لأنه رمز البلاد خرج عبد الله جول معبرا عن أسفه لتدني لغة الخطاب والحوار بين قادة الأحزاب السياسية ولم يستثن أحدا في إشارة إلي أن العدالة الحاكم أنزلق في مستنقع الألفاظ الجارحة, وكان عليه أن يكون نموذجا كونه صاحب الأغلبية بالبرلمان داعيا الجميع إلي توخي الحذر حرصا علي البلاد والعباد, لكن نصيحة الرئيس ودعوته ذهبت ادراج الرياح إذ زاد التناحر ومعه التراشق خصوصا وأن ساعة الصفر تقترب ومعها يبدأ تصويت الجماهير يوم الأحد المقبل إما بنعم أو لا علي التعديلات الدستورية والتي تبناها وروج لها العدالة والتنمية. المثير أنه رغم أن المحكمة الدستورية أفرغت التعديلات عمليا من محتواها وذلك بالغائها فقرات جوهرية والذي عول عليها بولنت إرينتش الركن المتين في الحكم من أجل اكتمال الهيمنة علي مفاصل الجمهورية الكمالية إلا أن الحكومة تجاوزت الطعنة عازمة علي المضي قدما إلي طريق الاستفتاء وهي علي ثقة أن جمهورها سيرد ردا مزلزلا علي' القضاة الدستوريين السبعة المسيسين' وجاب زعيمها أركان الاناضول الاربعة لا لنيل اصوات هو موقن أنها في جيبه وإنما ليكشف للبسطاء أقنعة من يناصبون النور( شعار الحزب) العداء. لكن يبدو أن ما كان يتخيله اردوغان سهلا سلسا ظهر أمامه أنه الصعوبة نفسها والطريق ليس مفروشا أبدا بالورود, بل عليه بذل الجهد الهائل, ومع هذا الأخير لابد من اشياء واشياء بدت في مجملها عكس أسم الحزب فالمساحة في الميديا المرئية اتسعت بحكم النفوذ والسطوة ووسائل الاغراء باعفاء هنا وهناك, والقائمون علي تلك القنوات كان عليهم التحلي بروح برجماتية صرفة والاستفادة من حجم الاعلاتات الذي بدا كالسيل, أما التليفزيون الذي تشرف عليه الدولة فبات في أغلبه متحدثا باسم الحكومة وحزبها والصحف الكبري المصنفة بأنها علمانية لا يمر يوم إلا وصفحاتها الاخيرة زيلت بالكامل( إعلانات مدفوعة) بكلمة واحدةEVET ذات الحروف الحمراء وعلي أرضية بيضاء ناصعة. ومع ذلك توجس منها اقطاب العدالة خيفة لكتابها المتمردين العلمانيين المتشددين هكذا قال أحدهم علي أية حال هناك الصحف المقربة منهم وفي مقدمتها زمان اليومية القشيبة بألوانها وبصفحاتها الغزيرة وموضوعاتها الواسعة, فالإعلانات ضنينة بحكم سياستها المحافظة, فلا مجال لوجه فاتن او شعر منساب علي راحته ولا صوت سوي صوت العدالة أما التمويل فأبوابه مفتوحة علي مصراعيه ويكفي دعم فتح الله جولين الشيخ الورع المقيم في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدةالامريكية. ودون أن يطلب منها تعد استطلاعات للرأي ثم تجلب متخصصين يفسرون النتائج بما يتناسب مع التطورات السياسية الحاصلة لحظة إجراء الاستطلاع, فمثلا وفي أحد هذه الاستطلاعات والذي جري خلال الثلث الاول من اغسطس الماضي اكدت نتائجه تقدم مؤيدوا التعديلات الدستورية مقابل تراجع مذل للمعارضين والسبب يعود للموقف الجسور الذي اتخذه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في اجتماع مجلس الشوري العسكري ومعارضته ترقية جنرالات تورطوا في خطة الانقلاب ضد حكومته وكان هذا يعني تكريسا للديمقراطية التي يتوق لها الشعب!! لكن سرعان ما تظهر قياسات آخري للرأي تدحض تلك المزاعم ويعود العدالة مجددا إلي زيادة الجهد النفيس, وها هم فاعلوه يختارون ضاحية إسنلر في اسطنبول ليقيموا بها مائدة إفطار هائلة سبعة ألاف طاولة, وقد وصفت بأنها الأكبر في العالم فبسببها اغلقت حركة المرور بالشارع الرئيسي وفروعه الممتدة لمساحة تقارب15 كم2 ولم يكن اختيار إسنلر صدفة ليس فقط لأن رئيس بلديتها من الحزب بل لانها مقصد القاصي والداني من كل بقعة بالبلاد, فعلي ارضها توجد محطة ركاب النقل البري بين الاقاليم والتي تعتبر الاضخم لا في تركيا فحسب بل في أوروبا كلها, وعندما سئل القائمون عليها من دفع الفاتورة جاء ردهم علي الفور أنهم أهل الخير وهؤلاء أنفسهم وحتي لا يتهموا بإنحيازهم للفقراء سيتطوعون بوليمة أخري وخمسين ألف علبة طعام كتب عليها نعم في بدروم الساحلية والمنتجع الاشهر كونه لايؤمه سوي علية القوم ورموز المجتمع الارستقراطي التركي. وبعيدا عن إغراءات الطعام وهدايا السلع المعمرة لا بأس من اللعب علي وتر كراهية الدولة العبرية فقد وجهت صحيفة يني شفق المقربة جدا من حزب العدالة والتنمية الحاكم نداء الي الشعب التركي لمقاطعة الكيانات التجارية العالمية التي تقدم الدعم لاسرائيل منها شركات للتليفون المحمول ونست الصحيفة الذي يعني اسمها الفجر الجديد أنه لا يوجد شارع إلا وبه فرع لهذه الشركة. من جانبهم رأي مراقبون سياسيون ان نداء الصحيفة شبه الحكومية والذي يأتي قبل موعد الاستفتاء الشعبي بأيام قليلة لا يعدو كونه مزايدة ومحاولة ساذجة للتأثير علي مشاعر العوام خاصة في ضوء التقارب الشديد بين المؤيدين والمعارضين للتعديلات الدستورية.