أربعة عشرة فيلما تركيا هي الحصيلة التي تم إختيارها كي تتنافس علي البرتقالة الذهبية, فيها تنوعت الرؤي وعكست في الوقت ذاته مدارس مختلفة في الطرح والتناول السينمائي لقضايا وهموم الاناضول. ورغم التنوع والتباين إلا أنه بدت هناك سمات مشتركة في ثلاثة أفلام يمكن تلخيصها في الحرمان النفسي والمادي وما ينطويان عليه من قهر لا حدود. في الثلج الابيض الموحش قد يتصور المرء أنه سيكون أمام حكاية تعود إلي الماضي خاصة وأن الفيلم الذي أخرجه سليم جونيش مأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان الآيران كتبها القصاص الراحل صباح الدين علي(0791 8491) قبل وفاته بأقل من عام, إلا أن المشاهد الاولي بددت هذا الاعتقاد ورغم ذلك تجسدت سخرية لاذعة. فالمرئي يقول أنه لا تغيير أو تغير من فرط الطابع البدائي الذي يعيشه البشر في تلك الامكان النائية وكأن التكنولوجيا ومعها الحداثة لم تدخلهما بعد. وهكذا يتضافر فقر الإمكانات مع الضغوط الحياتية ليتوجا معا مأساة شخوص الفيلم. المثير هو أن القرية التي دارت فيها الأحداث, تسكن سفوح تلال شاهقة تقع شمال شرق البلاد علي البحر الاسود, كانت حتي وقت قريب تشكو تراجع كميات الامطار والثلوج, إلا أنها في هذا اليوم ظهرت واللون الأبيض يحتضنها في عنف من كل جانب, وها هي الذئاب تصدر أصواتها المخيفة والتي تزامنت بدورها مع هدير الرياح شديدة البرودة, غير أن الصبي حسن محور الشريط, لم يكن أمامه خيار, فرغم سنوات عمره التي لا تتجاوز الاثني عشر سنة إلا أنه بات مسئولا عن شقيقيه الصغيرين, فالاب قابع في محبسه, والأم وفقا لتقاليد واعراف المجتمع مضطرة للابتعاد عن قريتها وأبنائها لمراعاة أم زوجها المسنة والمريضة, ومن ثم فهو مطالب بصنع الآيران( اللبن الرايب) وبيعه وهذا لا يتحقق إلا بالنزول إلي الطريق في رحلة مضنية مشيا علي الاقدام من أجل الوصول إلي نقطة تقف عندها سيارات الميكروباس وهناك ينادي علي بضاعته, لكن لا أحد يشتري علي النقيض تأتي أحداث موظف مرور ب والذي أخرجه تولجا كارا تشليك ب والقيظ يكاد يحرق البشر, هنا في أطراف اسطنبول علي معابر الطرق السريعة ومحطات سداد الرسوم, الموظفون يؤدون عملا رتيبا مملا, ولكنهم راضون فهو في النهاية مصدر رزقهم الوحيد, غير أن كنعان بطل الفيلم والذي يبلغ من العمر35 سنة, ليس مثلهم فهو دائما شارد يعيش مأساة ماض لم يكن مشاركا فيه, دائما يكلم نفسه أثناء العمل وهو لا يدري, يثور يغضب يصرخ وسط ذهول المارة, وتكون النتيجة قرار بنقله إلي مكان آخر الاحتكاك فيه بالجماهير قليل غير أن بطلنا لا يفيق من شروده وإنغلاقه وانكفائه علي ذاته المقهورة من أب قاس كان له صولجان في زمن لم يعد قائما نقيضان, ولكنهما يشتركان في الصمت وانتظار العدم. وبين ضياع حسن وسقوط كنعان في أوهامه, يتحفنا البرتقالة الذهبية بشريط آخاذ أنه شعرأوSaHair باللغة التركية, عدمية غارقة في السواد, تعيد لنا عدميات التشيكي فرانز كافكا, أخرجها بير سايم أوغلو فيها كيانات إنسانية تطحنها مدينة هائلة الاصوات فيها هادرة والصمت أيضا لا يقل عنها زخما, لوحتان في آن للألماني بريخت: ذاك الذي يقول نعم وذاك هو نفسه الذي يقول لا, ويكتمل العبث بهذا الرجل محور العمل القاتم الذي يشتري الشعر من نفوس مهزومة ليبعيه لآخرين منهم الساخطون علي ما فعله الزمن برؤوسهم, ومنهم فتيات يتخذن منه ذريعة يسترن به حجابهن, تناقضات متجذرة لا مفر من مواجهتها سوي بالهجرة إلي البرازيل والذوبان في موسيقاها وكرنفالاتها التي لا تهدأ, هذه هي الذروة لبطل الفيلم رغم أنه ينتظر الموت وفقا لما قاله له طبيبه.