كثر الحديث عن البنك الدولي في الفترة الأخيرة في مختلف وسائل الإعلام في مصر بمناسبة تعيين الدكتور محمود محيي الدين مديرا إداريا بالبنك, وهو ما يعتبر حاليا أعلي منصب يشغله مصري في أي من المنظمات الدولية, وتناول الحديث العديد من الأمور مثل طبيعة المنصب وطريقة التعيين فيه واتسع النقاش ليشمل دور البنك الدولي ونفوذ الولاياتالمتحدة في توجيه سياسته ومدي إمكانية التأثير علي هذه السياسات من خلال المناصب العليا في البنك وفيما يتعلق بمنصب المدير الاداري فهو أحد ثلاثة مناصب تشرف فيما بينها علي كافة الأنشطة القطاعية والجغرافية للبنك الدولي للانشاء والتعمير ومؤسسة التنمية الدولية اللتين تمثلان معا جزءا من مجموعة البنك الدولي التي تضم بالاضافة إليهما كلا من هيئة التمويل الدولية ووكالة ضمانات الاستثمار متعدد الأطراف, والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وتشكل مجموعة المديرين الاداريين الثلاثة مع كل من رئيس هيئة التمويل الدولية ورئيس وكالة ضمانات الاستثمار متعدد الأطراف والمدير المالي للبنك طبقة الادارة العليا للبنك الدولي التي تلي رئيس البنك مباشرة وتقوم بالاشراف علي تنفيذ السياسات التي يشارك في وضعها الرئيس,, مع مجلس إدارة البنك. ومن حيث طريقة التعيين في هذه المناصب, والتي يراعي في شغلها كل من التوازن الجغرافي بين أقاليم العالم المختلفة والتوازن الاقتصادي من حيث تمثيل الدول المانحة لهذا الغرض وقد تضم ممثلين للجهاز الاداري في البنك بالاضافة إلي ممثلين من خارج البنك وإن كان هذا التشكيل يختلف باختلاف المنصب المراد شغله. ومن الواقع الصحيح فإن رأي رئيس البنك يكون عادة هو العامل المحدد لمن سيتم اختياره, الأمر الذي يتمشي مع طبيعة هذه المناصب التي يتعامل من سيشغلها مع الرئيس مباشرة. دارت أيضا تساؤلات وتكهنات حول مدي تأثير تعيين أحد الأشخاص في مثل هذه المناصب العليا في المنظمات الدولية علي علاقة المنظمة بدولته, وللإجابة علي هذا التساؤل يجب أن ندرك أولا طبيعة الوظيفة الدولية وأن من يشغلها عليه التزام الحيدة التامة في قيامه بمهام وظيفته. وتوضح اللوائح الداخلية للبنك تفصيلا القواعد التي يلتزم بها موظفو البنك في قيامهم بعملهم وضرورة التزامهم بالحيدة والموضوعية كما تسميه لوائح مجلس إدارة البنك صراحة, إلي عدم قانونية محاولة أي عضو في المجلس التأثير علي موظفي البنك خلال قيامهم بمهامهم من أجل تحقيق منفعة خاصة لدولة ما ولكن, ومن الناحية العملية, فإنه من المتوقع أن وجود مواطن لدولة ما في منصب مؤثر في منظمة دولية سيكون علي أقل تقدير ضمانا لتعامل هذه المنظمة مع دولته بطريقة عادلة ومتوازنة بما فيه صالح هذه الدولة كما أنه من المأمول أيضا أن يكون رادعا لأي تحيز ضد الدولة المعنية قد تفرضه اعتبارات غير موضوعية.. موضوع آخر أشارت إليه بعض الكتابات والمداخلات خلال الفترة الأخيرة هو مدي تأثير الولاياتالمتحدة علي توجهات وسياسات البنك الدولي خصوصا مواقفه من التعامل مع دول بعينها أو تمويل مشروعات ذات طابع معين. بداية, فإن هذه التساؤلات لاتثار فقط في مصر أو في دول العالم النامي بل أيضا في بعض أوساط الفكر والناشطين في الدول المتقدمة ومنها الولاياتالمتحدة ذاتها ولكن ما يعطي لهذه التساؤلات اهمية خاصة لدينا في مصر هو تاريخ علاقتنا مع البنك الدولي فيما يتعلق بتمويل مشروع السد العالي بالذات, فبعد أن سحب البنك تمويله للمشروع نتيجة لما اعتبر ضغطا أمريكيا قامت مصر بتأميم قناة السويس لاستخدام عائدها في التمويل وما يتبع ذلك من عدوان ثلاثي وحروب وغيرها من التداعيات كما هو معروف لكل مصري. إذن, ماهي حقيقة هذا النفوذ الأمريكي علي عمل وسياسات البنك؟ في رأيي أن الأجابة ليست بسيطة ولاتكون بالنفي القاطع أو الايجاب المطلق. فالولاياتالمتحدة هي أكبر مساهم في رأس مال البنك الدولي حيث تبلغ حصتها حوالي17% من رأس المال( للمقارنة فحصة اليابان ثاني أكبر مساهم تبلغ8,7% وحصة مصر أقل من نصف في المائة) وبالتالي فإنها تمتلك أكبر قوة تصويتية داخل مجلس الادارة ومن المنطقي أن يتناسب نفوذها داخل البنك مع هذه القوة التصويتية أضف إلي ذلك أن العمل قد جري منذ إنشاء البنك وحتي الآن علي أن تقوم الادارة الأمريكية بترشيح رئيس للبنك من بين مواطنيها وطرحه علي مجلس الادارة الذي يقوم بانتخابه. واقع الأمور من شأنها أن الرئيس بوصفه هذا سيأخذ علي أقل تقدير رغبات الولاياتالمتحدة بعين الاعتبار. ولكن كل هذا لايعني أن الولاياتالمتحدة لها نفوذ مطلق أو أوتوماتيكي علي عمل البنك وتوجهاته حيث أن هناك إعتبارات أخري من شأنها أن توازن, أو علي الأقل تحد من, هذا النفوذ. فمن ناحية, فإن العمل في مجلس إدارة البنك يجري عادة علي التوصل لأي قرارات من خلال توافق الآراء فيما بين المديرين التنفيذيين الأربع والعشرين الذين يمثلون كافة مساهمي البنك من دول متقدمة ونامية ولايلجأ المجلس للتصويت إلا في حالات نادرة جدا مما يعني ان علي ممثل الولاياتالمتحدة أخذ كل آراء أعضاء مجلس الادارة في الاعتبار بما يتطلبه ذلك من تقديم تنازلات للوصول إلي التوافق المطلوب فيما يهم دولته من أمور مطروحة علي المجلس. علي الجانب الآخر فإن ممثلي الدول النامية في مجلس إدارة البنك وإن كانوا لايملكون الغالبية التصويتية العددية فإنهم إذا ما اتحدوا جميعا علي موقف واحد إزاء ما يهمهم من سياسات فإنه ستكون لديهم مايمكن أن نطلق عليه الأغلبية الأخلاقية والتي يصعب علي الدول الغنية تجاهلها. وفي النهاية فإن المحدد الأكبر لمدي إستفادة أي دولة من البنك هو وضوح رؤيتها بالنسبة لماتريد تحقيقه في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية وقدرتها علي توظيف مالدي البنك من خبرات وإمكانات وهي كثيرة, كعنصر مساعد في خطتها الشاملة للنمو. المدير التنفيذي المناوب وعضو مجلس إدارة البنك الدولي ممثلا لمصر وثلاث عشرة دولة عربية أخري خلال الفترة من ديسمبر1977 وحتي نهاية عام2008.