هذا هو عنوان الملف الذي تركه لي عمرو يحيي, وهو شاب جاء لمقابلتي دون سابق معرفة وبدأ يحدثني عن أمله في بلده مصر, وكان يتحدث بحماس الشباب وحكمة الكبار عن مصر التي في خاطره, وكنت أشعر وهو يتحدث بمدي الحب الذي يكنه لمصر, والانتماء القوي لبلده. والملف عبارة عن حلم جميل حلمه شاب عما يجب أن تكون عليه مصر, ولعله حلم جميع الشباب الذين في مثل سنه كما هو حلمنا نحن الكبار الذين لم نستطع أن نحققه. حلم عمرو يحيي هو مشروع متكامل لبناء المدينة الفاضلة وسأحاول أن أقدم فكرة عامة أولا عن المشروع, وثانيا عن الجهد الذي بذله الحالم الشاب في إعداده, ذلك الجهد الذي نراه في ملاحق التقرير عن تاريخ مصر بدءا بأسماء كل من حكموا مصر من ولاة مصر من قبل الخلفاء الراشدين إلي ما قبل الأمويين, ثم حكامها من قبل العباسيين, ثم الطولونيين والإخشيديين, حتي يصل إلي العثمانيين والمماليك والعسكريين الفرنسيين, ثم القواد البريطانيين, وباشوات مصر في عهد محمد علي ثم الخديويين إسماعيل وتوفيق وعباس حلمي حتي يصل إلي الملوك ثم رؤساء الجمهورية. لقد جعلني عمرو ألهث وأنا أقرأ الأسماء اسما اسما, أسماء حكام لم نقرأ عنهم في التاريخ الذي تعلمناه في مدارسنا. أسماء تعكس مدي التسابق في حكم مصر الذي قال عنها سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) كما يقول عمرو: ادخلوا مصر آمنين فإن بها خير أجناد الأرض. يبدأ حلم عمرو بمقدمة هي عصير الحب لمصر, وكما يقول: فمن مصر الحاضنة والولود تكون دائما البداية, وإذا بدأ المصريون العمل فعلي الجميع أن يتوقع الاستفادة بالنتيجة حتي وإن كان المستفيد هم الأجيال التي تلينا جميعا, حتي وإن كانت هذه الاستفادة لن نراها بأعيننا, فسيكفينا أن نكون ذكري حسنة لخلفنا مثلما كان لنا سلفنا الصالح. تتلخص فكرة المشروع في إنشاء محافظة/ مدينة جديدة داخل جمهورية مصر العربية تخضع لسيادتها الدستورية والسياسية والعسكرية والقضائية والمدنية والفنية, ولكن ينظام المنطقة/ المدن الحرة وتكون في قلب الصحراء الغريبة, وتشرف علي المشروع لجنة عليا بعيدة كل البعد عن أي حزب سياسي, ويكون التخطيط المبدئي والعام للمشروع علي أساس مائة عام, وتنص قواعد المشروع علي تطبيق جميع الحريات بأنواعها بما يتوافق مع الدين الإسلامي الحنيف, وكذلك الدين المسيحي وأصل الدين اليهودي. والقاعدة الثانية هي تقديم كل التسهيلات التقليدية وغير التقليدية بجميع أنواعها ودرجاتها لهذه المحافظة لتكون النواة والنموذج القائم والواقع الملموس لكل ما هو مستحق لجوهر الفرد والأسرة والمجتمع والشعب المصري قائما علي أساس قاعدتين أساسيتين الواجبات والحقوق ثم توضع بعد ذلك مجموعة من القوانين والقواعد التي تتماشي مع هذه النقلة المجتمعية بكل جوانبها. ويستمر الحالم الشاب في شرح التخطيط العمراني الأساسي لجميع المرافق المتوقع تنفيذها في منطقة الثقافة, ومنطقة البحث العلمي, والمنطقة السكنية, والأسواق العامة, والمنطقة الترفيهية, والفنادق, ومنطقة المؤتمرات, وحتي مناطق خدمية مصغرة, ثم هناك منطقة المستشفيات الحكومية والخاصة, وإنشاء أكبر دار للمسنين والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة, والرياضة بأنديتها وحتي المقابر. إنه مشروع كبير من الواضح أن عمرو يحيي بذل مجهودا جبارا لإعداده, فلم يهمل أي كبيرة أو