تزينت المآذن بالأنوار كما يزهو جيد الحسان بعقد من اللؤلؤ المنظوم.. وشدا صوت عبدالمطلب بأهلا رمضان.. رمضان جانا.. تلك الاغنية التي صرنا نعدها جزءا لايتجزأ من الفرح الشعبي بإقبال هذا الشهر المبارك. وكانت مائسة لاتعرف عن رمضان إلا ما يصاحبه من تغيير أكل العائلة بجانب ماتحويه المائدة من اطايب وغرائب وما يقدمه التليفزيون من برامج مسلية.. وكانت تصر وهي بعد صغيرة علي ان تجلس إلي مائدة الافطار حتي تشارك والديها واخويها ما يأكلون وان كانت المشاركة رمزية فقد كانت تتناول وجباتها الثلاث في موعدها.. حتي بلغت من العمر السنة التاسعة.. فقرر والدها تدريبها علي الصوم بالتدريج. اما لماذا التدريج فالسبب ان الطفل في مراحل نموه الأولي يحتاج لكمية كافية من الغذاء تساعد علي نموه الجسماني والعقلي, وقد يصاحب تغير مواعيد الوجبات في رمضان اقلال ما يتناوله من غذاء.. مع اختلاف ايقاع الوجبات ومواعيدها, ومن ناحية فلاشك ان الصوم يكون مجهدا جدا في ايامه الأولي علي الاقل.. وقد يتضرر الطفل بل قد يكره الصوم.. ولذا رأي الوالدان ان يحدث تغيير طفيف في مواعيد غذاء الفتاة الصغيرة فكان الافطار يقدم لها في موعده العادي صباحا.. ويؤجل الغذاء إلي موعد الافطار الرمضاني..وهو امر سهل.. اما العشاء فكان يؤجل.. ليس لموعد السحور.. بل لقرب موعد نومها نحو الحادية عشرة أو الثانية عشرة اذا تخلصت من اغراءات التليفزيون. ومر عام.. ورأي الوالدان ان يتخذا خطوة اخري نحو التدريب المتدرج علي الصوم.. فاقترحا بابتسامة علي مائسة صيام اليوم الأول من رمضان فقبلت مرحبة.. بعد وعدها بالجائزة الالهية رضا الرب سبحانه وتعالي.. ولا مانع من مكافأة دنيوية صغيرة تشحذ المهمة.. وكان افطار اليوم الأول من الصيام كالغذاء العادي مع اضافة اكلات رمضان الخاصة. وبعدها لم يحدث في هذا العام إلا تغير طفيف في مواعيد الاكل حيث اجل العشاء إلي اقصي موعد تستطيع فيه الفتاة السهر إلي جانب التليفزيون فصار موعد السحور مثاليا.. اجتمعت فيه السوائل في شكل العصير.. برتقالا او ليمونا أو لبنا إلي جانب الزبادي وقطعتين من القطائف أو الكنافة الشهية. جمع السحور السوائل حتي تختزن الصغيرة حاجتها في فترة الصوم.. مع السكريات التي تمدها بالطاقة.. وبروتينيات الزبادي التي تساعد علي بناء انسجة الجسم وكلها علي العموم مواد لاتزيد الشعور بالعطش كتلك الاكلات الحريقة مثل المخلل وخلافه. وفي سن الحادية عشرة.. صامت مائسة أول رمضان وآخره ويوما في منتصفه.. حتي اتي العام الثاني عشر فاستطاعت ان تصومه كله.. كل ذلك بالتدريج الشديد وبالمكافأة وبالكلمة الحلوة والابتسامة.. وقد كان يصيبها احيانا ارهاق شديد ربما في مواسم الامتحان أو عند المرض.. وكان قوله تعالي فعدة من ايام اخر بلسما شافيا لما كانت تحسه من خجل اذا افطرت.. وهكذا تعلمت مائسة من أول درس في الإسلام ان الإسلام يسر.. لاعسر. د. خليل مصطفي الديواني