التعاون مع مصر يجب أن يكون كبيرا, صاحبة المقولة البليغة هي, السيدة سادوكو أوجاتا, الوجه الياباني المعروف علي الساحة الدولية. حيث سبق لها تولي رئاسة المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، وترأس حاليا هيئة التعاون الدولي اليابانية الجايكا, وحينما يصدر عنها مثل هذا التصريح فانه يحمل دلالات ومعاني كثيرة تلخص في جزء منها ما طرأ علي العلاقات المصرية اليابانية من تحولات وتغييرات ستبدل شكلها التقليدي المعهود. فالعلاقة بين مصر واليابان ظلت تدور في فلك أحادي الجانب في الأغلب الأعم, حيث تدفع طوكيو إلينا بكم معلوم من الصادرات ومساعدات التنمية, وفي المقابل تصدر القاهرة منتجات قليلة لليابان مع مواصلة محاولاتها الدءوبة للحصول علي جزء من كعكة الاستثمارات اليابانية في العالم, وكان التوفيق حليفا للبلدين باتفاقهما علي تنفيذ سلسلة من المشروعات الاقتصادية والثقافية المهمة. ورغم هذا فقد بقيت العلاقات المصرية اليابانية محاصرة بالنمطية والتقليدية المشار إليها, وبرزت حاجة واقعية للبحث عن أشكال غير تقليدية لإحداث توازن مطلوب في معادلة العلاقة بين الطرفين. فأحوال مصر الاقتصادية ومناخها الاستثماري تغيرت للأفضل بتطبيقها سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي, ولم يعد شاغلها الشاغل اقتناص معونات ومساعدات بقدر ما كان يهمها إقامة علاقات اقتصادية صحية لتبادل المنافع, وان تحسن مكانتها علي خريطة الاقتصاد العالمي. اليابان بدورها بدأت جهودا نشطة للاضطلاع بدور سياسي دولي تتسع رقعته ومداه بمرور الوقت, ومن ثم فإنها تسارع عقارب الساعة لكي تغير من اطر علاقاتها الدولية لخدمة هذا الهدف, وإقناع المواطن الياباني بان هذه العلاقات سيكون لها مردودها الايجابي علي البلاد في مناح شتي. هذه العناصر وغيرها كانت في ذهني وأنا في طريقي للقاء نوريهيرو أوكودا سفير اليابان الجديد لدي القاهرة, الذي سبق له العمل بمصر قبل30 عاما, وآخر منصب شغله قبل مجيئه كان في البعثة اليابانية بمقر الأممالمتحدة في نيويورك. وشغلني من اللحظة الأولي الوقوف علي رؤيته المستقبلية لتعزيز العلاقات الثنائية بصورة وأنماط غير تقليدية, وما كدت انهي سؤالي حتي بادرني بقوله: التفاعل المتبادل سيكون هو الأساس المتين لتحقيق هذه الغاية, ثم شرح باستفاضة أوكودا أنه من المؤيدين للدبلوماسية الشعبية بمعني أن يشعر الشعبان الياباني والمصري بأنه بالإمكان جني فوائد ومصالح متبادلة جمة, إذا ما سارت علاقاتهما علي الطريق من اتجاهين, خصوصا علي المستوي الاقتصادي. وللتدليل علي صحة ما ذهب إليه ذكر السفير الياباني الجديد أنه أمضي عدة أسابيع في طوكيو يستعد لمهمته في القاهرة, وفوجئ بعدد كبير من رجال الأعمال اليابانيين يطلبون مقابلته لاطلاعه علي حجم استثماراتهم ومشاريعهم المنفذة في مصر, معتبرا أن ذلك علامة صحية علي أن القطاع الخاص الياباني بدأ يستوعب ويدرك أن التفاعل بين مصر واليابان سيكون له عائده الايجابي علي الجميع, معتبرا أن تلك ظاهرة جديدة, خاصة ان الشعب الياباني ظل لفترة طويلة يعتقد بان مسار العلاقة في اتجاه واحد, وانتهز الفرصة بتوجيه دعوة للمسئولين في القطاع الخاص المصري بتعظيم الاستفادة من الظروف المستجدة في العلاقات المصرية اليابانية. ويؤمن أوكودا بان وضع مصر كقوة سياسية مهمة في الشرق الأوسط يزيد من أهمية دعم اليابان لها لتمكينها من متابعة دورها المحوري للحفاظ علي استقرار المنطقة المكتظة بأزمات ومشكلات خطيرة قابلة للانفجار في اي لحظة, فضلا عن ثقلها الحضاري والثقافي والذي يجعل الحكومة اليابانية مهتمة دائما بالتعاون ثقافيا معها. انطلاقا من هذه الحقيقة فان طوكيو حريصة علي تدعيم جهود التنمية المصرية, لاسيما ما يتعلق منها بالقدرات والمهارات البشرية, ويقول أوكودا: حينما كنت اعمل في القاهرة قبل30 عاما كان عدد سكانها40 مليون نسمة وقفز حاليا إلي أزيد من80 مليونا وتشير البيانات والإحصاءات المتوفرة إلي أن متوسط الزيادة السكانية في مصر تبلغ2% سنويا, وبالتالي فإنها تستقبل مليون ونصف مليونا نسمة مع مطلع كل عام جديد. وأضاف أن هذه الأعداد الغفيرة من الأجيال الشابة يلزمها نيل مستوي جيد من التعليم لحين تخرجهم في الجامعة, وان يحظوا بتدريب يؤهلهم دخول سوق العمل, وان تلك من المجالات المنتظر أن تزيد اليابان من نشاطها فيه خلال الأعوام المقبلة. وضرب السفير الياباني مثالا علي هذا التوجه بتدشين العمل بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا في يونيو الماضي, إذ إن هذه الجامعة لن تكون فقط جسرا لنقل التكنولوجيا الحديثة للدارسين المصريين, لكنها ستصبح نافذة مهمة لجسور أعمق وأوثق مع الجامعات اليابانية التي تنقب عن كوادر علمية يمكن العمل معها, وذاك أمر سيصب في مصلحة الطرفين المصري والياباني, وشدد علي حتمية تبادل حركة الأشخاص والتكنولوجيا ورأس المال والمعرفة بين الجانبين, أو في قول آخر ألا تصبح اليابان وحدها المصدر لها. الكلام عن التعاون العلمي وجامعة التكنولوجيا اليابانية المصرية حتم طرح تساؤل أحسبه جوهريا في ظروفنا الراهنة هو, كيف تستفيد مصر الساعية لتنشيط برنامجها النووي بعد كمون طويل من التجربة اليابانية الرائدة في الاستغلال السلمي للطاقة النووية؟ جواب السيد اوكودا لم تنقصه الصراحة والمباشرة, لأنه أكد فيه انه من الطبيعي لمصر التفكير والاهتمام بتطوير برنامج نووي سلمي, حتي تلبي الطلبات المتزايدة لسكانها من الطاقة الكهربائية, مشيرا إلي ما عاناه المصريون جراء انقطاع الكهرباء, بسبب ارتفاع درجات الحرارة في أغسطس الماضي. بعدها أوضح أن اليابان تفتقر للموارد الطبيعية, بناء عليه كان محتما عليها البحث عن مصدر تحصل بواسطته علي حاجتها من الكهرباء وعثرت علي ضالتها في الطاقة النووية, رغم أنها البلد الوحيد في عالمنا المعاصر الذي لمس وقاسي عمليا من ويلات وآثام القنبلة النووية. وقال: عندما بدأت طوكيو مشوارها الصعب علي الدرب النووي قررت وضع قيود ومحاذير ثلاثة هي, عدم السماح بإنتاج أو نقل أو تخزين أسلحة نووية, وحددت غرضها ومبتغاها في الاقتصار علي الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مع إخضاع منشآتها النووية للإشراف الدولي. وفي اعتقاده ان اولي خطوات استفادة مصر من التجربة النووية اليابانية تقتضي الالتزام والتقيد بالمعايير الدولية المتمثلة في خضوع منشآتها النووية للإشرف الدولي, بغية عدم الاخلال بالنظام العالمي للحد من الانتشار النووي والذي تعد اليابان من أكثر الدول تحمسا له. ويضيف أوكودا أن الجوانب المفترض أن تشغل بال الجانب المصري خلال الفترة القادمة يتصدرها التكنولوجيا النووية وتوفير التمويل المطلوب, وهنا فانه يري أنه بمقدور القطاع الخاص الياباني المساهمة في تزويد مصر بالتكنولوجيا, مؤكدا أن السفارة اليابانيةبالقاهرة علي اتم استعداد لتقديم العون للشركات اليابانية الساعية للمشاركة في خطوات تطبيق البرنامج النووي المصري المخصص للأغراض السلمية. ولم يكن من الجائز انهاء الحوار مع السفير الياباني الجديد بدون التطرق لأمرين يتصلان بمستقبل اليابان كقوة اقتصادية في ظل المنافسة الشديدة مع التنين الصيني الصاعدة أسهمه بسرعة الصاروخ, وأمنها القومي المهدد من قبل الجارة كوريا الشمالية, بسبب قدراتها العسكرية غير التقليدية وأخطرها علي الاطلاق الأسلحة النووية. الاجابات كانت متزنة, لأن أوكود أكد أن الغرض الأساسي للعلاقات اليابانية الصينية هو المحافظة علي استقرار وأمن آسيا, وأن تعزيز أواصر علاقتهما يخدم هذا الغرض, بالإضافة إلي أن مصلحة اليابان تستلزم استمرار التنمية الاقتصادية في الصين, أيضا فإن صالح الصين يقضي بتمتع الشرق الأقصي بالهدوء والاستقرار, وخلص إلي أهمية التعامل مع بكين باعتبارها صديقا, وأن طوكيو سعيدة بمستوي علاقتها مع الصين. وأضاف أن بلاده تنظر باهتمام للتطوير والتحديث المستمر الذي تجريه السلطات الصينية علي قدرات بكين البحرية, مطالبا إياها بزيادة قدر الشفافية فيما يتعلق باتفاقها العسكري الذي زاد في الآونة الأخيرة,. بالنسبة لكوريا الشمالية فقد أوضح أوكودا أن طوكيو متمسكة بالبيان الصادر في سبتمبر2003 وأبدت فيه استعدادها للتوصل لحل ينهي مشكلة المواطنين اليابانيين الذين اختطفهم عملاء كوريون شماليون خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين, وتطبيع العلاقات الثنائية رغم الماضي غير السعيد بين البلدان. وأكد أن بلاده ستتابع اتصالاتها مع البدان الصديقة حتي تنفذ بيونج يانج قرارات مجلس الأمن المتصلة ببرنامجها النووي وأنشطتها الصاروخية, ودعا لممارسة مزيد من الضغط علي الشطر الشمالي من شبة الجزيزة الكورية للكشف عن مصير اليابانيين المختطفين وابلاغ طوكيو بمعلومات تفيد ما حدث لهم وإن كانوا ما زالوا علي قيد الحياة.