صغيرة, متخطيا الخطوات ومراحل وجدولة التنفيذ, وتمويل وإدارة المشروع, ثم يشرح فكرته عن طريق خرائط لمصر أكثر تفصيلا عن الخرائط العادية. وشعرت وأنا أقرأ ذلك المشروع الكبير أني أشارك عمرو يحيي في حلمه الذي قد يكون من الإمكان تحقيقه, أو سيظل حلما كبيرا, ولكن مجرد الحلم به يعكس مدي حبنا لمصر ورغبتنا في أن تكون دائما في المقدمة. التعليم ومشكلاته أتابع دائما ما يحدث في العالم في نواحي الحياة المختلفة, وحين أقدم بعض ما أقرأه إلي قرائي فإني لا أحاول المقارنة بين ما يحدث في العالم وما يحدث عندنا, وإنما أقدمها مجرد نماذج لما يقوم به الآخرون حيال مشكلات شبيهة بمشكلاتنا, وقد قرأت أخيرا تقريرا مهما, بل خطيرا عن التعليم في انجلترا بين مدي عدم المساواة في التعليم بين فئات الشعب المختلفة, ويري التقرير أن هذه التفرقة تبدأ في الحضانات, ثم التعليم الابتدائي والثانوي, وحتي في الجامعات, ومن أسباب هذه التفرقة أولا الجنس( الذكور والإناث), والعنصر, والفقر. ويقول التقرير: إن قدرة الأولاد علي حل المشكلات نسبتها53%, بينما تصل مع الإناث إلي72%, كما أن الإناث يتفوقن علي الذكور في امتحانات الشهادة الثانوية, بل وفي الجامعات, ويري الإخصائيون أن السبب هو أن الأولاد لا يشعرون بالتزامل مع نظام التعليم الذي يفرض شروطا لا يحبذها الأولاد, ويقول التقرير: إن ظاهرة تفوق الإناث عالمية, وليست وقفا علي بريطانيا وحدها, ويري أحد الإخصائيين أن هناك حاجة إلي تغيير الطريقة التي ندرس بها, نحتاج أن نجعلها أكثر إثارة وليست مجرد حشو عقل الطالب بالمعلومات. ويري التقرير أن هناك أيضا تفرقة عنصرية, فالطلبة من بنجلاديش أو جزر الكاريبي يقل عدد من يحصلون منهم علي درجات عالية من الإنجليز البيض, وهم يرون أن للفقر دورا في هذه التفرقة, مما أدي إلي سوء نتائج الطلبة الذين ينتمون إلي عائلات فقيرة, ويؤكد التقرير ضرورة القضاء علي هذه التفرقة التي لاتزال تصم المجتمع الإنجليزي, ويستمر التقرير في تأكيد وجود تفرقة عنصرية ليس فقط تجاه السود الأفارقة, أو السمر الإسيوبيين, بل أيضا تجاه الأيرلنديين, ويعطي التقرير نسبة قبول الطلبة غير البيض بنظيرها من الطلبة الملونين, وبينما تبلغ75% من البيض فهي لا تزيد علي25% من الملونين, والمشكلة ليست فقط في التفرقة العنصرة بل في التفرقة المادية, ومن ثم نجد أن الطلبة الذين ينتمون إلي عائلات فقيرة يواجهون مشكلات عديدة في مراحلهم التعليمية, مما يؤدي كثيرا إلي توقفهم عن التعليم في مرحلة مبكرة, مما يؤثر علي حياتهم المستقبلية. وينتقد التقرير نظرة التعليم إلي ذوي الاحتياجات الخاصة, ويقول إن أربعة من كل خمسة منهم يتعرضون للإساءة من زملائهم الأصحاء. ويقول أحد المسئولين في الحزب الحاكم: إن سوء نتائج الطلبة السود يرجع إلي حد ما إلي الفوضي في الفصول, وإلي التفرقة العنصرية, وترجع هذه الفوضي إلي طريقة معاملة المدرسين للطلبة تبعا لألوانهم. وأضاف أنه يحب أن تتغير هذه النظرة, وأن يقيم الطالب بما حققه من نتائج, سواء كان أسود أو أسمر أو أبيض, ذكرا أو أنثي, غنيا أو فقيرا. ويؤكد ما جاء في ذلك التقرير أن عدم المساواة, والتفرقة العنصرية والمادية لاتزال حقيقة صارخة في بريطانيا, وليس فقط في نظام التعليم, بل في الحياة عامة, حيث كما يقول التقرير يعتمد مستقبلك عن من أنت, وإلي أي طبقة تنتمي!