بلغ العنف في مجتمعنا مدي تقشعر له الأبدان حتي, إن الرجل يمارس العنف ضد زوجته وأبنائه, بل ضد أبيه وأمه, وما أكثر ما ينشر في وسائل الإعلام من جرائم تشيب لهولها الولدان: أب يذبح أبناءه, امرأة تقطع زوجها إربا, شاب يقتل جدته مقابل مال قليل.. وما خفي كان أعظم! متي وكيف نبتت هذه البذرة الخبيثة في مجتمعنا؟!. العيب أننا جميعا نعرف الإجابة, لقد تفشت هذه الشرور وتعاظمت يوم تخلينا عن قيمنا الأصلية من التراحم والتعاطف والتحاب بين أولي القربي خاصة وبين الناس كافة.. يوم تراجع دور الأسرة فأصبح الأبناء تائهين بغير قدوة يهتدون بها, لا ضوابط خلقية تقرر لهم ما هو حسن وما هو قبيح. والأصل في هذا اهمال التعاليم الخلقية الرفيعة التي جاء بها الدين, أي أن النموذج الخلقي للفضيلة قد غاب في ظلمات الحياة المادية المحصنة التي ألقت بالدين والأخلاق وراء ظهرها, وهي حياة لا يرجي من ورائها خير. يضاف إلي ذلك المبالغة في قيمة العنصر المادي في الحياة, حتي سلبت عقولنا وأفرغت حياتنا من القيم الروحية والخلقية والجمالية, وبرزت هذه التشوهات البشعة في جسد المجتمع. وحتي نواجه العنف ينبغي ألا نعزله عن بقية الظواهر السلبية في المجتمع, فإن له أسبابه وعلاقاته بالسلبيات الأخري, والظاهرة الملحوظة بقوة هي ارتباط العنف بالمخدرات والفقر, هذا الثالوث الجهنمي الذي سمم حياتنا, وسوف تكون له آثار أقسي علي الأجيال المقبلة ما لا نتدارك الأمر بتدابير حكيمة وبنظرة عادلة تربط النتائج بمقدماتها, وتستشرف الآفاق المستقبلية وإمكاناتها. وأول ما يجب علينا أن نفعله لمواجهة ثالوث الهلاك أن نقضي علي الفراغ الفكري والثقافي, وأن نختار من بين البدائل المطروحة حلا يتناسب مع مجتمعنا وأصولنا الثقافية وثوابتنا القيمية والدينية. والبدائل الأخري الغربية لن تقضي علي العنف وما يتصل به, بل لقد كانت الثقافات الأخري من أسباب العنف, والمجتمعات الأوروبية تعاني هذه المشكلة بصورة أكثر شراسة وقسوة مما نراه في مجتمعنا. وكل الحلول التي يقدمها رجال الفكر من العلمانيين لن تجدي في مجتمع لا يعرف فصلا بين الدين والحياة, مجتمع يري الدين عمادا لكل شيء, فليس أمامنا من بديل سوي احياء القيم الخلقية التي جاء بها الدين. ولابد أن يواكب ذلك صحوة في مؤسسات المجتمع المدني, لتقوم بدورها في مواجهة ثالوث الهلاك: الفقر والعنف والمخدرات, حتي لا نترك أبناءنا بلا سند فيصبحوا عرضة للضياع والانهيار. إن العبء ثقيل, ولن يقوم به فرد أو مجموعة أفراد, ولا حتي حكومة, انه هم مجتمع بأسره, ولابد أن تتضافر جهود المخلصين من أبناء هذا المجتمع لمواجهته والخروج من المحنة.. من المعلمين, رجال الدين, ووسائل الإعلام, والمدارس والجامعات, ومراكز الشباب, والمؤسسات الخيرية.. إلخ. إن العنف وليد ظروف اجتماعية, ولو أصلحنا هذه الظروف التي أدت إليه, فقد وضعنا أسس الاصلاح لحياتنا كلها, بما فيه خير مجتمعنا وصلاح أبنائنا وتوجيه طاقتهم نحو العمل البناء بدلا من السقوط في مستنقع العنف وما يتصل به من رذائل خلقية واجتماعية.