أنا زوجة كاتب رسالة الشجرة الوارفة التي روي لك فيها كيف أنه عاني الأمرين معي ومع أولاده, وأنفق علينا الأموال فاشتري لكل منا شقة باسمه وأراد أن يحج فرفضنا أن نذهب معه, ثم بعد ذلك تركناه وحيدا بلا سند ولا معين, وأنه يريد فقط من يطمئن عليه حتي إذا فارق الحياة ينقله ليدفن بمسقط رأسه في المحافظة التي نشأ فيها. وكان طبيعيا والحال كذلك أن يتهمني كل من قرأ رسالته بالتقصير في حقه, ويتهم ابنيه بعقوق أبيهما.. لكن الحقيقة غير ذلك, والصورة مقلوبة تماما.. وإذا لم تصدقني فإنك تستطيع أن تسأل الجيران في القاهرة أو في المحافظة التي نشأنا فيها ومعارفنا وأصدقاءنا, بل واسأل أخوته وأنا راضية بحكمهم, فهم يعلمون كل كبيرة وصغيرة عنا. ودعني أسرد إليك في عجالة الخطوط العريضة لقصتي معه, إذ يصعب علي أن أشرح لك كل التفاصيل فهي تحتاج إلي كتب كاملة وليس مجرد سطور في رسالة فلقد نشأت في المدينة نفسها التي نشأ فيها زوجي ومن أسرة عريقة وحصلت علي الثانوية العامة منها, والتحقت بكلية الحقوق جامعة عين شمس, وخشي علي والدي من المواصلات فاشتري لي سيارة وأوكل مهمة توصيلي إلي سائق خصوصي فكنت أسافر يوميا إلي القاهرة وأعود إلي قريتي في المحافظة التي نقطن فيها ورحل والدي عن الحياة تاركا لنا ميراثا كبيرا, وأسرة يشار إليها بالبنان, وتقدم لي وقتها مهندس شاب لكن أهلي تحفظوا عليه, فهو بخيل, وأناني, ولا يفكر إلا في نفسه, وحذروني من الارتباط به, لكني اصررت علي موقفي, ووافقت عليه فأقمنا الزفاف خلال فترة وجيزة, وتركت الجامعة من أجله وأنا في السنة الثالثة في كلية الحقوق.. وانتقلت إلي عش الزوجية, ولن أنسي ليلة الزفاف ليس لأنها ليلة العمر كما يقولون ولكن لأنني عرفت فيها نصيبي في الدنيا وبأنني اخطأت في مواجهة أهلي عندما رفضوه! فلقد دخلنا غرفة النوم, وأنا مازلت أرتدي فستان الزفاف, ووجدته يتجه إلي ركن الحجرة, وجاءني وهو يحمل في يديه مصحفا وضعه علي ركبتي, وطلب مني أن أقسم عليه بأن احافظ علي هذا البيت ولا أخونه.. فنفذت طلبه, وأنا مندهشة, وقضينا ليلتنا, وأنا أمني نفسي بحياة مستقرة معه, وفي صباح اليوم التالي: قال لي ان التليفزيون يحتاج إلي اريال جديد, وأنه ليس معه ما يشتريه به فخلعت غويشة من يدي وأعطيتها له لكي يصرف من ثمنها إلي أن تتدبر الأمور. لكن هذه الأمور لم تتدبر أبدا.. وأصبح علي أن أوفر مصروف البيت بمعرفتي ولم استطع أن أخبر أهلي بما يفعل فهو اختياري, وسوف يلوموني علي ما فعلته بنفسي, فاستدرت إلي ميراثي من والدي الذي ورثت عنه ستة أفدنة ونصف الفدان وبعتها فدانا وراء الاخر, ومع ذلك تمادي في تعذيبي وايذائي بالقول والفعل.. هل تتصور أنني وبعد أن تعدي عمري خمسين عاما مكتوب علي أن ألقي علقة ساخنة يوميا إذا عد قطع الصابون ووجد اننا استهلكنا صابونة زيادة عن العدد المحدد أو وجد أن قطعة لحم ناقصة!.. نعم يا سيدي إلي هذه الدرجة وصل بخله الشديد, ولم أطلب منه في أي يوم مصروفا لابنيه وأعطاهما, ولذلك كانا يعملان في أثناء الاجازة الصيفية بل وأحيانا أيام الدراسة لكي يصرفا علي نفسيهما. وبلغ بي الصبر مداه, وفاض بي الكيل فخرجت من المنزل عام1998 غاضبة ومعي ابناي, فأعادني أحد رجال العائلة, وكان يشغل منصبا مرموقا وقتها, بعد أن