أنا مرتبط بالواقع إلي حد العناق الأبدي. ملتصق بأرض بلادي.. رفضت عروضا بالسفر لأوطان أخري أعيش تحت سماواتها وظل فضاء بلادي الرحب الحنون يناديني ويزرعني في خضرته ولو داسها الأسمنت وسرق نهارها. اشتاق دوما للسفر وكلما سافرت اشتقت للعودة! شيء ما يعربد في صدري لأعود إلي تراب الوطن اشمه واتنفسه ولو كان تراب الأزقة المكدسة بالبشر ألثمه! خيالي جامح ويسافر في البراري ويصعد سفوح الجبال ويهبط إلي الوديان, خيالي يحملني علي أجنحته إلي مناطق الهذيان وقمم الأمنيات التي لا تتحقق. اتكئ علي عصا الخيال عندما أحلم لوطني وأهرب مؤقتا من واقع مرهق أري فيه البشر وقد صاروا كالمسامير. أحلم بانسانية البشر وهم يخشعون لإله واحد في بلدي أو في التبت, في شوارع مكة أو في ميادين الفاتيكان. أحلم بحضارة الوصل والوصال. أحلم بابتسامات من القلب تفض عقدة الجبين المرسوم عليه الهموم. أسافر في المكان والزمان, أجلس في مقعدي في الطائرة الافتراضية وتدمع عيناي ولا أعرف السبب. اعتذر عن فرد طاولة الطعام ولا أعرف حقا السبب. أعزف عن قراءة الصحف ولا أعرف السبب. احملق في والفضاء العريض المحيط في وسط لجج بيضاء من السحب وأفكر في أحوالنا, مرة أجد نفسي ابتسم ومرة يبدو جبيني مقطبا. أسافر في الماضي واسبح بحرية في بحيرة الذكريات, لعلي اصطاد أسماك الفرح, يشرد ذهني وبوصلتي في أشياء تبدو للوهلة الأولي مضحكة وبالتأمل يفترسك الانتباه واليقظة أري حلمي من أحلام اليقظة عبارة عن مظاهرة من أطفال العالم تلتف بعذوبة حول الكرة الأرضية وأصواتهم كزقزقة العصافير تهيب بحكام الكون أن يتألموا ويوقفوا التوتر والحروب والحرائق المندلعة من أفعال البشر في كل مكان! أري بعييني حلما آخر, مظاهرة احتجاج من معوقي العالم تلتف حول أعناق الأصحاء الأقوياء وترفع لافتة واحدة: الرحمة؟ تنبهني المضيفة بابتسامة علب الشكولاته أن اربط الحزام فنحن نواجه مطبات. واهمس بضجر الأطفال( مطبات علي الأرض وفي الجو؟) تزورني السيناريوهات السيئة, ماذا لو حدث مكروه؟ وبإيمان اضطراري اتمتم بالصلاة. ثم أتساءل, هل عندما يعتم الواقع نهرب إلي الحلم؟ هل احباط النهار يدفعنا للهجرة إلي أحلام الليل؟ هل الفم المغلق يقطع رحلته إلي اللاوعي؟ نجحت طائرة الوطن في اختراق مطبات كثيرة والجلباب البلدي في حواري بلدي يؤمن بهذه الحقيقة ولكن الأفندية ينكرون ويحتجون ويكذبون بقلوب ميتة لا تعرف تراتيل السلام ولا ترنيمة الانتصار. خيالي الجامح يأخذني إلي بلاد تستحم كل الفصول بالرقي والمحبة. التعاملات فيها راقية. الاختلاف في الرأي بلا سفوح. تهمة تزوير الإرادة لا تسبق الفعل ذاته. الفرد يتعاطي الجدية ويدمنها فتصير ثقافة ومنهج حياة. مازلت أتكئ علي عصا الخيال وأحلم واسافر وأراها كما أتمني. المرأة مصدر للعطاء تهب أطفالها الرعاية وتهب الزوج الإخلاص, فهو( الغطاء والستر) وهي مدبرة الحياة من أول تقليم حشائش حديقتها إلي الدفاع بجسارة إذا اقتربت الذئاب من سور حديقتها. خيالي جامح, متي تصبح ذاكرتي مثقوبة تتساقط منها الأشياء السيئة في وطني. ناس في شراسة أسماك القرش. ناس لهم صور في أرشيف الصحف.. في مكر الثعالب والثعابين. جيوب ناس منتفخة بالمال ومفتوحة للمزيد. بنات يتمرغن في الوحل لهدف شريف هو الحياة! موظفون كسالي في غرفة ضيقة زجاج نوافذها مسدود بكرتونة في عمارة من الأربعينيات. أطباء مستعدون لاصلاح أي تهتك للعفة بجهاز عفة صيني, وكبت ضاغط علي الأجساد الفائرة, دفعها لزواج في السر, أو واحدة من خمسة لها مرتبة ومخدة وهدمه ولقمة ويوم من أيام الأسبوع حتي ولو قابلت الشهريار بشفاه بطعم الحطب, لكنها مستورة. أشياء كثيرة تولد تحت السلم: الأدوية منتهية الصلاحية والإطارات وقطع الغيار الفاسدة وتربيطات الانتخابات بالمال وربما بشوال أرز, والأمن يحمل أعباء ينوء بحملها عشر أجهزة أمنية ومطلوب منه أن يكون كل شيء يخصه أو لا يخصه تحت السيطرة! اعتصامات ظاهرها ديمقراطي وباطنها يدار برموت كنترول مجهول. أرض مصر بأبخس الأثمان مرة البيع بالأمر المباشر ومرة بالسلطة والقانون تفصيل! أبلع ريقي عندما أتذكر أن في مصر عين صقر تقول في أوقات محن الناس: قف! اسافر في المكان والزمان إلي مناطق الشرك, أتسلح بالصبر في وجه الغل الذي يغلي في صدور الناس في امبابة صوب الزمالك, وفي دار السلام صوب المعادي وفي جموع الموظفين المطحونين بمرتبات هزيلة صوب الهضبة ذات الأربعين مليونا والفكة بالملايين للترفيه عنهم! استرق السمع لحوارات هؤلاء وراء الأبواب المغلقة. ضرب الأولاد إذا اشتاق لشيء ما والتهديد بالطلاق إذا حلمت الزوجة بشيء ما آخر الليل يجمعهما الفراش المر ونزيد بضعة آلاف. أتسلح بالتمرد في وجه استقرار هو الجمود في أفضل الحالات لكنه الموت في قبر رخامي, لقد فقد الحزن جلاله وذبل العتاب علي الشفتين وصارت الإهانة نواجهها بهشاشة في عظام الكبرياء, دخلت كلمة( بكام ؟) قاموس الرومانسية فذاب جفن العين المشتاقة وامتدت الأيدي لشيء آخر تماما غير عناق الأصابع! اسافر وأرحل علي جناح الخيال وأحلم بمن يصارحني بمرارة الدواء اللازم للشفاء. وأحلم بمن يطلق لآرائي العنان دون لوم أو تأنيب( النظام الشمولي)(!). حيث اضطررت لحزام العفة علي فمي وضمنت شرف الكلمة الزائف! حين تفوح الكلمة بعبير الصدق والرقي في القول تصبح طوبة في معمار بناء ولا تغضب الأكل مرتجف. أحملك يا وطني في قلبي وعقلي وأهاتفك علي رقمك الأرضي, فأنا اختزنك في عيوني ولا أطيق الأذي يمس صحن مسجد أو هيكل كنيسة علي أرضك. لن أهاجر من واقعك ولن أرضي بوطن بديل يعوضني حنانا مفقودا. ومادمت أحبك بكل قطرة في دمي يا وطني, سأبتلع كل خطاياك سأبررها لنفسي لأنام علي مخدة الطمأنينة مهما أقلقتني كوابيس الليل. وسيطلع نهار جديد وأمل جديد وتشرق الشمس من جديد, فإذا احتضنتها الغيوم لبعض الوقت وحجبت ضوءها, عادت تنشر أشعتها الذهبية فوق مروجك الخضراء من جديد. أنا منشق عن قبيلة النخبة السوداوية المزاج, وفي الصين حصل المنشق عن النظام جائزة نوبل وأنا أحلم فقط بنبل أيامنا وليالينا!