اتفق المحللون السياسيون علي أن المشاركة السياسية هي الركيزة الأولي للديمقراطية. الي هنا يظل الكلام معقولا ولكن تظل التساؤلات مطروحة. وعلي سبيل المثال ما مدي اهتمام الناس عموما, والشباب تحديدا بالسياسة. وما السر وراء الهروب الكبير وفرار الشباب من السياسة وخلقه لعالمه البديل مثل الانترنت والمدونات والفيس بوك؟. ولماذا جاءت نتائج تقرير التنمية البشرية صادمة عن الشباب الذين تركوا السياسة واهتموا بأمور أخري؟ بين العزوف الاجباري أو التسريح باحسان حاولت احدي الدراسات التي انطلقت من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية اجابة السؤال وكشف النقاب عنه. تقول د. سوسن فايد خبير اول بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن الدراسة تبحث بين العلاقة النفسية والاجتماعية للشباب المصري للمشاركة السياسية, واعتمدت علي عينة مقدارها250 مفردة موزعة بين جامعات القاهرة وعين شمس وبنها و6 اكتوبر والمنيا, خلصت الدراسة لعدة نتائج, فعلي المستوي النفسي بينت أن الشباب المصري قد تميز بعدم ميله للعنف أو العداء وهو ما يعني قدرته علي التفاوض وتسييس الأمور. كما أشارت أن فتور العلاقات الأسرية دفع البعض من الشباب للبحث عن جماعات بديلة قادرة علي الدعم النفسي لأعضائها من خلال التعاون والتعاطف والمشاركة, وهذا يشير الي استعداده للمشاركة السياسية وزيادة الاقتبال والتعايش والتفاعل كأعضاء بجماعات ذات الاهتمام المشترك لتحقيق مستقبل أفضل. كما أوضحت الدراسة أن لديهم استعدادا نفسيا للمشاركة ونظرة ايجابية للحياة الطبيعية, ولكن بالنظر لسلبيات البيئة الاجتماعية وما يعانون منه يعد سببا ودافع لرغبتهم في المشاركة السياسية والتطوير. ومن النتائج المهمة أيضا احساس الشباب وشعورهم بالتهميش والحرمان لعدم قدرتهم علي الوصول لأدوار مؤثرة في المشاركة, وهذا يعني أن الشباب لديه استعداد للمشاركة ولكن الأبواب مغلقة. وتشير د. سوسن فايد الي أن هناك عدة مؤشرات محفزة للسياسة علي المستوي الاجتماعي كالأسرة مثلا علي مستوي الأسرة.. حيث وجد أن الشباب الذين تمتعت أسرهم بقدر عال من الثبات الاجتماعي الذي كانت له انعكاساته علي سلوك الأبناء واعطائهم مساحة للمشاركة والتفاعل الاجتماعي. واكتشفنا ان الشباب اخذ من النت مجتمعا بديلا, كواقع افتراضي بديل للواقع السياسي المعيش.. كما ساعدهم الاطلاع علي البرامج الحوارية علي خلق نوع من النضوج السياسي, فاستخدموا النت في المدونات والصفحات السياسية والدخول في عالم الفيس بوك وتشكيل جماعات اثرت في الشارع. وبالنسبة لدور المؤسسات الدينية نحو المشاركة السياسية كشفت النتائج عن ان الشباب الجامعي لديه ادراك لموقف الاسلام من المشاركة باعتبارها واجبا دينيا.. ومعني هذا ان تلبية هذا الواجب الديني تدعوهم الي سرعة الاستجابة للعمل الجماعي من اجل الاصلاح. وطبعا الدين سلطان نافذ علي العقول المصرية. أما الحياة السياسية فاكتشفنا أن المؤشرات ضعيفة جدا بالنسبة للانضمام للاحزاب.. وان الحالات التي وجدت لها اتجاهات في المشاركة من اجل المصايف والمعسكرات. وبالنسبة لمسألة التصويت وجدنا ان نسبة متدنية هي التي تدلي باصواتها وان الذين لديهم استعداد للتصويت يفعلون ذلك تعزيزا لموقف الانتخاب لكن للاسف وجدنا ان قناعة الانتخاب الحر منعدمة.. غير ان الاستعداد للمشاركة في المجتمع المدني كانت واضحة في كيانات كثيرة كالبراق وزدني ودار الاورمان ورسالة, حيث استطاع الشباب المشاركة الحقيقية والوصول بقوافل طبية الي القري والنجوع, ما يعني ان الشباب يشارك بشكل ايجابي اذا ما اتيحت الظروف.. واذا فتحت لهم الابواب