كان أبناء قرية العرب من المسلمين يقضون روحانيات الأيام الأخيرة من شهر رمضان داخل أقدم مساجد بورسعيد وهو( الجامع التوفيقي) والمسجد( العباسي) الذي افتتح حديثا حينذاك عام1905 م ويقضي البعض الآخر منهم أوقاتهم داخل الزاويات المنتشرة في قرية العرب التي عرفت عند أهالي بورسعيد القدامي( بالخلوة) يدعون بدوام أيام رمضان ذات الشفافية والصفاء والصفح والغفران.. وينتظرون غرة شوال ليستعدوا للاحتفال بقدوم عيد الفطر المعظم كما كان يحلو لهم آنذاك. ويحدثنا المؤرخ البورسعيدي ضياء الدين القاضي عضو لجنة التاريخ والتراث عن احتفالات أهالي بورسعيد بعيد الفطر أيام زمان منذ أكثر من مائة عام, فيقول إن أجدادنا كانوا يقيمون الزينات في أرجاء قرية العرب قبل غرة شوال بيوم واحد, حيث يقومون بإضاءة الأماكن المهمة فيها بفوانيس الجاز الكبيرة الملونة لعدم دخول الكهرباء بالقرية في ذلك الوقت, وتقام معها الأصونة علي ناصية الحارات. ويضيف المؤرخ البورسعيدي أن احتفالات الجهات الرسمية بالعيد كانت تبدأ بإرسال البحرية الخديوية البارجتين الحربيتين المصريتين سير جهاد ودنقلة اللتاين تقفان عند مدخل ميناء بورسعيد أمام رصيف ديليسبس وترفعان علي ظهرهما الأعلام الخديوية الحمراء ذات الهلال والنجمة البيضاء وكانت تعلق عليهما الزينات التي تضاء ليلا لتجعلهما متلألئتاين, وتقوم مدفعيتهما بإطلاق21 طلقة فور الإعلان الرسمي بموعد وقفة العيد والذي يتم به إخطار محافظة بورسعيد بالتهنئة بالعيد لأهالي المحافظة من المعية السنية مركز إدارة الخديوي عباس حلمي الثاني أو من محافظة مصر( محافظة العاصمة) فيستعد ضباط وجنود القطعتين البحريتين للاصطفاف بملابسهم الرسمية المزركشة أمام الميناء, أما شركة قنال السويس المهيمنة علي جميع أمور المدينة التي أطلق عليها أنها دولة داخل دولة فكان لها مشاركات خاصة لأهالي بورسعيد في احتفالاتهم بعيد الفطر, فكانت تقوم بتزيين مبني إدارة الشركة الثلاث قباب من الفسيفساء الشهير بالزينات الكهربائية, وتقوم بتزيين امتداد شارع الميناء وميدان ديليسبس ميدان المنشية حاليا وتقوم بإطلاق الألعاب النارية الصواريخ طوال أيام العيد. وكانت سيدات قرية العرب تعتبر عمليات صناعة الكعك مباراة بين بعضهن البعض.. فإذا سمعت إحداهن أن جارتها قامت بصنع عشرة صاجات من الكعك تتحداها وتقوم بصناعة خمسة عشر صاجا من الكعك في اليوم الثاني, وتزداد المنافسات والمضاربات بينهن لتصل في النهاية قيام أحدهن بصناعة خمسين صاجا من الكعك, وعلي الرغم أن كل شيء كان متوفرا ورخيصا إلا أن بعض السيدات كانت تلجأن إلي الاستدانة أو بيع جزء من مصاغهن في سبيل الفوز في مباراة الكعك. ويقول المؤرخ ضياء القاضي إن البلغتية أو الصرمتية كما كان يطلقون عليهم زمان.. يعتبرون العيد موسما مهما للغاية, وكان أجدادنا يقبلون عليهم لشراء البلغ والصرم المصنوعة من الجلد المتين ويبتعدون عن شراء الأحذية قليلا بسبب ارتفاع أثمانها, بالإضافة إلي أنها لم تكن عملية, ولم تكن تعتمد في لبسها علي أربطة الأحذية كما هو الحال اليوم, بل كانت تعتمد علي عدد من الابازيم قد تصل إلي أربعين إبزيما في كل فردة والإبزيم زر من الجلد يحتاج لآلة حديدية لإدخاله في عروة الحذاء, وكان برقبة طويلة لا يقدر علي شرائه إلا علية القوم. أهم معالم العيد أيام زمان حارة العيد وتقع جنوب بورسعيد بالقرب من الجبانات التي كانت منتشرة في نهاية شارع محمد علي عند وابور النور الحالي. وكان القرداتي من أهم معالم حارة العيد خصوصا للأطفال, كما كان يأتي السحرة والمشعوذون الذين يأتون من الهند علي ظهر البواخر لأداء ألعابهم التي تذهب بالعقول والأبدان, أما السودانيون فكانوا متخصصين في التمائم والأحجبة والحيوانات المحنطة في وسط المراجيح والساقية القلابة, أما راكبو الحمير أو الشحاذون فهي مهنة مورثة أساسها الالحاح الذي لا يعرف العيب.