بتدشين المفاوضات المباشرة دخل المفاوض الفلسطيني مرحلة مفترق الطرق, وعلي الرغم من ان الاجواء لاتدعو للتفاؤل إلا انه يوجد مايدعونا لإدارة المفاوضات بكل همة وقوة وبتكتيك مختلف, خاصة ان المفاوض الفلسطيني يلج هذه المرحلة وسط متغيرات اقليمية ودولية غير مسبوقة. ندعو لتكتيك جديد للمفاوض الفلسطيني نأمل ان يرتكز علي فهم أكبر لتركيبة شخصية المفاوض الإسرائيلي, وكذلك وضعية الوسيط الأمريكي بكل معضلاتها وتدعيم سريع للجبهة الداخلية الفلسطينية مع الرد علي التسريبات الاعلامية من الجانب الإسرائيلي قوة بقوة. يجب الانتباه دوما إلي ان العقلية اليهودية ترتبط بحكم التراث والتاريخ بالبخل الشديد, فالمساومة لأقصي حد يعتبرها السياسي الإسرائيلي بشكل خاص, رياضة يحب ان يمارسها وفقا للمفاهيم الإسرائيلية باستماتة وبكل السبل هي الطريقة الوحيدة التي تثبت للطرفين ان الاتفاق الذي تم التوصل إليه لم يكن التوصل إليه بشروط افضل, ومن الامثلة الواضحة علي هذا الاسلوب ما تم في المفاوضات مع مصر بشأن طابا وياميت فقد بدأ المفاوض الإسرائيلي انذاك التفاوض بالتشبث التام بمواقفه وهو يدرك انه سيتراجع عنها في النهاية, ولعله يكون من المجدي مع هذا النهج رفع سقف المطالب الفلسطينية مع بدء التفاوض. وفيما يتعلق بالوسط ومدي انحيازه ان يضع المفاوض الفلسطيني نصب عينيه ان الوساطة أو الرعاية الأمريكية يعادلها نوعا ما دور مصري مؤثر, عبر عن التخوف منه مقالات وتصريحات عديدة يمكن الاشارة من بينها لمقال للمحلل الحالي والقيادي البارز في المخابرات الإسرائيلية يوسي بن اري الذي طالب في مقال نشره منذ ايام في يديعوت احرونوت بعدم نقل المفاوضات من واشنطن لشرم الشيخ حتي يكون التأثير الأمريكي علي المفاوضات اقوي, هذا بجانب ان الشواهد التاريخية تؤكد لنا ان حياد الوسيط لم يكن شرطا حتميا لنجاح الوساطة, ففي حالة انحياز الوسيط لطرف كثيرا ما نجد الطرف الذي ينحاز له يريد انجاح مهمته, بينما يسعي الطرف الذي لاينحاز إليه الوسيط إلي اخذ آرائه مأخذ الجد, بأمل ان يمكن من جذبه إليه وابعاده عن الطرف المنحاز إليه. ونأمل في هذا المجال ان يكون التنسيق مع الدبلوماسية المصرية بكل خبراتها التراكمية كاملا حتي لاننزلق لاخطاء كان يمكن تجنبها علي غرار ما تم عند التفاوض علي اتفاقية اوسلو, وفي السياق نفسه نرجو ألا يضيع المفاوض الفلسطيني فرصة الاستعانة بخبراء غير رسميين في الشئون الإسرائيلية وعلم النفس. هذا مع الأخذ في الحسبان حدوث متغير مهم دولي هو ضعف الولاياتالمتحدة وفشلها في العراق وافغانستان واندحار المحافظين الجدد, وادراك الإدارة الأمريكية التام ان القضية الفلسطينية لب الصراع داخل الشرق الأوسط في بعض النقاط خارجة ايضا, ومن المتغيرات التي تصب ايضا في مصلحة المفاوض الفلسطيني في هذا الصدد الموقف التركي التي بدأت تراجع حساباتها بعد ان كانت حليفا قويا لإسرائيل لفترة, وبعد ان حافظت علي مسافة متساوية من جميع الاطراف في فترة تالية.وعلي هذا فإن للولايات المتحدة مصلحة مباشرة في استقرار المنطقة وافراغ منطق المقاومة المسلحة ومن يناصرها بالتأييد المعنوي من مضمونه قدر الامكان وهذا ما تحققه المفاوضات بشكل مجاني, ولكن بارادة قوية وإدارة جيدة لعملية التفاوض علي ان يتم اجبار الطرف الثاني علي دفع ثمن لهذا الاستقرار, والالتزام بجدول زمني محدد لاستعادة الحقوق الفلسطينية, ويمكن في هذا الإطار المفاوض الفلسطيني, ان يتعلم من عدوه لعبة تسريب مضمون المفاوضات. وبشكل مواز نلفت نظر المفاوض الفلسطيني إلي اننا لانخشي التفاوض مع اليمين المتشدد لانه الأكثر قدرة علي تسويق اي اتفاق تسوية للرأي العام الإسرائيلي الذي سيقول لنفسه حينئذ: هؤلاء هم الصقور وطالما أقروا اتفاقا فهو افضل المتاح ويحقق مصلحة إسرائيل وعادة ما يضطر اليسار لمساندة اي اتفاق لتسوية حتي ولو كانت قد أبرمته حكومة يمينية. اخيرا يجب علي المفاوض الفلسطيني من ناحية والمقاومة الفلسطينية من ناحية اخري عقد هدنة تجمد فيها فتح وحماس الحملات الاعلامية المسيئة, علي طريقة دع كل الاطراف تعمل, فمن المؤلم لاقصي حد ان تلتزم حماس بشكل نموذجي بهدنتها غير المكتوبة مع إسرائيل, ولاتكف عن التراشق باقصي الاتهامات مع حركة فتح والحكومة الفلسطينية في رام الله برئاسة سلام فياض, واذا كان هدف حماس هو انهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الحقوق الفلسطينية, فانه لاضير من تحقيق هذا الهدف بدون تضحيات مع المقاومة, ودعم المقاوم للمفاوض حتي اللحظة الاخيرة ومنح التجربة فرصة للنجاح فرض عين, ويجب ألا يظل المشهد الحالي ثابتا حتي تحل علينا مزيد من الكوارث في ظل وهن ظاهر يسببه شق الصف, عدم منح فرصة اخيرة للمفاوض الفلسطيني والتخاذل عن دعمه, أو علي الاقل للتنسيق معه توجيه للنيران في الاتجاه الخاطيء.