حزب الجبهة الوطنية بالجيزة يستعد بخطة لدعم مرشحيه في جولة الإعادة بانتخابات النواب    رانيا المشاط تبحث مع «أكسيم بنك» تطور تنفيذ المشروعات الجارية في مجالات البنية التحتية المختلفة    الذهب يتجه لتحقيق مكاسب شهرية للمرة الرابعة مع رهان خفض الفائدة الأمريكية    وزير الاتصالات: توفير التدريب لذوي الاضطرابات العصبية ودمجهم في بيئة العمل بقطاع التكنولوجيا    54 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    الاتصالات: شركة عالمية تدرب ذوى الاضطرابات العصبية على التخصصات التكنولوجية    الخارجية السورية تندد بالقصف الإسرائيلي على بيت جن وتعتبره «جريمة حرب»    الأمم المتحدة تدعو للتحقيق في قتل القوات الإسرائيلية فلسطينيَين رغم استسلامهما    محافظ شمال سيناء من معبر رفح: جاهزون للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    محاضرة فنية من عبد الرؤوف للاعبي الزمالك استعدادًا لكايزر تشيفز    تراجع ريال مدريد عن تكرار سيناريو صفقة أرنولد مع كوناتي    ضبط 1298 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    حريق ديكور تصوير مسلسل باستوديو مصر في المريوطية    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    مصرع وإصابة 3 أشخاص إثر سقوط سيارة داخل حفرة بحدائق الأهرام    تعاطى وترويج على السوشيال.. القبض على حائزي المخدرات في الإسماعيلية    تامر حسنى: بعدّى بأيام صعبة وبفضل الله بتحسن ولا صحة لوجود خطأ طبى    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يحتفى بالفائزين بمسابقة عصام السيد للعمل الأول    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات    كورونا أم أنفلونزا.. مسئول المصل واللقاح يكشف ترتيب انتشار العدوى التنفسية |فيديو    تحويل طبيب للشئون القانونية لتغيبه عن العمل بوحدة صحية فى قنا    بعد وفاة فتاة في المغرب.. باحث يكشف خطورة «غاز الضحك»    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة دهس سيدة لطفلة بسبب خلاف مع نجلها بالشروق    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    أحمد الشناوي: مواجهة بيرامديز ل باور ديناموز لن تكون سهلة    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    "من الفرح إلى الفاجعة".. شاب يُنهي حياة زوجته بسلاح أبيض قبل الزفاف في سوهاج    جنوب الوادي.. "جامعة الأهلية" تشارك بالمؤتمر الرابع لإدارة الصيدلة بقنا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيا ويصيب طفلة جنوبي غزة    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    الشرع يدعو السوريين للنزول إلى الشوارع في ذكرى انطلاق معركة ردع العدوان    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    ستاد المحور: عبد الحفيظ يبلغ ديانج بموعد اجتماع التجديد بعد مباراة الجيش الملكي    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    بيونجيانج تنتقد المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية وتصفها بالتهديد للاستقرار    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما والإرهاب وانفصال جنوب السودان
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 09 - 2010

من الممكن إحصاء عدد الزيارات التي قام بها سكوت جرايشن المبعوث الأمريكي للسودان إلي إقليم دارفور‏,‏ لكن من الصعوبة معرفة عدد جولاته إلي جنوب السودان‏.‏ فقد شد الرجل رحاله إلي الأخير كلما وطأت أقدامه أرض السودان‏.‏ وغاب كثيرا عن الإقليم الأول خلال الأشهر الماضية‏,‏ مع أن تكليفه بمهمته قبل نحو عامين تزامن مع اهتمام دولي وأمريكي صارخ‏,‏ من أجل البحث عن تسوية عاجلة في دارفور‏.‏
