صدر أخيرا قانون البناء الموحد رقم119 لسنة2008 ولائحته التنفيذية رقم144 لسنة2009, الارتقاء بالعمران وقانون البناء الموحد د. ابراهيم المدني صدر أخيرا قانون البناء الموحد رقم119 لسنة2008 ولائحته التنفيذية رقم144 لسنة2009, والذي سيعظم علي المدي البعيد بمواده الموجبة للتنفيذ الاستثمار العقاري ويطور منظومة العمران والعمارة في مصر. ولكن لا يمكن تفعيل هذا القانون الموحد بلا تغيير جذري في الثقافة العامة ونظرة المجتمع لفكرة البناء بلا تجاوزات أو مخالفات. أعمدة تنظيم البنيان في مصر تقوم علي علاقة تبادلية نفعية بين المالك او المطور العقاري والمهندس الاستشاري ومهندس التراخيص ثم المقاول. جاء القانون الموحد لضبط الإيقاع بين عناصر تلك المنظومة بشكل متوازن وعادل, واصبح المهندس الاستشاري الذي يحترم القانون ويلتزم بميثاق الشرق المهني لا يستطيع ان يطرح فكره المعماري علي المجتمع, لأن الثقافة العامة تفترض ان الاستشاري الشاطر هو القادر علي تجاوز القانون وتوفير اكبر قدر من المساحات وتحقيق أعلي الارتفاعات علي حساب قوانين البناء, متضامنا في ذلك مع بعض مهندسي التراخيص, وحبذا لو كان إشرافه علي التنفيذ صوريا, بحيث يسهل للمقاول البناء كما يشاء من منظور نوعية مواد البناء وكفاءة التنفيذ, كما ان اصحاب الذمم الخربة من بعض التجار في مجال البناء أو آحاد الناس الذين وجدوا في فساد بعض مهندسي المحليات الفرصة الذهبية للتجاوزات في الارتفاعات والمساحات ناهيك عن المواصفات ونوعية البناء هم أحد أهم الأسباب فيما يعانيه المجتمع الآن من مشاكل تدهور المرافق واختناقات المرور وكل سلبيات التكدس السكاني التي ألقت بظلالها الكئيبة علي كل مناحي الحياة اليومية للمواطن. هل يمكننا الحلم بتغير صورة مهندسي المحليات المتهمين دائما حقا أو ظلما بأنهم المسئولون الحقيقيون عن كل التجاوزات في البناء, والذين تسببوا طبقا للتهم الموجهة لهم في تخريب العمران وبالتالي زيادة نسب البناء افقيا ورأسيا عن المسموح به والذي كانت السبب الجوهري في التزاحم السكاني العشوائي الذي أدي إلي ترييف أو أريفة نسيج المدينة في مصر؟ كمثال علي اختيار الكفاءات نجد ان المدارس المحترمة علي مستوي العالم المتحضر تختار للتدريس في مرحلة الحضانة أكفأ المدرسين وأكثرهم خبرة وأعمقهم علما, رغم انها مرحلة اولية ينظر اليها أحيانا بعدم اهميتها في تكوين شخصية الطفل. كذلك يجب اختيار مهندسي تراخيص البناء من أكثر المهندسين كفاءة وخبرة وعلما رغم اعتقاد البعض ان عملية الترخيص لا يقوم بها إلا أقل المهندسين في تلك المعايير, وهو اعتقاد قاصر يصل الي حد التقصير كانت نتيجته الطبيعية ما هو نحن فيه الآن من عشوائيات وتجاوزات ومخالفات. وبالطبع يستلزم تحقيق هذا الحلم تعديل المرتبات والحوافز والمزايا الوظيفية والتي يمكن توفير ميزانيتها من تعديل الرسوم علي التراخيص بشكل قانوني رسمي بدلا من تكبد المواطن المسكين تكاليف إضافية كإكراميات ومجاملات, وربما ما هو أكثر من ذلك يعرفه القاصي والداني جيدا كنمط معيشي ارتضاه لأنفسهم بعض معدومي الضمير. علينا أن ننظر للبلاد المحيطة بنا لنري قيمة مهندس الترخيص الذي يطبق القانون بلا محاباة لأحد وإلا طرد هو شخصيا من وظيفته بلا هوادة.. ويمتلك بقوة القانون امكانية غلق المكاتب الاستشارية التي لا تلتزم بقوانين البناء, أو تحاول المشاركة في خرقه بالحيل الهندسية المشهورة التي يعرفها جيدا المهندسون والمقاولون وحتي كثيرا من الملاك. القانون الجديد يحتاج لدعم المجتمع بجميع أطيافه من ملاك ومهندسين وموظفي المحليات والمقاولين, وقد أتي في توقيت معقول كي ينقذ منظومة البناء من العشوائية والفساد.