أن شعبا لايغني.. هو شعب فقد رخصته في الحياة .* لقد سقطنا أيها السادة في بركة من وحل وندب الأغاني وكريه الكلمات وساقط الألحان.. ونعيق المطربين والمطربات. وآه يا ليل يا زمن.. وكفاية علينا كده.. كما قال عمنا بيرم التونسي: ياأهل المغني دماغنا وجعنا.. شويه سكوت لله!!* H رفعت رأسي بعد صلاة الفجر إلي السماء تضرعا ودعاء وقرأت الفاتحة لأولياء الله الصالحين, وأوصيت فريق الصحفيات المتدربات في مكتبي أن يطلعن القرافة أي قرافة ويوزعن قرصا بعجوة علي أرواح المطربين الأشاوس والمطربات العظيمات في زمن الطرب الأصيل.. ويقرأن سورة ياسين علي أرواحهن العظيمة التي أمتعتنا فنا وأشبعتنا نغما وأشجتنا حبا ولوعة وسهرا وسهدا وشوقا وغراما بكلمات شوقي وحافظ ورامي وعزيز أباظة وإبراهيم ناجي وبيرم التونسي, وألحان أساطين النغم: السنباطي وعبدالوهاب والقصبجي وزكريا أحمد والموجي وبليغ حمدي.. وطلبت من فريق المتدربات لأول مرة أن يخلعن الحجاب ويكشفن رؤوسهن ويقصصن شعورهن ويدعون بأعلي أصواتهن بعد صلاة الفجر علي مطربي ومطربات عصر الانفتاح والانكشاح والارتشاح الفني والتدني الخلقي المبين.. وأن يدعون بالاسم علي مثل هذا الصنف من المطربين الذين يغنون بحثا عن الشهرة وملايين الجنيهات والدولارات.. مثل هذا المطرب الذي يغني بلا خجل وليس لأعظم أمة خلقها الله هذه الكلمات: اعتذري للي حاييجي بعدي.. وخليه يسامحني.. أصل أنا أخدت كل حاجة في عهدي.. وشوفي عهدي كان كام سنة؟ ولو فاكراني واحد حتكلميه وتنقلبي تكلمي غيره.. وأنا أول واحد حبك واداكي خيره! ومطرب من الفصيلة نفسها ومن خريجي مدرسة الأخلاق الحميدة يغني لحبيبته: في حاجات جوانا وبنداريها.. نفسك أنت ونفسي فيها.. والحاجات دي النهارده وقتها! ثم مقطع آخر من أغنية أخري يقول فيها المطرب نفسه لحبيبته: تيجي ما نفكرش في حد غيرنا.. ده إحنا جيبنا خلاص آخرنا! ومطرب آخر يغني هكذا.. أي والله هكذا: الأخت الفاضلة اللي اخترتها عشان تتجوزني.. فيه حد موقع بيني وبينها.. فيه حد ممهمزني.. ليس هناك أي خطأ في الكلمة.. ومعناها مديني زمبة! ثم يكمل كلمات الأغنية: دي العشرة هانت بعد كانت بتموت في طبعي.. كانت تيجي بإشارة مني.. يا ألف خسارة.. كانت خاتم في صبعي! بمبة.. إدتني بمبة.. حد فقعني زمبة.. هكذا تقول كلمات الأغنية والله العظيم.. يا دي الليلة دي خيبة تقيلة قطعت بيا.. وعهد الله.. مين يتصور تيجي تحور علي مين يا أختي.. علي بابا! ولسه كمان اسمعوا: بمبة.. أدتني بمبة.. فيه حد فقعني زمبة! مين فينا ماخدش في يوم بمبة طلعت من نافوخه. ثم يتحدث عن جماله وحسنه وبهائه بوصفه روميو زمانه: يا عيني علي اللي زمان لو خش مكان كل اللي فيه يدوخوا! أنا خدها مني نصيحة.. صرخة نفسي أصرخها.. موش أي سمكة ملونة يخدعنا بطروخها! ثم يواصل معلقاته الشعرية العظيمة: بمبة فقعني زمبة! يادي الليلة دي خيبة تقيلة.. قطعت بيا وعهد الله.. مين يتصور.. تيجي تحور علي مين ياختي علي بابا! وهذا الفنان شرائطه وألبوماته بعون الله وحمده وشكره تباع بالملايين! ............ ............ ولأن الإبداع مقطع بعضه عند بعض المطربين الشباب في ظل انعدام الرقابة علي الأغاني التي أصبحت سداحا مداحا.. فلماذا لا يؤلف المطرب ويلحن لنفسه في الوقت نفسه؟ والنتيجة هذه الأغنية التي كسرت الدنيا كما يقولون, أو كما يدعون.. أرجعلك.. يعني حرقة دم.. أسمعلك كل كلامك هم.. عايزاني لا.. تاني لا.. فيه غيرك أنا عنده أهم! وهذا مطرب القفش يقول لنا: أحلي حاجة فيكي إن حبي ليكي اتاخد قفش.. علشان أنا ما بأخافش! وهذه مطربة مغربية تنادي حبيبها قائلة: لو أنت حتلعب بيا.. أنا ألعب بمبة! .............. .............. وهكذا أصبح لدينا والحمد لله والشكر لله مطرب الزنبة ومطرب القفش والمطربة التي تلعب بمائة رجل ورجل! الله يرحمك يا عم بيرم التونسي شاعر الشعب الكبير.. لقد كانت لك قصيدة طويلة عن المغني والمغنين كأنه كتبها اليوم.. يقول مطلعها: يا أهل المغني دماغنا وجعنا.. شوية سكوت لله. ولو تلفتنا حولنا لوجدنا أننا نعيش داخل سوق غنائية تشبه تماما سوق سيدي خميس في شبين الكوم.. عالم مالوش أول من آخر.. وزحام وخناق وزعيق ومولد وصاحبه غايب.. كل من غني وعجبه صوته في الحمام أو في الزحام أو حتي كان عنده زكام.. زعق وقال: عاوز أعبي شريط. ياناس! ويجد بالفعل من يموله ويدفع فيه دم قلبه ويطبع له شريط يكسر الدنيا من هيافته وتقل دمه وعبيط كلامه وساذج ألحانه! ولو واحدة مسرسعة ومسلوعة ولحم علي عضم, أو حتي مبقلظة ومبطرخة شايفة نفسها حبتين أو مرات أو حتي حماة منتج كبير متريش من المكسب الحرام.. يطلع في دماغها أنها حلوة ونغة بضم النون وتشديد الغين وصوتها ولا صوت أسمهان في زمانه.. علي طول تعمل لها ألبوم.. هكذا يسمونه هذه الأيام.. وسوف تجد من يدفعها للأمام بالفلوس والعزومات والهدايا من أرتجية النقاد إياهم الذين يمشون في زفف أنصاف الفنانات ويرقصون ويأكلون علي موائدهن وموائد من يمولهن وما أكثرهم في هذا الزمان الأغبر.. لتصبح بين يوم وليلة مطربة معتمدة من قبل متعهدي الحفلات والسهرات والليالي الملاح في ملاهي الفنادق الكبري والفضائيات إياها التي تلم الشامي علي المغربي وافرح وارقص وغني يا جدع ماحدش واخد منها حاجة! ............. ............. الأغنية أيها السادة هي نبض أمة.. وذاكرة شعب.. وهي صندوق أسرار الإنسان في مشواره في الحياة شقيا كان أم تقيا.. وحب و اتمرمط في الحب.. أم تريدون لنا أن نكون مثل النخلة الذكر.. لا تطرح ثمارا ولا بلحا يؤكل أو حتي طلعا يسر الناظرين! هل عندكم في دفاتركم أن أمة غنت ما غناه لها محمد عبدالوهاب ومن نظم شاعر الشام والهيام بشارة الخوري: ما أنت من عمر الزمان ولا غد جمع الزمان.. فكان يوم رضاكي! تصوروا أن الزمان كله اختصره الشاعر والمطرب في يوم رضاء هذه المحبوبة.. تري من هي؟ وما هو شكلها؟ حتي تساوي الزمان كله الذي عاش فيه الإنسان علي الأرض.. يعني بحساب أن الإنسان أصبح إنسانا مع مولد الحضارة المصرية قبل نحو خمسة آلاف سنة تزيد مائتين.. تصبح هذه الحبيبة عمرها من عمر الزمان.. يعني خمسين قرنا من الزمان.. ياسلام! ثم.. أين ذهبت أطلال أم كلثوم وجندول عبدالوهاب ومنية نفس عزيز أباظة؟ لقد سقطنا أيها السادة في بركة من وحل وندب الأغاني وكريه الكلمات وساقط الألحان.. ونعيق المطربين والمطربات.. وآه يا ليل يا زمن.. وكفاية علينا كده.. كما قال عمنا بيرم التونسي: يا أهل المغني.. دماغنا وجعنا.. شوية سكوت لله! .............. ............... لقد قال شوبنهور الفيلسوف الالماني: ان شعبنا لايغني.. هو شعب لايحب.. ومن لايعرف الحب فقد رخصته في الحياة!{