في حين كانت تسوية الجنوب واقعة فعلا وبصورة رضائية‏.‏ والأولي أن يبذل جرايشن جهدا مضاعفا للوصول إلي النتيجة ذاتها في الغرب‏,‏ لوقف النزيف الانساني‏,‏ الذي انتفض بسببه العالم‏,‏ وكال الاتهامات إلي رأس النظام السوداني‏,‏ بزعم ارتكابه جرائم حرب‏,‏ أضيفت إليها لاحقا تهمة الإبادة الجماعية‏.‏ وما حصل أن جرايشن ومعظم طاقم الإدارة الأمريكية تجاهلوا ما يجري في دارفور وركزوا التصورات والترتيبات والتصرفات علي الجنوب‏,‏ باعتباره ثمرة اقترب وقت قطافها أو جائزة حان تسلمها‏.‏ سيؤدي التأخير في القطف أو التتويج إلي نتائج سلبية خطيرة‏.‏
أفضت هذه الرؤية التي تحكمت في كثير من التحركات الأمريكية إلي غض الطرف عن مجموعة من الممارسات‏,‏ تتنافي مع المعايير الدولية التي تتشدق بها الولايات المتحدة في مجالي الديمقراطية وحقوق الانسان‏.‏ فواشنطن باركت انتخابات إبريل الماضي ولم تلتفت إلي ما شابها من تجاوزات مختلفة وعيوب متعددة‏,‏ لأنها كانت تري فيها خطوة أساسية لاستكمال الطريق الذي رسمه اتفاق نيفاشا والذي يصل بالجنوب إلي إجراء استفتاء علي تقرير المصير‏.‏ وحتي المعارضة التي تحرص واشنطن علي الحوار معها في عرض الدنيا وطولها وتطرب لنباحها وصراخها لم يكن لها نصيب في السودان‏.‏ وضربت الولايات المتحدة عرض الحائط بالملاحظات والنداءات التي قدمها قادة وأحزاب سودانيون‏.‏ وسدت الآذان لعدم سماع صوتهم في منظمات ما يوصف برعاية الديمقراطية في عدد من الدول الغربية‏.‏
الأخطر أن سياسة الجزرة الأمريكية تقدمت كثيرا علي العصا‏.‏ وبدت توجهات الرئيس باراك أوباما التي احتضنت الأداتين قاصرة علي التلويح بالحوافز والتلميح بالإغراءات‏.‏ وعجزت عن استخدام العصا أو حتي إشهارها صراحة‏.‏ الأمر الذي فهمته الخرطوم جيدا وحاولت الاستفادة منه‏,‏ تارة لتعظيم المكاسب وأخري سعيا وراء تخفيف الخسائر‏.‏ واضطرت واشنطن مؤخرا إلي تقديم مقترحات اقتصادية مفيدة لحزب المؤتمر الوطني في مرحلة ما بعد الاستفتاء‏.‏ وخاض جرايشن‏,‏ مدعوما من الرئيس أوباما معركة خفية ضد سوزان رايس المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة‏,‏ لجعل الجزرة متقدمة خطوات عن العصا‏.‏ ونجح في كسب المباراة بفارق كبير من النقاط السياسية‏,‏ لأن التصعيد في هذه اللحظة الحرجة قد يقلب الطاولة علي كثير من الترتيبات الأمريكية في السودان ومحيطه الجغرافي‏.‏ في حين يضمن الاستمرار في تغليب سياسة الجزرة مرور الفترة المتبقية علي استفتاء تقرير المصير بسلام وحدوث الانفصال بصورة وفاقية‏,‏ وهو ما يغير وجه السودان رضائيا ويعيد تشكيل خريطته جغرافيا وسياسيا‏,‏ بما يفيد المصالح الاستراتيجية المتشابكة للولايات المتحدة في المنطقة‏.‏
الحاصل أن الرئيس أوباما ومهندس سياسته مع السودان سكوت جرايشن‏,‏ متأكدان أن الانفصال واقع لا محالة‏,‏ فقد أصبح هذا الطريق هو الخيار الوحيد لدي غالبية الجنوبيين‏.‏ وانخفض أو اختفي صوت الوحدويين‏.‏ وبدأت المسيرات والمظاهرات المؤيدة له عنوانا لجوبا في المرحلة الراهنة‏.‏ بالتالي من الواجب علي واشنطن إزالة الحواجز أو تجاوز العراقيل السياسية والأمنية والاقتصادية والجغرافية وغيرها‏,‏ التي تقف عائقا أمام الانفصال‏,‏ بذريعة الانتصار للسلام والعدالة والمساواة‏.‏ وهي شعارات يصعب إنجازها بالأدوات التصعيدية التقليدية‏.‏ لذلك كانت مصطلحات الليونة والمرونة والمهادنة والتنازلات المتبادلة من أفضل الوسائل التي تؤدي إلي الخروج بهذا الهدف إلي بر الأمان‏.