المغلقة. ومعني هذا ان الشباب يتمتع باستعداد ايجابي للمشاركة ولكنه في حاجة ماسة الي اتاحة المناخ حتي يستطيع ان يمارس دوره علي مستوي المشاركة السياسية. يري د. عدلي رضا رئيس قسم الاذاعة والتليفزيون بجامعة القاهرة ان السبب وراء عزوف الشباب عن المشاركة انما يعود الي ضعف الاحزاب السياسية وعدم وصولها الي القواعد الجماهيرية كونها غير جاذبة ومؤثرة ولا يوجد علي الساحة وبتأثير اكبر سوي الحزب الوطني الديمقراطي وهو ما يحدث نوعا من عدم اقبال الشباب.. كما يلعب عدم وضوح برامج الاحزاب لدي الجماهير والشباب دورا مهما في عزوفهم عن المشاركة. علاوة علي انه لاتوجد لدي هذه الاحزاب رؤية للتصدي للمشكلات الموجودة في المجتمع. يؤكد د. رضا ان هذه الاحزاب ليس لها برامج باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي. من ناحية اخري يري الشباب ان الدولة لم تول لهم الرعاية الكافية للتصدي لمشاكلهم الحياتية وعلي رأسها الزواج والبطالة وا لاسكان, كما ان هناك بطئا في معدلات التطور الديمقراطي رغم وجود حراك سياسي ملموس ولكن ليس بالقدر الكافي خاصة ان البلاد بحاجة الي دفعات اكبر من الحراك والتطور. يري د. حسن نافعة أن الأحزاب ضعيفة ومحدودة ولا تمثل الخريطة السياسية في مصر.. وهذا ما دفع بعض الشباب الي المشاركة في الجمعيات الأهلية, وإطلاق مبادرات علي النت استطاع فيها تنظيم نفسه كحركة6 أبريل وشباب حركة التوكيلات التي بدأت في الاسكندرية, والحكومة نفسها لا تشجع الشباب علي المشاركة إلا من خلال المؤسسات الرسمية التي لا تشبع الحراك الحيوي ولا تروي ظمأ الشباب للمشاركة.. والدليل علي ذلك ما جري في انتخابات الشوري الأخيرة حيث بلغت نسبة المشاركة حوالي7% علي الأكثر من المسجلين في الجداول الانتخابية. يقول د. رفعت السعيد ان المشاركة في الحياة السياسية لا تأتي بالمصادفة وإنما تأتي عبر مناخ عام يبدأ في مرحلة الدراسة,الجيل الحاضر ممنوع من ممارسة السياسة.. والتيار الوحيد المسموح له بهذه الممارسة هو التيار الإسلامي.. لأنه يمارس دورا سياسيا عبر استقطاب الشباب للعبادات. أما السبب الآخر وراء العزوف فيكون نتيجة افتقاد القدوة والأشخاص ذوي الكاريزمة الذين يبذلون جهدا من أجل إنهاض هذا البلد.. أما القدوة من النجوم اللامعة في الفضائيات فهم كدابين زفة, منافقون, فاسدون, تاجروا بالعلاج علي نفقة الدولة وغيرها. يضيف د. السعيد أن الأحزاب الكبيرة, علي الرغم من أن لديها برامج لمكافحة الفقر, والإسكان, إلا أنها تقف عاجزة لأنها لا تنفذ سياسات الحزب, أما الحل من وجهة نظر السعيد فيري ضرورة في أن يغير الحزب سياساته وأن يواجه الفساد بإرادة وإدارة دون انتقاء.. وعلي العباءة السياسية أن تختار, فإذا نجحت ستتقدم مصر إلي الأمام. يري د. أمين اسكندر أن عزوف الشباب عن المشاركة يأتي لعدم إيمانه بأهمية دوره في التنمية أما الحلول فتكمن في ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد, وانتخابات نزيهة وشفافة, وتبني مشروع مستقبلي للنهوض. تشير معظم المصادر إلي أن نسبة المشاركة بشكل عام والشباب خاصة ضعيفة جدا.. ففي انتخابات2005 وصلت إلي26,2%, ورصد التقرير أنه علي الرغم من أن معظم المسجلين في الجداول الانتخابية من الشباب, إلا أن المشاركة السياسية لا تتجاوز بأي حال من الأحوال30% من المسجلين في الجداول الانتخابية.. وبالتالي المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية أقل من15% وهي نسبة شديدة الوهن لا تليق بدولة مثل مصر.. كما أن حجم عضوية الشباب في الأحزاب المصرية لا يتجاوز ال10% من جملة المؤهلين للمشاركة السياسية.