أزحتم الستار قضية تهم قطاعا كبيرا من المرضي الذين لا يحس أحد بهم, ولا يشعر بمعاناتهم وهم مرضي التوحد, فلقد دقت رسالة سارة والثقب الأسود ناقوس الخطر الذي يحدق بهؤلاء المرضي.. لكن رسالتي إليك قد تكون الأغرب بين الرسائل التي ترد اليك في هذه الناحية, فأنا أم لطفلين, كلاهما مصاب بمرض التوحد, وهي حالة نادرة علي مستوي العالم, فهذا المرض لا ينتقل بالوراثة, ومسألة أن يكون هناك شقيقان مصابان به وبينهما عام واحد فقط كانت محط استغراب الكثيرين, والأكثر غرابة أنهما متضادان في حالة التوحد, فأحدهما يعاني من فرط الحركة, والآخر من قلتها, في البداية لم أكن أعرف عن التوحد شيئا وإن كنت قد لاحظت بعد مولد ابني الاول بشهور بعض التصرفات الغريبة عليه, فهو دائم الحركة ولا ينفعل بما يدور حوله, وكنت أعتقد ان ذلك طبيعي, ولكن والدتي نبهتني إلي أن تصرفاته غريبة علي الاطفال, فتوجهت به لأحد الأطباء فشخص حالته تشخيصا خاطئا, كما أخبرني أخر بأنه يعاني مشكلة في السمع, وأخبرني ثالث بأنه مصاب بمرض في الجهاز العصبي. ومع ظهور الأعراض تأكدت اصابته بمرض التوحد, وكنت وقتها حاملا في ابني الثاني, وقلت وأنا أبكي اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها, وتفرغت لإبني المريض لكي اهتم به, فهو يحتاج الي عناية خاصة وفائقة, حتي في الليل أنام بعين واحدة وعيني الاخري عليه خوفا من أن يؤذي نفسه أو غيره أو يلقي بأثاث المنزل من الشبابيك, وتعرضت للكثير من الدجالين الذين أوهموني بعلاج ابني, ولأنني كنت كالذي يتعلق بخيط الامل فقد صدقتهم ودفعت لهم آلاف الجنيهات دون جدوي. وبعد أن انجبت ابني الثاني بدأت ألاحظ عليه هو الآخر أعراضا غريبة وإن كانت مختلفة عن شقيقه, وعندما ذهبت الي الطبيب أخبرني أن مرض التوحد ليس وراثيا, كما أنه لم يثبت عالميا اصابة شقيقين به, فاطمأننت علي ابني الثاني, ولكن الاعراض زادت عليه, واكتشفت بعد شهور من ميلاده بأنه مصاب بالتوحد مثل شقيقه, وإن كانت أعراض التوحد لديه مختلفة. لقد تمسكت أنا وزوجي بالأمل في أن نجد ذات يوم علاجا ناجعا وأصبح مرتبه يتحول بكامله الي علاج الطفلين وأدويتهما والمراكز المتخصصة التي تقوم برعايتهما, ونحن ميسورو الحال وإن كانت مشكلاتنا تنحصر في نظرات الناس في الشارع عندما نتوجه إلي مكان عام, فينظرون الي ابنينا وكأنهما فرجة, والمشكلة الاكبر التي تشغل بالي وتفكيري, الي اين سيذهب طفلاي بعد رحيلنا عن الحياة, وكلما فكرت في حال ابني من بعدي أنخرط في البكاء دون انقطاع, حتي أنني أقسم لك بالله انني دعوت سبحانه وتعالي ان يقبض أرواحنا في وقت واحد أنا وطفلي حتي لا يضيعا من بعدي, فهما يحتاجان الي عناية خاصة جدا, وهذا غير موجود في مصر, اذ لا يوجد مركز حكومي لعلاج حالات التوحد باستثناء مركز خاص واحد في القاهرة قائم علي الجهود الذاتية. وأناشد السيدة الفاضلة سوزان مبارك التي تولي اهتماما خاصا بذوي الاحتياجات الخاصة ان تتبني الاطفال الذين يعانون مرض التوحد فهم في أشد الحاجة للرعاية مدي الحياة. * أنعم الله عليكم بنعمة الصمود, فلم تبالوا بالمتاعب التي تعرضتم لها, وواصلتم سعيكم لإيجاد وسيلة تخففون بها آلام ابنيكما.. ومن هذا حالهم لا خوف عليهم, ولا علي أبنائهم, إذ أن رحمة الله وسعت كل شيء, ومشيئته عز وجل لا تعلوها مشيئة فلا تيأسوا وانظروا الي الدنيا بعين التفاؤل, فالصمود يعني العلو فوق الآلام وتحمل متاعب الدنيا, والسعي في الحياة لتحقيق الأماني والأحلام.. ولعل رسالتك تنبه وزير الصحة د. حاتم الجبلي إلي هذه الفئة المظلومة فيعتني بها, ويضع فلسفة جديدة لجلسات التخاطب علي نفقة الدولة, كما أرجو من وزير التربية والتعليم د.أحمد زكي بدر أن يدرس افتتاح مدرسة خاصة لتعليم مرضي التوحد, فالواقع يؤكد أن عددهم في مصر يتزايد يوما بعد آخر.