عندما دخلت العيادة صافحني الطبيب مرحبا وجلست أمام مكتبه وقال إنه أوشك أن يتصل لشطمئنان علي بعدما تأخرت طويلا, وقال: إيه الأخبار؟ قلت: الحمد لله, ماشي الحال ورحنا نتحدث عن البلد وأحوالها وضحكنا ثم سألني عن عدد الوسائد التي أنام عليها هذه الأيام وقلت له إنها وسادة واحدة أضعها علي المخدة وأنام, ثم سألني إن كنت مازلت أتنفس بصورة عادية أم أنني أتنفس أحيانا علي هذا النحو, وراح يشهق ويزفر بطريقة شبه متلاحقة وأخبرته أنني أتنفس غالبا مثلما أتنفس أمامه الآن وبان عليه السرور وقال: جميل جدا. وقام واقفا واتجه إلي ركن الحجرة حيث الفراش الصغير وراء الستارة المفتوحة: تفضل. سألته مثلما اعتدت أن أسأله في كل مرة إن كان علي أن أخلع حذائي, وهو قال أن لا ضرورة لذلك, حينئذ خلعت سترتي واستلقيت علي السرير الضيق وراحت الممرضة الجميلة تعاونني علي جذب الفانلة وتعرية صدري, بينما جلس هو علي المقعد المجاور لي وضغط الأنبوبة وأفرغ منها كمية صغيرة من السائل السميك علي صدري من ناحية القلب وراح يضغط بالسماعة البيضاء الموصولة بالكومبيوتر ويحركها بقوة علي هذا الموضع وحوله وهو يتابع الصورة التي تظهر علي الشاشة الجانبية التي لا آراها. بعد ذلك طلب مني أن أميل إلي جانبي الأيسر وراح يضغط السماعة كما فعل في الأول, وعندما انتهينا انتقل إلي مكتبه وهو يقول: جميل جدا. اعتدلت أنا جالسا وتناولت قطعة القطن من الممرضة الباسمة وجففت صدري ثم ألقيتها في السلة المعدنية إلي جوار السرير الضيق وجذبت فانلتي إلي أسفل وأعدت قميصي إلي مكانه داخل البنطلون وارتديت سترتي وجلست أمام المكتب وناولته قائمة العلاج القديمة وهو فردها أمامه وراح يكتب واحدة أخري ثم ناولني الاثنتين وقال انه لم يضف شيئا جديدا وأكد أهمية المداومة علي تناول العلاج وأخبرته أنني لا أخذه في مواعيد يومية محددة لأنني قد أقوم مبكرا أو متأخرا ولكنني أداوم علي تناوله وهو أثني علي ذلك ورافقني حتي باب حجرة الكشف وصافحني مودعا. عبرت الصالة المزدحمة بالمرضي وقبل أن أغادر المدخل مررت بالممرضة التي ابتسمت لي مودعة هي الأخري. كانت العيادة في الطابق الثاني وأنا نزلت الدرج المنحني علي مهلي أتشبث بالسياج الخشبي الناعم حتي غادرت المبني ووقفت وحيدا علي رصيف الشارع شبه الخالي ثم مشيت وأنا أشعر بخطواتي متمهلة وغير متنزنة ولم أعرف إن كان ذلك بسبب اعتلال صحتي أم بسبب تقدمي في العمر أم بسبب الاثنين معا وظللت هكذا حتي لاحظت رذاذا تناثرت حباته علي سطوح العربات المركونة, وفي ذلك الوقت المتأخر من الليل بدا الهواء منعشا من النافذة المفتوحة وأنا أجلس إلي جوار سائق التاكسي الذي كان صامتا, وعندما رأيت علبة سجائره موضوعة أمامه قلت: ماتعزم علي بسيجارة. وقال: من عنيه. وأعطاني واحدة أشعلها لي وأخبرته أنهم يمنعونني من التدخين ولكنني ارغب أحيانا في تدخين واحدة, ورحت أدخن وأري نهايات المآذن البعيدة والقباب الداكنة في الناحية الأخري من الطريق الممتد. تعليق: في حلقة الأسبوع الماضي عن الصديق الراحل فاروق عبدالقادر كتبنا كيف أن العائلة استحرمت دفنه في مقبرة العائلة لأنه لم يكن يؤدي فريضة الصلاة, بينما استحلوا قيمة الجائزة التي فاز بها وهو في غيبوبته الكاملة. وقد قام ابن شقيقه( لا اعرف اسمه للأسف) بالاتصال بصديقنا الشاعر جرجس شكري العارف بما جري والذي شارك في نقل كتب فاروق إلي قصر ثقافة روض الفرج, وأخبره أنه أطلع علي ما كتبناه وغضب. هو لم يشر إلي مسألة المقبرة المجهولة التي استنكرنا دفن عمه فيها, ولكنه أوضح أنه لم يصرف المكافأة بعد لأنه لم ينته من استخراج إعلان الوراثة. حينئذ تمني عليه صديقنا الشاعر أن يوقف عائد المائة ألف جنيه علي جائزة تمنح باسم فاروق عبدالقادر, وابن العم قال إنه يمكن تخصيص نصفها لهذا الغرض, بينما يخصص الخمسين ألفا الأخري كصدقة جارية علي روح الفقيد, لذا لزم التنويه.