بعد واحد من أصعب الأعوام توقع خبراء السياحة في العالم أن تبدأ صناعة السياحة في تحقيق النمو خلال العام الحالي, وأكدوا أن عام2009 كان قاسيا علي السياحة, كما كان شديد الوطأة علي الاقتصاد ككل, وأن صناعة السياحة تمكنت من الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة. وكشفت أحدث دراسة لمنظمة السياحة العالمية البارومتر التي تقيس حالة السياحة في العالم, أن النمو بدأ يعود لصناعة السياحة في الربع الأخير من العام الماضي, لأن الانخفاض كان أقل من النسبة التي توقعها الخبراء من قبل. وأشارت الدراسة إلي أن عدد السياح الذين زاروا العالم عام2009 تراجع بنسبة4% بالمقارنة بعام2008 لكن فرص العودة للنمو زادت بحيث من المتوقع أن يزداد عدد السياح عام2010 بحوالي3 أو4% وقد أكد مجموعة الخبراء الذي أعدوا الدراسة البارومتر وهم يمثلون لجنة شكلتها منظمة السياحة, أن هناك ثقة في قدرة صناعة السياحة علي تحقيق النمو من جديد. نتائج الربع الأخير: أوضحت الدراسة أن عدد سياح العالم لقضاء العطلات والأعمال التجارية والأغراض الأخري انخفض بنسبة4% عام2009 ليصل إلي880 مليون سائح, وهذا يمثل تحسنا طفيفا عن التقديرات السابقة, وأرجع الخبراء ذلك إلي أن نسبة الانخفاض في الربع الأخير من العام وصلت إلي2% فقط مع الاشارة إلي أن عدد السياح انخفض في الربع الأول من العام بنحو10% وفي الربع الثاني7% وفي الربع الثالث2% وذكرت الدراسة أن مناطق آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط قادت هذا الانتعاش في صناعة السياحة, حيث حققت تلك المنطقتان نموا ايجابيا في النصف الثاني من عام2009. وصرح طالب رفاعي السكرتير العام لمنظمة السياحة العالمية بأن الأزمة الاقتصادية العالمية والتي ترافقت بشكل خطير مع تفشي وباء إنفلونزا الخنازير المعروف علميا باسم اتش1 إن1 ساهمتا في جعل عام2009 واحدا من أشد الأعوام قسوة علي صناعة السياحة في العالم, إلا إنه قال إن نتائج الشهور الأخيرة تشير إلي أن الانتعاش بدأ بالفعل بل إنه يبدو إلي حد ما أسرع وأقوي مما كان متوقعا من قبل. ويقول الخبراء إن هناك مايشبه القاعدة التي تشير إلي أن عائدات السياحة تسير بشكل عام وراء عدد السياح بمعني أنه إذا زاد عدد السياح زادت العائدات والعكس بالعكس وبناء علي الأرقام والاحصاءات الخاصة بالشهور التسعة الأولي من2009, فإن العائدات سوف تنخفض للعام كله بمقدار6%. ورغم أن هذا التوقع يبدو محبطا بالنسبة لصناعة عودت نفسها علي استمرار النمو كصناعة السياحة إلا أنه بالمقارنة بالخسائر الاقتصادية الشديدة, فإن السياحة تبدو في وضع أفضل إلي حد كبير. وسيتضح ذلك لو قارنا انخفاض عائدات السياحة بنسبة6% بانخفاض الصادرات بشكل عام بنسبة12% وبالمقارنة مع أزمات سابقة, وجد الخبراء أن السياح مالوا إلي السفر لأماكن قريبة من مساكنهم عام2009, ولذلك فإن السياحة الداخلية في دول كثيرة شهدت نموا بسبب الأزمة الاقتصادية, وجاء ذلك عن طريق اتخاذ عديد من الحكومات إجراءات لدعم هذا التوجه واقناع السياح المحتملين بامضاء عطلاتهم داخل بلادهم. وأوضح الخبراء أن هذا ماحدث في الصين والبرازيل وإسبانيا علي سبيل المثال, حيث اقتنصت السوق المحلية حصة مهمة من حركة السياحة, وهو ماساهم بشكل عام في تحسن وضع صناعة السياحة. بانوراما مناطق العالم: ماعدا إفريقيا, التي كانت الاستثناء الوحيد, فإن كل مناطق العالم حققت نموا سلبيا عام2009. وقد انهت أوروبا العام الماضي بانخفاض6% بعد أن تكبدت خسارة في النصف الأول من2009, حيث بلغ معدل النمو السلبي في السياحة10% وكانت أوروبا الوسطي والشرقية والشمالية هي الأكثر تضررا, أما بالنسبة لأوروبا الغربيةوالجنوبية والبحر المتوسط, فإن الوضع كان أفضل نوعا ما. أما منطقة آسيا والمحيط الهادي فقد بلغ معدل الانخفاض20% لكن استعادة الثقة كانت غير عادية, فبينما انخفض عدد السياح في الفترة من يناير حتي يونيو بنحو7%, فإن النصف الثاني من العام الماضي شهد نموا بلغ3%, الأمر الذي يعكس التحسن الاقتصادي في المنطقة والثقة التي بدأت تعود من جديد. في منطقة الأمريكيتين بلغ معدل الانخفاض5% لكن منطقة الكاريبي عادت للنمو في الأشهر الأربعة الأخيرة من عام2009 بينما كان معدل الانجاز متواضعا في المناطق الأخري من الأمريكيتيين وذلك بسبب تفشي مرض إنفلونزا الخنازير وتداعيات الأزمة الاقتصادية, وبالنسبة للشرق الأوسط بلغت نسبة الانخفاض6% وبالرغم من أن المنطقة مازالت بعيدة عن معدلات النمو في الأعوام السابقة إلا أن النصف الثاني من عام2009 كان ايجابيا بشأن صناعة السياحة. وتبقي إفريقيا المنطقة التي حققت وحدها نموا بلغ5% خلال عام2009 مع الاشارة إلي أن إفريقيا جنوب الصحراء حققت نتائج طيبة للغاية فرص النمو عام2010 رغم الانخفاض في أعداد السياح والوضع غير الجيد للاقتصاد فإن منظمة السياحة تتوقع نموا خلال2010 بنسبة تتراوح بين3% و4%, واستند هذا التوقع إلي عدة مؤشرات منها أن صندوق النقد الدولي أعلن اخيرا أن الانتعاش الاقتصادي العالمي يحدث بوتيرة أسرع مما كان متوقعا من قبل. وأوضحت منظمة السياحة العالمية أن من المتوقع أن تواصل آسيا تحقيق انتعاش كبير في المجال السياحي بينما ستحقق أوروبا والأمريكتان نموا بوتيرة أقل وبشكل أكثر اعتدالا. وتوقعت المنظمة أن تعود منطقة الشرق الأوسط إلي تحقيق النمو بينما ستواصل إفريقيا نموها الايجابي الكبير يدعمها في ذلك أن جنوب إفريقيا سوف تستضيف نهائيات كأس العالم منتصف العام, هذه التوقعات الايجابية أكدها مؤشر الثقة الذي أعده مجموعة خبراء منظمة السياحة العالمية الذين لاحظوا أن هناك ثقة أكبر في تحقيق النمو السياحي بالرغم من استمرار حالة عدم اليقين للاقتصاد العالمي. وقال61% من هؤلاء الخبراء أن فرص النمو هذا العام جيدة أو أكثر من جيدة, بينما قال32% منهم إن فرص النمو عام2010 ستكون كما كانت عام2009. وتوقع7% فقط من الخبراء أن يكون العام الحالي أسوأ من الماضي وبلغ عدد الدرجات التي أعطاها الخبراء للعام الحالي131 درجة وهو معدل أعلي بكثير من المعدل الطبيعي وهو100 درجة, كما أن معدل قريب من الدرجات التي حصلت عليهم أعوام الانتعاش السياحي الكبير في الفترة من2004 إلي2007 وكنتيجة لذلك, فإن الخبراء يعتقدون أن عام2010 سوف يكون عام التحول وأنه سوف يوفر العديد من الفرص لكنه بالطبع لن يزيل كل المخاطر التي تواجه صناعة السياحة. فرص علي الطريق: استعادة الثقة في النشاط السياحي والمشروعات أيضا وعودة الثقة كذلك لدي