تتساءل فرنسا اليوم ان كان الرئيس نيكولا ساركوزي سيرشح نفسه مرة اخري في الانتخابات المقبلة عام2012, أم سيضطر الي الانسحاب؟ لم يكن من الممكن طرح هذا التساؤل قبل عام. ولم يتصور أنصاره ومؤيدوه وناخبوه, ان يأتي الوقت الذي تهتز فيه ثقتهم فيه بعد انتخابه في عام2007 بنسبة تجاوزت53%, وهي نسبة مريحة, وحصل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية علي الاغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية التي جرت في نفس العام. ولكن اليوم يجد الرئيس ساركوزي نفسه في أسوأ حالة منذ انتخابه, فقد تهاوت شعبيته الي33% في بعض الاستفتاءات, بعد ان فشل في تحقيق معظم عهوده التي أطلقها في الحملة الانتخابية, والتي كان اهمها تعهده بالقضاء علي الجريمة والعنف في الشارع الفرنسي, وحل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين, واعطاء العملية الانتاجية دفعة قوية بعد انخفاض ساعات العمل. ولكن اليوم وبعد ثلاث سنوات من الحكم لازال العنف بنفس القوة, بل وزحف الي داخل العاصمة والمدن الكبري, وخرج المشاغبون يحرقون السيارات ويمارسون العنف بسبب أو بدون سبب. أما بالنسبة للبطالة فان كانت قد انخفضت نسبيا بعد الازمة الاقتصادية الاخيرة, الا انها وصلت الي9% وهي نسبة لم تشهدها فرنسا منذ سنوات. وان كانت سياسات ساركوزي الداخلية قد اصابت الناخبين بالاحباط, فان التناقضات بين تصريحات الرئيس وممارساته قد افقدته مصداقية كبيرة. ففي الوقت الذي كان يدعو فيه ساركوزي الفرنسيين بالعمل اكثر ان أرادوا الحصول علي مكاسب اكبر, وفي الوقت الذي يطالب فيه بتخفيض المساعدات الاجتماعية, تكشف في الاعلام قيام شخصيات غنية بالتهرب من الضرائب بمساعدة مسئولين ومقابل مكافآت مالية, فقد تفجرت واحدة من اكبر الفضائح المالية التي طالت وزراء مقربين من الرئيس, بل وامتدت الفضائح لتكشف قيام, ليليان بيتانكور, اغني امرأة في فرنسا بتمويل حملة ساركوزي الانتخابية بمبالغ كبيرة تصل الي180 مليون يورو, وهو مبلغ يتجاوز بكثير الحد الاقصي الذي يسمح به القانون الفرنسي, بل ونشرت صحيفة علي الانترنت ان ساركوزي نفسه كان يتلقي الاموال من تلك السيدة قبل توليه الرئاسة, وعندما كان عمدة منطقة نوييي, التي يقطن فيها اغنياء فرنسا, وتقطن فيها تلك السيدة. وان اسفرت التحقيقات عن صحة تلك الاتهامات فيتوقع البعض ألا يحاول ساركوزي ترشيح نفسه للرئاسة مرة اخري في عام2012. لقد فقد ساركوزي نسبة كبيرة من رصيده من المصداقية حتي من بين مؤيديه واعضاء حزبه الحاكم. ولكن ان لم يرشح ساركوزي نفسه في الانتخابات التي ستجري بعد عامين, فهل هناك شخصية أخري بديلة يمكنها ان تكسب ثقة الناخب؟ بدأت الصورة السياسية في فرنسا تتشكل, وان كان الوقت لازال مبكرا علي التنبوء بالخريطة الانتخابية عام2012, الا انه يمكن اليوم تحديد بعض الظواهر. فعلي الجانب الاشتراكي تسعي كل من سيجولين رويال, المرشحة السابقة في انتخابات2007 عن الحزب الاشتراكي, ورئيسة اقليم بواتوشارانت, ومارتين اوبري, وزيرة العمل السابقة في الحكومة الاشتراكية حتي عام2000, وعمدة مدينة ليل, الي كسب ترشيح الحزب الاشتراكي وقد تشهد الحملة معارك دامية بين المرشحتين المحتملتين لما بينهما من كراهية عميقة, اما الشخصية الثالثة في الحزب الاشتراكي المتوقعة ان تترشح فهو دومينيك شتراوس كان, مدير عام صندوق النقد, وكان من الشخصيات القوية في الحزب ولكن يري البعض ان عمله في صندوق النقد الذي يمثل الرأسمالية بكل قوتها, قد اضاع عليه كل فرصة حقيقية لكسب اصوات اليساريين في فرنسا. وعلي الجانب اليميني المتطرف, لم يعد رئيس حزب الجبهة الوطنية, جان ماري لوبن قادرا علي الترشح للانتخابات الرئاسية وخوض الحملة لأسباب صحية, ولكن ابنته, مارين لوبن, نائبة رئيس الحزب, بدأت تصعد وبقوة علي الساحة السياسية, ويتوقع الخبراء ان يكون لها دور كبير في المستقبل فهي شابة جميلة ذات شخصية قوية وحضور وجاذبية. ومن المتوقع ان تركز مارين علي الامن في البلاد, وهي اكبر القضايا المطروحة. أما علي الجانب اليميني المعتدل, فقد بدأ دومينيك دي فيلبان, رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية الفرنسي الشهير, الذي القي خطاب فرنسا في الاممالمتحدة ضد الحرب في العراق عام2003, واكتسب بعدها شهرة واحتراما دوليين, الظهور مرة اخري والاستعداد لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية, فقام بتكوين حزب سياسي وطرح برنامجا لمواجهة برنامج الحكومة الحالية. ولكن دي فيلبان بالرغم من مسيرة حياته الدبلوماسية الناجحة الا انه لا يتمتع بشعبية داخليا خاصة وانه من الشخصيات التي لم تترشح ابدا في انتخابات سواء عامة اومحلية. انطلاقا من تلك الخريطة الاولية للساحة الانتخابية الفرنسية, يمكن ان يكون لساركوزي فرصة ثانية في حالة فوز سيجولين امامه في الجولة الثانية, ولكن من المتوقع ايضا ان تفوز مارين لوبن بعدد أصوات يفوق اي انتخابات سابقة للجبهة, مما يجعلها منافسا خطيرا لمرشحي الحزب الاشتراكي. ولكن ان كانت كل الشخصيات المطروحة لا تمثل خطرا كبيرا علي ساركوزي في الوقت الحالي, فإن العدو الأول للرئيس الفرنسي هوالرئيس نفسه, وعليه من الان العمل بجد من اجل اعادة بناء المصداقية التي فقدت بينه وبين الناخب الفرنسي.