عاشت المرأة العربية ثلاثة أيام كانت فيها محط أنظار العالم العربي والغربي بين متابع ومراقب لفعاليات المؤتمر الثالث لمنظمة المرأة العربية الذي انعقد بالعاصمة التونسية. برئاسة السيدة ليلي بن علي رئيسة المنظمة الحالية(2009-2011) بحضور السيدات الأول ورئيسات الوفود المشاركات في هذا المؤتمر. كان حضور السيدة سوزان مبارك له وقع خاص في النفس.. فما كان لهذه المنظمة أن تولد إلا استجابة لدعوة منها بتنظيم وتنسيق الجهود بين الدول العربية لتطوير وضع المرأة العربية وتعزيز إسهاماتها وتحقيق التعاون العربي المشترك في هذا المجال... وها هي اليوم تشهد ما يثبت عمق رؤيتها ويؤكد أن المرأة العربية جديرة وقادرة علي أن تكون شريكا أساسيا و فعالا في جميع الجهود المبذولة من أجل مستقبل أفضل. و في جو احتفالي مهيب ليس بالغريب علي تونس بلد الكرم وبراعة الاستضافة ووسط مظاهر الأناقة البسيطة التي تصنع جمالا تنفرد به هذه العاصمة العربية التي تحمل عن حق لقب' عاصمة المرأة العربية' لما تتمتع به من تجربة رائدة في هذا المجال جاء المؤتمر الثالث لمنظمة المرأة العربية تحت شعار'المرأة العربية شريك أساسي في مسار التنمية المستدامة' افتتحت السيدة ليلي بن علي المؤتمر بكلمة أوضحت فيها أن هذا الشعار جاء ترجمة لوعي عام بأن تنمية قدرات المرأة وتكامل الأدوار بينها وبين الرجل شرط أساسي لتحقيق التنمية في المجتمع وضمان توازنه مشيرة إلي أن الخلاص من مثلث الخوف والفقر والتمييز يعتبر من الأركان الأساسية للتنمية المستدامة كما أن الارتقاء بوضع المرأة في المجتمع هو الارتقاء والنهوض بالمجتمع ككل وأكدت أنه بالرغم من الإنجازات التي تحققت إلا أنه ما زالت هناك حاجة إلي مزيد من التطور لوضع المرأة العربية في إطار مقاربة تقوم علي التلازم الوثيق بين الحقوق المدنية والسياسية من ناحية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخري. انطلاقا من مضمون خطاب السيدة ليلي بن علي كانت محاور المؤتمر العلمية السبع حيث ناقش الحضور المتنوع ما بين باحثين ومتخصصين والعديد من المعنيين بقضايا المرأة وهمومها إنجازاتها وما تتطلع إليه حيث دارت المناقشات متخذة عناوين من بينها المرأة والبعد الاقتصادي والبعد البيئي والبعد الصحي والاجتماعي المرأة العربية والنزاعات المسلحة. لعل أبرز ما تم طرحه في هذا المؤتمر الذي تميز بالتنوع والثراء الفكري هو ما جاء حول المرأة والبعد التربوي والثقافي والاجتماعي بما في ذلك الخطاب الديني وتنامي ظاهرة التعصب الأمر الذي يشكل فروقا بين البلدان العربية في مسار الجهود المبذولة للنهوض بالمرأة المعترف بثقة بأنها نصف المجتمع المحتضن للنصف الآخر لكنها مازالت تعاني مما يضعف فعاليتها ويشل حركتها ويجعلها حائرة أمام ما وصف بالازدواجية بين الممارسة والخطاب الفكري في التعاطي مع ما كافة الشئون المعنية بنهوض المرأة وتطور أوضاعها. يبقي أهمية تمكين المرأة سياسيا مما يجعل لها كلمة في صناعة الرأي والقرار ومن ثم تعزيز دور الإعلام في إبراز المشاركة السياسية للمرأة وحشد التأييد الاجتماعي و نشر الوعي بهذه المضامين فضلا عن الاستثمار في الشباب باعتباره الضمانة الأولي للتغيير والعمل علي محو الأمية القانونية التي تشكل عائقا أمام تطور نظرة المرأة إلي نفسها وإلي حقوقها وتدعيم ثقتها في نفسها.. و لم تغفل العقول المستنيرة المشاركة في هذا المؤتمر من نساء ورجال علي حد سواء من الإشارة إلي أهمية إتاحة الفرص والإمكانيات لصناعة رموز نسائية عربية في مجال الإبداع والفن والسياسة. كان لوسائل الإعلام الغربي والعربي حضور مكثف وإيجابي خصوصا في تركيزه علي أهم النقاط التي تضمنها خطاب الافتتاح للسيدة ليلي بن علي وثقتها في قدرة المنظمة والمجتمع المدني علي ترسيخ القناعة في المجتمعات بأنه لا استدامة للتنمية في غياب المرأة.. وقد خلص المؤتمر إلي ثمان توصيات أبرزها العمل علي نشر ثقافة حقوق الإنسان و المواطنة بما يضمن المساواة بين المرأة والرجل ويساعد علي التصدي للتطرف والانغلاق والتأكيد علي أهمية تمثيل المرأة في جميع مستويات صنع القرار الخاص ببناء السلام ومنع النزاعات كما دعا المؤتمر إلي ضرورة الاستفادة من طاقات المرأة ومساندتها لدفع عملية التنمية المستدامة المبنية علي العدالة والمساواة. وعلي هامش المؤتمر دار الحديث فيما سمعنا ورأينا وما بين تفاؤل ومخاوف وطموح بلا حدود وتطلع لمستقبل أكثر أمانا وازدهارا بل الاعتراف والتفاخر بإنجازات تحققت لا يمكن إنكارها.. طرحنا سؤال هو لماذا تشعر المرأة العربية دوما أنها ما زالت تعيش تحديات كبري علي المستويين الثقافي والتربوي الاقتصادي والسياسي. اتفقنا علي أن النصف الآخر- الذي نحتضنه بالضرورة- منقسم علي نفسه بين مؤيد ومعارض وهو في أشد الاحتياج إلي بذل الجهد للتخلص من النظرة النمطية إلي الأكثر إيجابية نحو المرأة.. هذا الانقسام هو الذي جعل منا قضية! تري هل نحتاج إلي منظمة عربية موازية تبحث في أمر تطوير عقلية النصف الآخر.