أنا رجل أقترب من سن الأربعين, ولم أتزوج بعد, لسبب غريب هو أن أبي قضي علي شخصيتي تماما, وأصبحت أرتعد خوفا منه في أي موقف, ولا أجرؤ علي مناقشته أو معارضته. واذا فاض بي الكيل من تصرفاته معي, ألجأ الي عمي أو خالي فيقولان له.. لماذا تفعل معه ذلك؟.. فيرد أنا خايف عليه. وتحت هذه الحجة غير المفهومة والتي ليس لها أي مبرر فشلت كل خطواتي للزواج والاستقرار.. هل تتصور أننا دخلنا عشرات البيوت بهدف التعارف وأقمنا أكثر من أربعين حفلا انتهت جميعها بفسخ الخطبة بسبب أبي الذي لم ير أن أي واحدة منهن تستحقني وحاول أقاربي تغيير موقفه قائلين له مادامت من يريد الارتباط بها علي خلق ودين فلماذا لا توافق عليها, وتتركهما يعيشان حياتهما كما عشت أنت حياتك من قبل عندما تزوجت بمن أردت؟.. لكنه لا يأبه بأي نصائح ولا يلقي بالا لأي انتقادات. والطامة الكبري لو شعر بأنني أميل الي إحداهن إذ يعنفني, ويشيع في الأسرة كلاما غريبا من نوع أنه لأول مرة يراني متعلقا بفتاة بهذا الشكل وأنها مسيطرة علي علي حد تعبيره ولذلك أضطر لمعاملتها بصورة غير لائقة, بل وحتي مهينة لكي أثبت له أنه ليس لها تأثير علي.. وطبعا لا يستريح إلا اذا انتهي الموضوع. هذه هي طبيعة أبي الذي يفخر بأن أزواج بناته يكرهونه بشدة, وتسبب في طلاق أختي من زوجها الذي ضاق ذرعا بتدخلاته في حياتهما في كل كبيرة وصغيرة, ولا يريد أن يفهم أنني شاب ولي احتياجاتي العاطفية, وأنني متدين ولا أقبل الحرام. وأنا لست المثال الوحيد لهذا التدخل الغريب من جانب الأهل, فلي صديق تزوج منذ فترة ولم تدم زيجته بعد تدخل أمه في حياته وعكننتها المستمرة علي زوجته, وهو ما أدي في النهاية الي تطليقها, وحرمانه من أبنائه, ولم تكتف بذلك إذ أصرت علي الدخول معها في قضايا ومحاكم تقطع خط الرجعة لابنها, فربما تنصلح الأحوال وتعود زوجته اليه, والمدهش أن والدته هي التي اختارتها له, وقالت فيها شعرا, ولكن ما إن استقرت حياته وأحب زوجته وتعلق بأبنائه حتي أصرت علي تطليقها, فانفصل عنها صاغرا, وهو يبكي والجميع من حوله يقولون إنه ابن أمه! فهل أجد لديك تفسيرا للحب المرضي من جانب الآباء للأبناء؟.. وهل من حل لحب السيطرة والغيرة؟ إنني لا أريد أن أكون عاقا لوالدي ولكني في الوقت نفسه أريد أن أحيا حياة مستقرة, وكلما استعدت شريط الذكريات المؤلم أنخرط في بكاء مرير, فلقد ضاعت سنوات شبابي وأنا أحاول استرضاء أبي, الذي لم يرض حتي الآن, ولا أتصور أنني سأتزوج وأهنأ بما تبقي لي من عمر. وما دفعني للكتابة إليك هو أن تخاطب كل أب وكل أم بأن يتركوا لأبنائهم الحرية لكي يختار كل منهم شريكه أو شريكته, ولا يتدخلوا في حياتهم بهذا الشكل المدمر حتي لا يصلوا الي الحالة المتردية التي وصلت إليها ويكفيني ما أعانيه من هواجس واكتئاب وقلق وخوف من المجهول! * ومن الحرص ما قتل.. هذه العبارة تلخص حال الآباء والأمهات مع أبنائهم وبناتهم.. فقد يلجأون إلي تضييق الخناق علي الولد خوفا من أن يكون اختياره سيئا, أو أنهم لا يضمنون النتائج إذا هم أطلقوا له مسألة الاختيار في أي شأن يخصه, أو اتخاذ قرار ما يتعلق بحياته ومستقبله.. والأمر نفسه بالنسبة للبنت التي قد يرفضون من يتقدم لها من العرسان لأسباب واهية إلي أن تصبح عالة عليهم ويفوتها قطار الزواج كما يقولون.. وربما يتسببون أيضا في تخريب بيوت أبنائهم بالتدخل المستمر بينهم وبين زوجاتهم.. وهكذا تصبح الحياة مستحيلة فيكون الطلاق هو المصير المحتوم. وأنت ياسيدي واحد من هؤلاء الأبناء الذين يواجهون تعنت الآباء, بدعوي الحب, ولا أدري أي حب هذا الذي يدفع أبا إلي رفض كل الفتيات اللاتي اختارهن ابنه للارتباط باحداهن, وما هو التميز الموجود فيه وليس له نظير في الآخرين لكي يتصور أبوه أنه ولا واحدة منهن تستحق الارتباط به.. إن أباك أخطأ في حقك طوال السنوات الماضية, ولابد أن يتوقف تماما عن إملاء توصياته وشروطه عليك, فأنت لست شابا مراهقا أو طائشا لكي يحيطك بالسياج الحديدي الذي وضعك فيه طوال عمرك.. فمن بلغ سن الأربعين يصبح رجلا قادرا علي اتخاذ القرار, وكفاه العمر الضائع بدعوي طاعة الآباء العمياء, فلكل شيء حدود. ومادمت ياسيدي لم تسيء معاملة أبيك, وتصاحبه بالمعروف, ولاتبدي نفورا أو ضجرا منه, فأنت صاحب القرار, فاختر من شئت للارتباط بها, ولا مانع من أن تستشير من حولك, فإذا لم تجد فيها ما يعيبها فتوكل علي بركة الله.. ويا أيها الآباء والأمهات: دعوا الفرصة لأبنائكم وبناتكم لكي يبنوا حياتهم, ويتخذوا قرارهم بأنفسهم وعليكم بالنصيحة.. وكفاكم الحرص القاتل الذي يدل علي غيرة واضحة وليس حبا خالصا لهم.. والله المستعان.