاون معا لتشكيل لجان توعية لدعم المرشحين الأقباط في دوائرهم بغض النظر عن مواقع هؤلاء المرشحين الحزبية, ولرصد واحباط أية دعاية طائفية مضادة, وهنا لابد من توجيه كلمة إلي جماعة الاخوان المسلمين( المحظورة قانونا والمسموح بها عرفا), فهذه هي الفرصة الفريدة التي قد لا تتكرر لإثبات حسن نياتكم وتأكيد أنه ليست لديكم أجندات سرية, فلتوجهوا ناخبيكم إلي التصويت للمرشحين الأقباط, مادتم قد عجزتم عن ترشيح أقباط علي قوائمكم, وعلي كل حال ففي حدود علمي المتواضع فإن برنامجكم أو برنامج حزبكم المؤود لم يعترض علي اختيار قبطي عضوا في مجلس الشعب, وإن كان هذا البرنامج قد رفض مبدأ تولي قبطي منصب الولاية العظمي, أي منصب رئيس الجمهورية والدعوة الموجهة لجماعة الاخوان المسلمين هنا موجهة إلي سائر أعلام الاسلام السياسي من المفكرين والحركيين غير المنضوين في عباءة الاخوان, بمن في ذلك التنظيمات والمؤسسات الأخري مثل الأزهر, والطرق الصوفية, والجماعة الاسلامية... إلخ. ما أدعو إليه هنا ليس مجرد أمان, وإنما هو دعوة سياسية تتوافر لها كل شروط التحقق والنجاح, فنحن لدينا تجربة حدثت منذ عدة سنوات في دائرة الوايلي حين تجمعت كل القوي المستنيرة لدعم مرشح قبطي في انتخابات فرعية لمجلس الشعب ضد مرشح مسلم رفع شعارات دينية ضد منافسه, وكذلك تجمعت علي سطح الحياة السياسية المصرية في الأسابيع الأخيرة عدة مؤشرات وتحركات تنبيء بأن غالبية المصريين ترفض الطائفية السياسية, وتتوق إلي عمل جاد يقي البلاد والعباد من شرورها, ومن هذه المؤشرات ذلك الفزع الجماعي من الملاسنات الطائفية, مما دفع أطرافها إلي التواري والاعتذار أو محاولة التصحيح, ولا نريد هنا أن نعيد فتح الجراح فالجميع يتذكرون ما ألمح إليه, ومن تلك المؤشرات أيضا الرفض الجماعي رسميا وشعبيا لتهديدات منظمة القاعدة الإرهابية للكنائس المصرية, وللمصريين الأقباط, والاتفاق بين الجميع علي مواجهة هذه التهديدات بأقصي درجات الحزم واليقظة, ولنلاحظ هنا تحديدا أن الدولة في أعلي مستوياتها أي الرئيس مبارك شخصيا سارعت إلي تحذير هؤلاء الإرهابيين من أن سلامة الأقباط المصريين وكنائسهم وممتلكاتهم خط أحمر, وأن الأزهر كان سريعا وحازما في رد فعله, وكذلك فعلت جماعة الاخوان المسلمين وحسنا فعلت, كما سارع عدد من أعلام الاسلام السياسي إلي استنكار هذه التهديات بصفاتهم الفردية. لكن من أكثر ما يبهج من بين هذه المؤشرات, تلك المظاهرة التي تصدرتها فتيات متعلمات محجبات مصريات أمام السفارة العراقية بالقاهرة يوم الاثنين الماضي لا ستنكار جريمة القاعدة الإرهابية ضد المصلين المسيحين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد, ولرفض تهديدات القاعدة للمسيحيين المصريين. إن روحا جديدة تسري بين المصريين, أو لنقل إن غشاوة التضليل السياسي باسم الدين قد انقشعت, وأطلق انقشاعها الروح التي طال كمونها بين المصريين, والتي عبر عنها شبابنا المتظاهرون أمام سفارة العراق بالقاهرة بلافتة تقول: الدين للديان والوطن للانسان. وها هي الفرصة ستكون بين أيدينا يوم الثامن والعشرين من هذا الشهر.. يوم انتخابات مجلس الشعب. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد