بعد نجاحهم في أنشطتهم الخاصة وتحقيق الثروات يتجه كثير من رجال الأعمال للسياسة سعيا للعمل العام أوبحثا عن السلطة.. وهو اتجاه محفوف بالمخاطر. ولكن كثيرون منهم يحققون النجاح.. ومن بين هؤلاء يأتي الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرج والذي يدير مدينة نيويورك منذ أكثر من ثمانية أعوام. فبلومبرج هو مؤسس الشبكة الإعلامية الكبري المسماة باسمه وهو المالك الرئيسي لها وتبلغ ثروته نحو16 مليار دولار تجعله ثامن أكبر الأغنياء في الولاياتالمتحدة وفي المرتبة ال17 علي مستوي العالم بحسب تقديرات مؤسسة فوربس عن عام2009. وفي عام2001 قرر بلومبرج الترشح لمنصب عمدة نيويورك خلفا لرودي جولياني أحد أشهر من تولوا هذا المنصب في العقود الماضية. ومنصب' العمدة' يعتبر أهم المناصب السياسية والأكثر نفوذا في الولاياتالمتحدة بعد رئيس الدولة ففي ظل النظام الفيدرالي الأمريكي يحظي العمدة بسلطات محلية واسعة حيث يسيطر علي خدمات الأمن والتعليم والصحة والبيئة في مدينته وله من الصلاحيات التي تمكنه من فرض ضرائب محلية ووضع وتغيير الإجراءات والقواعد المنظمة للمدينة. كما أن نيويورك من أكبر المدن الأمريكية حيث يسكنها نحو8.2 مليون مواطن وتبلغ ميزانيتها نحو63 مليار دولار سنويا. ولكن بعد أحداث سبتمبر وسقوط برجي التجارة في نيويورك تعالت الأصوات التي تنادي بالتمديد لجولياني لفترة ثالثة( القانون يسمح بفترتين فقط مدة كل منهما4 سنوات) باعتباره صمام أمان للمدينة والبطل الذي قضي علي الجريمة بنيويورك وحافظ علي تماسكها بعد أكبر أزمة واجهتها المدينة في تاريخها. وفي نفس الوقت تصاعدت الانتقادات لبلومبرج باعتباره ليس لديه خبرة بالسياسة وحديثه ممل ويظن أن بأمواله يستطيع شراء المنصب. ولكن بلومبرج نجح بالفعل في الحصول علي المنصب بنسبة50% مقابل48% لمنافسه من الحزب الديمقراطي بعد أن أنفق نحو70 مليون دولار من أمواله الخاصة في الحملة الانتخابية وهو مايعادل خمس مرات المبلغ الذي أنفقه منافسه ووسط قناعة من الأغلبية بأن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الهجمات الإرهابية علي نيويورك تحتاج إلي رجل اقتصادي لحلها. ولم يخيب بلومبرج ظن الناخبين فقد تسلم المدينة والميزانية بها عجز يبلغ6 مليارات دولار واستطاع خلال فترة قليلة تحويل هذا العجز إلي فائض بنحو3 مليارات دولار كما نجح في سنوات قليلة في تخفيض معدل الجريمة بنحو35% بالإضافة إلي تحسين الخدمات في المدينة وتخفيض معدلات البطالة مما رفع شعبيته إلي مستويات مذهلة جعلته يفوز بإعادة إنتخابه بفارق20% عن منافسه في عام2005, وقد واجه انتقادات كثيرة وعنيفة في بداية عمله وفي مقدمتها قراره برفع الضريبة العقارية من نحو10% إلي25%, ولكنه كان يري أهمية زيادة الإيرادات لتحسين الخدمات وتشجيع النشاط الإقتصادي في المدينة ودون اللجوء لتخفيض الإنفاق. ومع ارتفاع نسبة التأييد الشعبي له حتي بلغت70% في عام2007 ومع حلول الأزمة المالية العالمية التي ضربت منطقة وول ستريت بنيويورك أكثر من أي منطقة أخري تقدم بلومبرج إلي مجلس المدينة في عام2008 بطلب لتعديل قانون الانتخابات حتي يتمكن من الترشح لفترة ثالثة في عام2010, ونجح بالفعل فيما لم ينجح فيه سلفه بتعديل القانون كما نجح في الانتخابات وإن كان بهامش قليل( نحو5% فقط عن منافسه) ليبدأ فترة جديدة منذ بداية هذا العام لمدة4 سنوات قادمة سوف يسعي خلالها من خلال موازنة المدينة والتي بدأ العمل بها في الشهر الماضي إلي إصلاح ما أفسدته الأزمة العالمية في نيويورك حيث ارتفعت البطالة إلي نحو10% كما عاد العجز في الميزانية إلي نحو5 مليارات دولار. ومايكل بلومبرج(69 عاما) هورجل عصامي ينحدر من اسرة يهودية من المهاجرين الروس إلي الولاياتالمتحدة واستطاع شق طريقه من خلال النجاح في الحصول علي بكالوريوس الهندسة ثم ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد والتحق بعد ذلك بإحدي بنوك الاستثمار في الولاياتالمتحدة ليعمل بها لمدة10 سنوات قبل أن يتم فصله في عام1981 مع حصوله علي تعويض مادي بلغت قيمته10 ملايين دولار. وقد بدأ بمشاركة أخرين في إنشاء شركة خاصة لنظم المعلومات بالبورصة قبل أن تتحول إلي شركة باسمه منذ عام1986, ويري المراقبون أن نجاحه السياسي يتمثل في إدارته لنيويورك مثلما كان يدير شركاته حتي أنه لقب' بالعضوالمنتدب' لمدينة نيويورك. فقد تعامل مع مدينة نيويورك بإعتبارها اسما تجاريا يسعي لتسويقه وبني فلسفته علي الإدارة بالنتائج والإنجاز وتحقيق الأهداف مثلما كان يفعل في شركاته. وقد أعاد بناء المبني الإداري لمجلس المدينة من الداخل بإزالة الفواصل والأبواب لتشابه صالات الأنباء في مؤسسته الخاصة, مشيرا إلي أن هذا التصميم يساعد علي مزيد من الشفافية والتواصل ونقل المعلومات بين العاملين. كما ركز علي تحسين الخدمات لجذب المشروعات والشركات إلي المدينة. ويتمثل نجاحه في الإدارة في قدرته علي إتخاذ القرارات الجريئة وفي نفس الوقت القدرة علي اختيار الشخص المناسب لتولي المسئولية مع منحه كافة الصلاحيات لتأدية مهمته دون الرجوع إليه. ويغدق بلومبرج بأمواله وبتبرعاته علي المدينة خاصة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية بمئات الملايين من الدولارات وفي نفس الوقت يحصل علي أجر يبلغ دولارا واحدا فقط في العام عن عمله الرسمي كعمدة نيويورك. ولم يترشح بلومبرج لانتخابات الرئاسة في عام2008 بعد أن وجد أن فرصته تكاد تكون معدومة بإعتباره مليارديرا يهوديا ويعيش حاليا مع صديقة. وهو قد غير كذلك انتماءه السياسي أكثر من مرة حيث إنتقل من الحزب الديمقراطي إلي الجمهوري في عام2001 ثم إلي مستقل خلال العامين الماضيين. ولكنه في الوقت الحالي وبجانب كونه من أنجح رجال الأعمال علي مستوي العالم فقد أصبح سياسيا من الوزن الثقيل ولا يستبعد ظهوره في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام2012.