مرة أخري فرضت قضية الحد الأدني للأجور نفسها علي الساحة, بعد أن ألزمت المحكمة الإدارية العليا الحكومة بضرورة وضع حد أدني للأجور بعد شد وجذب امتد لعدة شهور حتي صدر حكم الإدارية العليا غير القابل للطعن والملزم للحكومة. الحكومة من جانبها, وحتي تلتزم حكم القانون اجتمع المجلس القومي للأجور, وقرر اعتماد مبلغ004 جنيه كحد أدني للأجور, وهو القرار الذي أثار ولايزال جدلا واسعا حول عدالة هذا المبلغ وكفايته لمواجهة المتطلبات المعيشية الحالية, بعد أن ارتفعت معدلات التضخم, وأصبحت النقود تشبه في أغلب الأحوال أوراق الكشاكيل الفخمة المصقولة التي لها بريق ولمعان لكنها لا تساوي كثيرا في سوق الحياة اليومية وما فيها من احتياجات ومتطلبات تبدأ بالغذاء وتمتد الي الكساء والمواصلات والسكن والفواتير المتعددة للكهرباء والمياه والتليفونات ومصاريف المدارس والدروس والكتب الخارجية وأخيرا العلاج والدواء. انتفض اتحاد العمال ومعه حق رافضا هذا الحد الأدني ومطالبا برفعه للعامل العادي دون مؤهل الي005 جنيه, وللعامل بمؤهل متوسط الي007 جنيه, وللعامل بمؤهل عال الي0001 جنيه, وهو ما يضمن طبقا لرؤية اتحاد العمال الحد الأدني للمعيشة في ظل مستويات أسعار السلع الأساسية الحالية. أعتقد أن مقترحات اتحاد العمال تمثل الحد الأدني المقبول في ظل ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع مستويات الأسعار الي مستويات قياسية غير مسبوقة, خاصة أسعار السلع الغذائية من خضراوات وفاكهة ولحوم حمراء وبيضاء وألبان وبقوليات بعد أن عاشت مصر لفترات طويلة كانت أسعار المواد الغذائية أقل من مثيلاتها في معظم دول العالم, إلا أنه نتيجة العديد من السياسات الحكومية الخاطئة واهمال قطاع الزراعة والثروة الحيوانية, ارتفعت الأسعار لتفوق مثيلاتها في معظم دول العالم, خاصة أوروبا وأمريكا والكثير من الدول العربية, ولولا سياسة الدعم للكثير من السلع التموينية والخبز لانفجرت الأسعار أكثر مما عليه الآن. في ظل هذه الظروف تصبح مراجعة الحد الأدني للأجور أمرا ضروريا حيث يمثل الاجر الأساسي للعاملين بالحكومة بحسب الموازنة العامة للدولة للسنة المالية1102/0102 نحو91 مليار جنيه, بما يعني أن متوسط الأجر الأساسي للمواطن من العاملين بالحكومة يبلغ تقريبا462 جنيها شهريا, وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يفي بالاحتياجات الاساسية لأي مواطن ويدخله في دائرة الفقر المدقع, وربما يقول البعض إن هناك مكافآت وحوافز وأجورا متغيرة أخري.. غير أن سمة تلك الأجور المتغيرة هي عدم العدالة في توزيعها وعدم وجود آليات منضبطة لصرفها مما يزيد الفجوة بين شرائح العاملين خاصة بين الفئات العليا والدنيا. وفي حين انخفضت أجور العاملين في الحكومة, فقد ارتفعت في قطاع الأعمال بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لتقترب من0061 جنيه شهريا, وبين مرتبات العاملين بالحكومة المتدنية ومرتبات العاملين في قطاع الأعمال المعقولة تظل المعلومات غائبة ومتضاربة في القطاع الخاص لا تحكمها قواعد أو نظم متعارف عليها, وانما هي خاضعة لقواعد العرض والطلب وظروف كل شركة أو مصنع, إلا أن هناك قطاعا واسعا من مصانع وشركات القطاع الخاص لاتزال تحدد رواتب العاملين بالقطارة, وترفض تطبيق النظم التأمينية والصحية عليهم إلا بعد طول انتظار, مما يجعل قطاعا واسعا من الشباب يرفض الالتحاق بتلك المصانع مفضلا البطالة أحيانا عن فرصة عمل لا توفر الحد الأدني من الأمان المعيشي. تلك الشركات ترفض تغطية العمال المتقدمين إليها بنظم التأمينات والمعاشات, وتتجاهل تغطيتهم بمظلة التأمين الصحي, وبرغم كل ذلك تصرف لهم رواتب متدنية, ووزارة القوي العاملة تقف متفرجة علي مخالفات تلك المنشآت, وأغلب الظن أن المفتش المنوط به عملية المراقبة والتفتيش له مرتب شهري من تلك المنشآت المخالفة وبالتالي فهي في أمان من المخالفات وتتلاعب بالعمال كما تريد دون عقاب. الخلاصة.. فإن سوق العمل يحتاج الي رؤية جديدة لإعادة تنظيمه بما يضمن تحقيق حد أدني ملائم للعاملين في القطاعات المختلفة( حكومية وخاصة وقطاع أعمال) يلبي الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية ويراعي معدلات التضخم. الأهم من كل ذلك, توفير موارد حقيقية لتمويل زيادات الأجور ولن يكون ذلك إلا من خلال زيادة الإنتاج, وإعادة توزيع ثمار التنمية الاقتصادية لتكون أقرب الي العدالة, لأن زيادة الدخول من خلال زيادة طبع البنكنوت يعني اشتعال التضخم والدخول في حلقة جهنمية من حلقات ارتفاع الأسعار وانفجارها أكثر مما هي عليه الآن ونكون كمن يحرث في الماء دون عائد يذكر.