كنا مجموعة من الاصدقاء الصحفيين في ساعة راحة من العمل الشاق, ورحنا نتحدث عن العالم وما يحدث فيه, ودون سابق انذار وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع ذكري11 سبتمبر الإرهابية علي واشنطنونيويورك. وشب صراع محتدم عن ذلك الحدث البربري الذي راح ضحيته ثلاثة آلاف انسان بريء في دقائق قليلة, غير ساعات الرعب التي عاشها سكان مدينة نيويورك.. وفجأة سألني صديق متحمس هل تظن مثل اغلب المسلمين ان ثمة مؤامرة وراء هذه الهجمات الإرهابية؟! قلت بطريقة حاسمة بالقطع.. أجاب بسخرية: إياك أن تبريء بن لادن وجماعته وال19 مسلما الذين ارتكبوا الجريمة, هذه سفسطة وكلام فارغ. قلت: نظرية المؤامرة لاتلتصق فقط بالعرب أو المسلمين, وقد يكونون مجرد مروجين لها دون اي حقوق ملكية فكرية, فعدد غير قليل من الأمريكيين يؤمنون بفكرة المؤامرة لأحداث11 سبتمبر, ولايقبلون حتي الآن التفسير الرسمي الصادر من البيت الأبيض واجهزة المعلومات الأمريكية؟! ليس هذا فحسب, فهم يتجاوزون مجرد التفسير إلي الاتهام بان ماحدث من انهيار مركز التجارة العالمي في نيويورك أو حريق مبني البنتاجون في واشنطن أو سقوط رحلة الطائرة رقم93 في ولاية بنسلفانيا هو طبخة داخلية, بيرل هاربور جديدة كانت النخبة الحاكمة في حاجة إليها وعملت علي إنضاجها, كذريعة هائلة تشن بها حروبها المخططة من أجل سيادة امريكية منفردة علي القرن الحادي العشرين. فرد: كلام مدهش اقرب إلي التخاريف والأوهام, ومحاولة فاشلة لابراء ذمة المسلمين من إزهاق ارواح أكثر من ثلاثة آلاف انسان بريء بدم بارد في ابشع جريمة انتحارية راها اكثر من مليار نسمة ساعة ارتكابها بأم اعينهم, هل يعقل ان نصدق ان حكومة ما حتي لو كانت حكومة دراكولا مصاص الدماء يمكن ان تفعل في شعبها كل هذا القتل العمد دون رحمة من أجل اهداف سياسية طويلة الأمد؟!هل يمكن إخفاء حقيقة مخيفة مثل تلك الحقيقة في عالم اهم ملامحه انه عالم المعلومات والمعرفة؟! ألا توجد مخابرات في العالم غير المخابرات الأمريكية تستطيع ان تكشف هذه المؤامرة علي الملأ وتفضح فاعليها الاصليين..فلماذا لاذوا جميعا بالصمت ولم ينطقوا بحرف؟! قلت: فعلا هي اسئلة مهمة وكاشفة وخبيثة جدا.. لكن لاتصمد كثيرا حول وقائع كتب عنها الذين ينسجون نظرية المؤامرة الأمريكية خيطا خيطا ويصنعون منها مقالات ومحاضرات وكتبا وأفلاما تسجيلية علي اسطوانات كمبيوتر ومواقع علي الإنترنت. سأل: مثل من؟ قلت: الكاتب كيفن باريت, في كتابه المهم الجهاد في سبيل الحقيقة: نضالي من أجل كشف اكذوبة11 سبتمبر. سأل: وماذا يقول؟ أجبت: نظرية المؤامرة عند كيفن باريت حامت في عقله من أول لحظة سمع فيها خبر الطائرات المصطدمة بالبرجين ومبني البنتاجون, لانه لم يصدق ان19 عربيا مسلما قادمين من بلاد شبه متخلفة هم الذين هزوا اركان الامبراطورية بعملية تبدو مثالية جدا في التدبير والتنفيذ والمفاجأة, واعلنوا, بها حربا, خاصة علي اقوي جيوش الدنيا, هل يوجد قتلة وسفاحون يمكن ان يتركوا وراءهم كل تلك القرائن التي قدمتها السلطات الأمريكية؟! هل يعقل ان تكون القرائن محبوكة إلي هذه الدرجة كما لو انها مصنوعة بحرفية ومهارة وملقاة في مسرح الجريمة عمدا, فمثلا جواز سفر محمد عطا, أو كما يسميه كيفن باريت جواز السفر السحري كيف خرج من نيران اصطدام الطائرة بالبرج سليما؟! كيف طار الجواز أو طفا علي بحيرة النار والدمار حتي وصل إلي الرصيف دون ان يمسه سوء, فتكتشفه السلطات كدليل. اما حكاية حقيبة ملابس محمد عطا المسحورة ايضا فهي الاغرب, لانها كانت مليئة بالادلة, مثل المحاكاة الساخرة لوصيته الإسلامية الأخيرة, بالطبع لايوجد مكان يحتفظ الشخص بوصيته فيه افضل من حقيبة ملابسه علي متن طائرة من المفترض انها ستصدم بالمبني ويحترق كل ما فيها, وهذه الحقيبة بالادلة تتخلف, بمعجزة ولم توضع بالطائرة المنتحرة, وذلك كي تكتشفها السلطات وتلوح بها ومعها جواز السفر امام اعين العالم كبرهان علي ان المتطرفين المسلمين هم من قاموا بالهجمات! ليس ثمة من شك في وجود فيض من القرائن التي تورط هؤلاء الشبان التسعة عشر في الجريمة. وما آثار الشك أكثر في قلب كيفن باريت ان الادارة الأمريكية صورت الحادث علي انه فعل حرب لاجريمة, وفعل الحرب له رد فعل تعبوي بالحرب, اما الجريمة فهي تستوجب التحقيق والقبض علي الفاعلين ومعاقبتهم.. وكانت الادارة من أول لحظة تسعي إلي الحرب لامعرفة الحقيقة.. فصنعت مع الاعلام هيستيريا مخيفة.. بالرغم من الثقوب الكثيرة في القصة الرسمية. عامان كاملان من البحث والتحريات والتنقيب والمقابلات امضاهما كيفن باريت حتي ادرك ان ماحدث كان طبخة داخلية وراح يكتب ويذيع ويتحدث. ثم تحدي ان تظهر صورة واحدة تبين اصطدام اي طائرة بمبني البنتاجون وبه84 كاميرا, أو تجيب السلطات الأمريكية عن سؤال بسيط: لماذا انهار المبني رقم7 من مركز التجارة العالمي والمكون من47 طابقا ولم تصطدم به اي طائرة, ويتحول إلي كومة من الانقاض في ست ثوان ونصف الثانية؟! وقبل ان انهي كلامي قال محدثي كفاية بقي نظرية مؤامرة؟! ضحكت وقلت: عندك حق.. لانها لم تكن محبوكة هذه المرة بدرجة كافية! المزيد من مقالات نبيل عمر