إن إنتاجية العامل تعبير كثيرا ما تداولناه صغارا دون أن ندرك معناه الحقيقي وأثره الدافع علي المنظومة الصناعية من طرفي المعادلة الاقتصادية علي جانبيها الإيجابي وعكس ذلك السلبي. والتعريف الحرفي للإنتاجية بمفهومها الدراسي هو أنه إنتاج المؤسسة مقسوم علي عدد العاملين فيها, فيسمي ذلك بإنتاجية الفرد أو العامل, إلا أن الممارس الصناعي يتعرض لتفاصيل هذا التعريف بعمق أكبر فيتساءل: إنتاجية العامل لا يمكن النظر إليها دون النظر في أدوات الإنتاج ووسائله, وعما إذا كانت يدوية أم آلية؟ كيف ويتم تداول نقل الخامات والأدوات؟ وهل يتم ذلك فرديا أم إنتاج بالجملة؟ وماذا عن معيار الجودة وكيفية خصم الإنتاج المعيب من الإنتاج السليم, أيكون ذلك بالمعيار الكمي العددي أم بمقياس التكلفة وإهدار الوقت والخامات وأيضا تكلفة إهدار السمعة؟! نتوقف عند هذا الحد لنأخذ معيارا أشمل دون إسقاط إنتاجية المعامل من حساباتنا ألا وهو المعيار الاقتصادي الفني للمؤسسة, وهو بمعايير تأخذ به أغلبية المؤسسات الصناعية التي تتعامل بمعاير الإدارة الحديثة سريعة الوقع, فأداة أي مؤسسة لابد أن تراجع هذه المعايير ليس فقط سنوي ولا ربع سنوي وانما شهري حتي تستطيع أن تحسن من أداء المؤسسة, وذلك بتقريب المسافة بين الفعل ورد الفعل, أي الخطأ الذي يقع والإجراء التصحيحي لهذا الخطأ, وقد يخرج منه إجراء مانع لتكرار هذا الخطأ ما لزم ذلك. أما تلك المؤشرات الأساسية فتتنوع بين بعض أو كل مما يلي: الإنتاجية الكلية إنتاجية العامل عن الفترة ذاتها إنتاجية الجنيه/ أجر أو الجنيه/ دخل عن الفترة ذاتها الفائض المحقق الكلي( الأرباح) الفائض المحقق عن الفرد عدديا معدل دوران المخزون عن الفترة ذاتها معدل دوران رأسمال العامل عن الفترة ذاتها. ولما كان الهدف الأسمي لكل مؤسسة صناعية فإنما هو تعظيم العائد و الارتقاء بمستوي العامل, وذلك بزيادة دخله ورفع مستواه الفني وذلك داخل الإطار الذي لا يحدث فيه إسراف في التوظيف عددا أو المبالغة دخلا بما يصل بها خارج الحدود المأمونة. بمعني أن واجب المؤسسة الواعدة هو أن تحرص علي رأسمال العامل وتنميته وتزيد من مهاراته وتعلي من درجة رضائه المادي والمعنوي دون أن تغفل أن تمويل ذلك سيخرج من عباءة زيادة إنتاجية الفرد. فإذا كنا نعلم كمديرين وقادة للمنظومة الصناعية, كل داخل مؤسسته الصناعية أن طموحات العامل تحدو به أن يتوقع زيادة الدخل كل عام, وكانت الإدارة تعلم أنه في الحفاظ علي تلك العمالة عالية التدريب والتقنية ضمان لاستمرار نجاح المؤسسة وتثبيت لأقدامها في السوق ومدعاة لزيادة نصيبها التسويقي, فماذا هي فاعلة للحفاظ علي تلك العمالة دون الإخلال بمعادلة الاحتفاظ بعناصر التكلفة داخل حدودها المقبولة, ومن أين تأتي بالزيادة المستمرة في الدخل لتقابل طموحات العاملين... الإجابة عن ذلك تكمن في زيادة إنتاجية الفرد... وهذا لن يتأتي إلا باقتناء واستحداث وسائل إنتاجية حديثة تعطي إنتاجا كميا آليا يديره العامل الفني محور حديثنا هذا. علي سبيل المثال في مجال المناولة فإن أدوات المناولة الحديثة من روافع وأوناش وسيور ناقلة للحركة تحمل الإنتاج فيما قبل وبعد كل عملية إنتاجية هي من الأمور التي من شأنها رفع إنتاجية الفرد وتحجيم زيادة العمالة غير المطلوبة والتي قد توظف كعمال درجة ثانية أو ثالثة من شيالين وعتالين وعمال نقل ومناولة. أما من ناحية رفع القدرة الإنتاجية باستعمال درجة أعلي من الميكنة الأوتوماتيكية فهو الوجه الآخر من الصورة المثلي لزيادة الإنتاج وانتظام وقع العمل, ألا وهو تحويل المكابس إلي مكابس آلية والمخارط إلي مخارط آلية وتحويل عمليات اللحام إلي منظومة تحكمها مكونات مرحلية أو كاملة من روبوت اللحام الذي يستعمل درجة أعلي من الذكاء والتحكم الأصطناعي المأمون, في إطار هذا أو ذاك سيقتضي الأمر الرفع التدريجي من مهارات العمالة الفنية لتستطيع التحكم والتخطيط والبرمجة لهذه المعدات الحديثة, وبالتالي يصبح العامل الفني مع استكمال مهاراته مؤهلا ومستحقا لزيادة الدخل عاما بعد عام وتمويل ذلك من وعاء زيادة الإنتاجية للفرد. بقي أن نشير إلي أمر له ضرورته وهو يجب الا يغيب علي أحد منا أن المؤسسة الصناعية عليها أن تختار بين إستراتيجيتين أساسيتين: إما العمل اليدوي بإنتاجيته المحدودة وتدني أجره واختيار الطريق لزيادة الإنتاج بزيادة العمالة وتكرارية نفس الأدوات, مما ينتهي الإنتاج دون زيادة في الإنتاجية باعتبار ان زيادة عدد الأفراد تأكل الفارق من زيادة الإنتاج. أو تبني الإستراتيجية الأخري المتمثلة في الاقتناء التدريجي والمتواصل للتكنولوجيا ووسائل إنتاج أرقي في كل مرحلة بهدف زيادة الإنتاجية ورفع المستوي الفني للعاملين ليتمشي معها تدريجيا وبذلك ترتقي المؤسسة بمقياس الزيادة الإنتاجية والذي سيرفع مع كل مرحلة المؤشرات الأخري من زيادة الإنتاج رفع إنتاجية الجنيه/ أجر أو الجنيه دخل زيادة دورات رأسمال العامل خلال العام دخل زيادة دوران المخزون السلعي من الخامات والمنتجات خلال العام زيادة إنتاجية الفرد إيجاد فائض لتمويل البحوث والتطوير وايجاد منتجات جديدة ووسائل تسويقية مستحدثة, بما يرفع من النصيب التسويقي للمؤسسة بين منافسيها العاملين في نفس حزمة المنتجات. مما سبق فإنه يمكن تلخيص أن منظومة نجاح المؤسسة الصناعية يبدأ من العمل علي زيادة إنتاجية الفرد بكل ما يحويها هذا المفهوم من مدخلات ومخرجات اقتصادية وفنية.