بعد أن كان نجما ومحركا حقيقيا للأمور داخل الإدارة الأمريكية, أصبح الآن مريضا متقاعدا, لا تقوي قدماه علي حمله, ولم يعد له نشاط سياسي يذكر لأن ظروفه الصحية لم تعد تسمح له بذلك, ولا تاريخه السياسي أيضا, إذ يلقي الأمريكيون عليه باللوم في إقحام بلادهم في حروب لا حاجة لهم بها مما أضر بسمعة بلادهم دوليا وباقتصادها, دون أن يتحقق لهم الأمن الذي ينشدونه أيضا لقد كان رجل الجيش المحنك ديك تشيني ووزير الدفاع الأسبق زعيما لجناح الصقور المتشدد في الإدارة الجمهورية المحافظة بقيادة جورج بوش الابن, والذي يعد المسئول الأكثر تحمسا لفكرة شن حرب واسعة ضد العالم الإسلامي عقب هجمات11 سبتمبر2001, فكانت الحرب في أفغانستان التي تحولت فيما بعد إلي مستنقع للقوات الأمريكية, وبعدها جاءت حرب العراق التي انتهت فعليا بمشهد الحذاء العراقي الذي رشق الرئيس بوش في بغداد, والمثير أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كشف النقاب مؤخرا عن أن تشيني كان يعتزم توسيع نطاق الحرب ضد الإرهاب وفقا للمفهوم الأمريكي لتشمل دولا أخري من بينها سوريا وإيران والأذرع التي تدعمها الدولتان الأخيرتان مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة, وهو ما يعني بالضرورة أن إسرائيل ستكون طرفا في مثل هذه الحرب ولكن الورطة التي دخلها الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق ساعدت علي فرملة خطط تشيني الكارثية التي كانت تعني حربا عالمية ثالثة نووية علي الأرجح وكانت الولاياتالمتحدة هي التي ستدفع الثمن الأكثر فيها, فإذا كان تشيني يعتبرها فرصة لإحداث التغيير الشامل في العالم, فإنه نسي أو تجاهل أنها ستكون حربا متعددة الجبهات لا تقوي عليها بلاده بمفردها, وقد كشفت السنوات الماضية كيف أن الجيش الأمريكي وجد الأمر صعبا لخوض حربين في العراق وأفغانستان في آن واحد, فما الحال إذا ما اتسع نطاق هذه الحرب الغبية لتشمل منطقة الشرق الأوسط كلها. وإذا حاولنا مجاملة هذا الرجل بعيدا عن تحميله مسئولية الحروب, فإن ريتشارد بروس تشيني الشهير بديك تشيني والبالغ من العمر الآن70 عاما كان مجرد رجل عسكري سابق أراد من جراء هذه الحروب خدمة مصالحه الخاصة بحكم رئاسته السابقة لمجموعة شركات هاليبرتن للخدمات البترولية التي التهمت الجزء الأكبر من كعكة البترول العراقي لقد كانت هجمات سبتمبر بالنسبة لتشيني فرصة للصعود علي أكتاف الأمريكيين لتحقيق أحلامه العسكرية التوسعية أو مصالحه الشخصية أيهما أقرب مستغلا في ذلك ثقة بوش المطلقة في قدراته وآرائه, وقد دفع الاثنان الثمن غاليا لهذه العلاقة المتبادلة, ودفع العالم ثمنا أكبر؟!