‏ وأشد ما تخشاه واشنطن أن تخرج الخلافات المتكررة بين شريكي الحكم‏,‏ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية‏,‏ عن نطاق السيطرة وتنتقل من المسار السياسي الواضح إلي مسار أمني مجهول‏,‏ يجعل الانفصال عنوة خطأ استراتيجيا من الضروري عدم الوقوع فيه‏,‏ لأن عدواه من السهل أن تنتقل إلي خارج حدود السودان‏,‏ بما يخلط الكثير من الأوراق في المنطقة‏.‏ من هنا تبدو الليونة مع الخرطوم مسألة مهمة‏,‏ علي الأقل لتخفيف هواجس الأصدقاء والحلفاء من مخاطر الانفصال‏.‏
نجح الرئيس أوباما من خلال مؤتمر نيويورك الخاص بالسودان يوم الجمعة الماضي في أن يرسل إشارة قوية‏,‏ مفادها أن العالم ملتزم بضمان إجراء الاستفتاء في موعده‏.‏ وكانت النبرة الهادئة والحرص علي تقديم المساعدات اللازمة أمرين ظاهرين في المؤتمر‏,‏ لتحفيز شريكي الحكم في السودان علي تجاوز القضايا الخلافية وعدم تعطيل الاستفتاء‏,‏ الذي سيحقق اتمامه في هدوء حلم أوباما في تقديم نموذج للتسوية السياسية المليئة بالملفات الشائكة‏.‏ وإذا كان الرئيس السابق جورج بوش رعي اتفاق نيفاشا‏,‏ فإن الأخير سيحسب له أجر التنفيذ‏.‏ وبذلك يكسب أوباما مرتين‏.‏ مرة علي المستوي الداخلي‏,‏ حيث يحظي استفتاء جنوب السودان بدعم ما يسمي بالنواب السود وغيرهم في الكونجرس وتأييد كثير من المنظمات الانسانية والكنسية التي تبذل جهودا مضنية لاعلان دولة جنوب السودان‏.‏ ومرة ثانية علي المستوي الخارجي‏,‏ لأن إنجاز الاستفتاء ووقوع الانفصال بصورة سلمية‏,‏ يقود إلي مباركة أطراف إقليمية ودولية‏,‏ كانت رافضة أو متحفظة علي هذه الخطوة وتخشي من عواقبها الافريقية‏.‏ وفي النهاية يبعث الاستفتاء بإشارة تفاؤل تؤكد قدرة أوباما علي تطبيق منهج التسوية السياسية في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان‏.‏
والعكس صحيح‏,‏ بمعني أن فشل إجراء الاستفتاء سيؤدي إلي سقوط هذا المنهج‏.‏ والعودة إلي مربع الحرب الأهلية بشكل أكثر شراسة‏,‏ في ظل تراكم الأسلحة الحديثة في مخازن كل طرف وزيادة الرواج في تجارة الميليشيات والمرتزقة في السودان‏.‏ والأخطر أن يتحول الجنوب إلي بؤرة جذابة للعناصر المتطرفة‏,‏ التي تتغذي علي شيوع الانفلات‏.‏ وإذا كانت الولايات المتحدة تخشي نتائج التدخل المباشر في الصومال‏,‏ فإن امتداد قوس الأزمات الحادة من هناك وحتي السودان‏,‏ يعني فوضي غير بناءة بالمرة‏,‏ يمكن أن تنتشر ملامحها بسهولة في عدد كبير من الدول الافريقية‏,‏ وتضر بكثير من المصالح الأمريكية‏.‏ وربما تنتقل تأثيراتها إلي الأسواق العالمية‏.‏ ليس فقط لما سيتعرض له إنتاج النفط الحالي والواعد في السودان من مشاكل‏,‏ لكن أيضا لأن السوق الافريقية أصبحت رهانا صاعدا في أجندة بعض القوي الدولية‏.‏ وبدلا من أن يمضي أوباما في طريق التسويات السياسية‏,‏ يواجه حزمة من المشكلات الأمنية‏.‏
تكشف المعطيات السابقة عن نتيجتين أساسيتين‏.‏ الأولي‏,‏ غلبة تيار دعم الانفصال‏,‏ محليا ودوليا‏,‏ كأمر واقع‏.‏ وتعتقد بعض الدوائر الاقليمية أن كبح جماح هذا الخيار بالوحدة الجذابة لا يحتاج إلي توجهات فردية تشجب وتدين وتضغط‏,‏ لكنه بحاجة إلي إجراءات جماعية متعاونة ومتماسكة‏.‏ والنتيجة الثانية‏,‏ قيام الدول المعنية بهموم وشجون السودان بإعطاء أولوية للدفاع عن مصالحها الحيوية‏,‏ من خلال تصورات واقعية والابتعاد عن المناطحات السياسية‏,‏ أملا في تحجيم الخسائر المستقبلية‏.‏

المزيد من مقالات محمد ابوالفضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.