توصل معه إلي حل وسط بأن يدفع خمسين جنيها مصروفا شهريا لكل ولد.. أما عن الملابس وخلافه فلاشيء!!. وصرفت كل ميراثي علي ولدي, وربيتهما أحسن تربية وصارا الآن في منصبين يحسدهما عليهما كل الناس, ولكن بدلا من أن يتباها بهما, ويساندهما وهما في بداية حياتهما, إذ به يغضب عليهما ويشك فيهما, فهو يشك في كل شيء ولا هم له إلا المادة وكنز الأموال, أما الشقتان اللتان يتحدث عنهما فلقد اشتريتهما بالتقسيط لأولادي, ولم يدفع لهما سوي مائة وخمسين ألف جنيه بعد عذاب آليم. والغريب أنه لم يعبأ أبدا بالجيران, وهو يهيننا, وقد ضربني ضربا مبرحا أمام ابني مرات عديدة.. وأني أسألك.. من كانت هذه تصرفاته.. هل يمكن أن يعرض الحج علينا فنرفض جميعا, ويضطر إلي الحج بمفرده؟ بالطبع كل ما قاله افتراء وأكاذيب ويمكنك أن تعرف الحقائق الكاملة فيما حدث, فلم يعد خافيا علي أحد ألاعيبه وممارساته الوحشية, بل إنه عندما عاد من الحج أهداني مصحفا لعدة أيام ثم أخذه مني! لقد تركت له المنزل منذ عام بعد أن اسودت الدنيا في عيني, وخرجت بالملابس التي أرتديها فقط, واحتسبت كل ما قدمت له طوال حياتي عند الله, وعز علي ابني ما حدث فأخذاني وأحاطا بي, وبالرغم من انهما في بداية حياتهما فإنهما يفعلان كل ما في وسعهما لإسعادي. قل بربك: ما هو الاعوجاج في شخصيتي بعد كل ما لاقيته من تعذيب وضرب واهانة.. فلقد انقلبت الصورة وأصبحت أنا الجانية, وهو المجني عليه بعد33 عاما من الذل والهوان. إنني لن أسامحه, وقد فوضت أمري إلي خالقي, أما ابناه فمن حقه عليهما أن يسألا عنه كما تقول, ولكن ماذا يفعلان وهو يشك فيهما.. فابني الأصغر علي صلة به, وليس كما يقول لا يسأل عنه.. وقد طلب منه مفتاح الشقة لكي يتردد عليه دائما, ويبيت معه إذا اقتضت الضرورة ذلك لكنه يرفض بإصرار, ويطلب منه أن يبلغه بموعد الزيارة لكي يرتب أموره ويكون في البيت.. فإذا كان أب هذا موقفه من أبنائه فماذا ينتظر أن يفعلوه له؟! إنني لن أتدخل فيما طلبه منك بأن ترشح له جمعية خيرية أو أحد أهل الخير المشهود لهم بالأمانة والصدق كما يقول لمتابعته ولو تليفونيا علي حسابه الخاص, حتي إذا وافته المنية يتولي نقله ودفنه في بلدته.. أقول: لن أتدخل في هذا الطلب لكني واثقة من أنه غير جاد فيه ولن ينفذه, فكلها زوبعة أراد أن يثيرها برسالته إليك, لكي يبكيك ويبكي قراءك علي حاله, فحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي. ** عندما تسوء العشرة الزوجية يصيب الأسرة التصدع والإنهيار وتتفشي الأحقاد والضغائن, والدليل هو الظلم الواضح للزوجات وتضييق الخناق عليهن حتي تصبح حياة بعضهن جحيما لايطاق وتعاسة لاتنقضي.. وأنت ياسيدتي واحدة من هؤلاء فلقد شاء القدر أن ترتبطي بهذا الزوج الذي ارتدي ثوب الرجولة والشهامة بينما هو في الحقيقة غير ذلك ولكن ماذا تفعل إزاء من جاء طالبا الرأي والمشورة دون أن يشرح الحقيقة أو يوضح الأمور الغائبة في قصة أسرته.؟ اننا دائما نتعامل مع هذه الرسائل من منطلق أن أصحابها صادقون وأنهم بالفعل يسعون لرأب الصدع الذي أصاب الأسرة, فكل مايريدونه هو الرأي والمفترض فيمن يطلب رأيا أن يقول الحقيقة لكن الواضح أن زوجك لم يفعل ذلك لأنه يعلم تماما أن من يعرف حقيقته سوف يلومه ويحمله مسئولية انهيار الأسرة. ومابني علي خطأ فهو خطأ ياسيدتي فلقد أصررت علي الارتباط به برغم تحذيرات أهلك لك وكان الأولي بك أن تضعي رأيهم في الحسبان فتعطين نفسك مهلة للتفكير ومراقبة تصرفاته, واختبار حبه لك, إذ أنه إدعي ماليس فيه, وبني لك قصورا من الأحلام سرعان ماتلاشت وتحولت إلي أوهام ليلة الزفاف, فانقلب إلي ظالم متجبر وهمجي مستبد بعد أن مات ضميره, وتحول من اللين والرفق الذين اتسما بهما قبل الزواج إلي وحش كأسر يكشر عن أنيابه صباح كل يوم. أنني جلست معه وتحدثنا كثيرا وسألته عن الأسباب التي دفعتك إلي مغادرة المنزل وأنت في هذه السن الكبيرة فأكد أنه لايعرف أي سبب وكل مافي الأمر أن بعض معارفك أوغروا صدرك تجاهه, وأني أسأله: لماذا لم تقل الحقيقة؟ وهل تصورت أن الرجولة والشجاعة في إهانة زوجتك التي ارتبطت بك رغما عن أهلها بالسب والشتم, وعد قطع اللحم والصابون؟ وهل حسن المعاشرة الذي يجب أن تعامل به شريكة حياتك هو الإستهزاء بها والسخرية منها, ثم هل يعقل أن يضرب رجل محترم مثلك زوجته حتي بعد أن تعدت سن الخمسين؟! لقد تعددت مظاهر ظلمك لزوجتك واستوليت علي ميراثها من أبيها وبعد أن أصبحت صفر اليدين إذا بك تضغط عليها لكي تغادر حياتك, فكان طبيعيا أن تخرج مع ولديها إلي بيت جديد بعيدا عن جحيمك. وأني أتعجب لأمرك ياسيدي, فلقد سألت بالفعل الكثيرين من الأهل والجيران وفي القرية التي نشأت فيها, بل وعددا من أساتذة الجامعة الذين تدخلوا لإصلاح ما أفسدته, وعرفت أنك الذي تدفع ابنيك لعدم السؤال عنك, فلقد طلب منك الابن الاصغر مفتاح الشقة لكي يزورك باستمرار ويبيت معك بعض الليالي خصوصا انه مازال في مرحلة الخطبة لكنك رفضت وطلبت منه ان يحدد الموعد الذي سيزورك فيه لكي تكون في انتظاره.. ألهذا الحد لا تأمن لابنك؟.. انني لا ادري ما الذي يدور في ذهنك خصوصا بعد أن طلبت مني ان أتغاضي عن مسألة الاستعانة ببعض اصدقاء بريد الأهرام لكي يزوروك ويخففوا عنك الوحدة التي تعيشها واخترت من مئات الاستجابات اسرتين لكنك تراجعت وعدلت طلبك بان اتصل بابنيك لكي يسالا عنك! فاذا كان هذا حالك فماذا تنتظر من الاخرين؟ انك اذا استمررت علي هذه الحال فلن يطرق بابك احد ولن يسأل عنك انسان.. وانني استعدت سطور رسالتك التي اطلقت عليها اسم الشجرة الوارفة ووصفتك بانك احطت الجميع برعايتك وحنانك فاستظلوا بظلك ومن حقك عليهم ان يراعوك وانت في شيخوختك.. لكن الحقيقة التي تكشفت بعد ذلك وبشهادة الشهود تجعلني اقول ان العنوان المناسب كان هو الشجرة الحمقاء التي رفضت ان يستظل بظلها احد وعندما جاء الربيع رفضت ان تنبت اوراقا في حين اورقت كل اشجار البستان فقال عنها الشاعر ايليا أبو ماضي. وظلت التينة الحمقاء عارية كأنها وتد في الارض او حجر ولم يطق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فهوت في النار تستعر من ليس يسخو بما تسخو الحياة به فهو احمق بالحرص ينتحر. واتت ياسيدي لم تسخ بما منحك الله به من نعم فكان طبيعيا ان ينبذك من حولك وتبتعد عنك زوجتك وابناك! واذا أردت ان تكسب ود ابنيك من جديد فعليك ان تلين لهما الجانب وتعرف ان الاموال لاتصنع السعادة وانما يصنعها الحب والتعاون وايثار الاخرين.. اسأل الله لك الهداية, ولزوجتك الصبر, ولابنيك التوفيق والسداد.