السياحة. أسعار الفترة والتضخم في أدني مستوياتها ومن المتوقع أن ترتفع بشكل ضئيل للغاية علي المدي القصير. الانخفاض عادة يتبعه انتعاش وتزايد علي الطلب ومن المتوقع أن تستغل المناطق السياحية في العالم هذا التحول لصالحها. هناك مجال لعودة السياح للسفر من جديد وبقوة من أسواق التصدير السياحي مثل بريطانيا وروسيا علي سبيل المثال والتي تراجع عدد السياح منها إلي العالم عام2009 سوق يشهد عام2010 أحداثا عالمية كبيرة مثل كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا والألعاب الاوليمبية الشتوية في كندا ومعرض اكسبو شنغهاي في الصين, الأمر الذي سيولد طلبا كبيرا علي السفر. من المتوقع أن تتواصل قوة الدفع التي أظهرها قطاع السياحة خلال العام الماضي نتيجة المشاركة بين كل عناصر الصناعة الذين تضافرت جهودهم لمواجهة الأزمة. درجة المرونة التي أظهرتها صناعة السياحة في التعامل السريع في التغيرات في الطلب علي السفر وتقلبات السوق, جعلت منها ذات قدرة أكبر علي مواجهة الصعاب. الأزمات توفر فرصا للتعامل مع حالات الضعف الهيكلية وتنفيذ استراتيجيات تجعل النمو مستمرا ومستداما وتساعد في الانتقال إلي الاقتصاد الأخضر أي الذي يراعي الشروط البيئية. مخاطر جانبية: ستظل البطالة تشكل تحديا أساسيا, فأزمة العمالة لم تنته بعد, خاصة في الاقتصاديات الكبري في العالم. النمو الاقتصادي في الدول المصدرة للسياح خاصة أوروبا والولايات المتحدة مازال هشا. الإجراءات التحفيزية لتنشيط الاقتصاد من المتوقع أن تقل أو تتراجع نتيجة زيادة العجز العام بينما ستزيد الضرائب في عديد من الدول المتقدمة, كل ذلك سيضع أعباء علي ميزانيات الأسر والشركات. أسعار البترول ستظل متقلبة بالرغم من أن التأثير العام لإنفلونزا الخنازير مازال معتدلا حتي الآن إلا أن خبرة الأوبئة السابقة التي تعرض لها العالم تشير إلي أن إنفلونزا الخنازير يمكن أن تعود بقوة وتشكل تهديدا جديدا. التهديدات الأمنية والنزاعات وتكاليف السفر يمكن أن تظل تحديا يعوق السياح المحتملين عن السفر. العائدات والدخول المالية سترتفع ولكن ربما بنسبة أقل من تكاليف السفر مما سيعوق بعض السياح عن اتخاذ قرار السفر. وتشير منظمة السياحة إلي أنه بالرغم من أن فرص النمو السياحي تحسنت إلا أن عام2010 سيظل عاما غير سهل, وكما يقول مدير عام المنظمة طالب الرفاعي إن عديدا من الدول تحركت بسرعة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ونفذت إجراءات لتقليل تأثير الأزمة والتحفيز علي تحقيق النمو من جديد. ويواصل الرفاعي بالرغم من اننا نتوقع عودة للنمو خلال2010 إلا أنه سيكون من السابق لأوانه أن تتوقف الدول عن مساندة قطاع السياحة من خلال الاجراءات التحفيزية التي بدأتها العام الماضي, كما حذر الرفاعي من اغراءات فرض ضرائب اضافية, الأمر الذي يمكن أن يشكل خطورة علي فرص العودة للنمو في السياحة. وأكد الرفاعي مجددا أن قطاع السياحة يمكن أن يمثل مساهمة حيوية للغاية في تحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي خاصة في توفير الوظائف والانتقال إلي الاقتصاد صديق البيئة, لكن من أجل تحقيق ذلك فاننا في حاجة إلي سياسات واستراتيجيات عالمية داعمة ومساندة لصناعة السياحة.