قد لا يعرف الكثيرون أن مصر تقوم حاليا بتنفيذ خطة قومية ضخمة, رائدة وغير مسبوقة, تعتبر من أهم الخطط القومية التي وضعناها في العقود الأخيرة علي الإطلاق هي الخطة القومية للموارد المائية حتي عام2017, وعلي الرغم من الأهمية البالغة لتلك الخطة بالنسبة لمصر, إلا أنها لم تأخذ حظها من التغطية الإعلامية والمتابعة الإعلامية التي تستحقها حتي الآن. * فمن حيث التكلفة, بلغت تكلفة إعداد الخطة وتقديم المساعدات التنسيقية لتنفيذها نحو مائة مليون من الجنيهات, تحملت الحكومةالهولندية, ما يعادل نحو ثمانين مليونا منها, كمنحة لا ترد, ومن حيث المدة الزمنية, استغرق إعداد الخطة نحو سبع سنوات, من عام1998, وحتي عام2005, وهي مدة قد تبدو طويلة جدا, إلا أنها كانت ضرورية لإنجاز هذا العمل الكبير الذي تم, ومن حيث الخبرات المشاركة في إعداد الخطة فقد تضمنت أكبر المكاتب الاستشارية العالمية, مع لفيف من الخبراء الاجانب, وخبراء مراكز البحوث المصرية والوزارات المعنية,, وأساتذة الجامعات وغيرهم. * وأود أن اشير هنا إلي بعض النقاط للمهمة المتعلقة بتلك الخطة القومية وهي: أولا: أن هذه الخطة القومية لم تأت من فراغ, وإنما أعدت في ضوء السياسات والاستراتيجيات المائية السابق وضعها من قبل, لمواجهة التحدي الرئيسي الذي يواجه مصر, وهو مشكلة الزيادة السكانية, وما يصاحبها من نمو في الأنشطة الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية, وبالتالي زيادة الطلب علي المياه, أما بالنسبة لمحاور تلك الخطة, فهي نفس المحاور الثلاثة الرئيسية التي ترد دائما في أي سياسات أو استراتيجيات مائية مصرية وهي: 1 تنمية الموارد المائية الحالية بإضافة موارد جديدة, سواء من مشروعات أعالي النيل أو من المياه الجوفية أو من حصاد الأمطار والسيول. 2 تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية الحالية, بمشروعات التطوير والترشيد, وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالجة. 3 الحفاظ علي المياه من التلوث, وتوفير مياه شرب آمنة للمواطنين. ثانيا: أن هذه الخطة هي خطة قومية, أي تشارك فيها جميع أجهزة الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني, وليست خطة خاصة بوزارة الموارد المائية, لتحقيق أقصي استفادة اقتصادية واجتماعية منها, وتحقيق العدالة في توزيعها, مع عدم الإخلال بالبيئة, وهي خطة وضعت بوجه عام لتأمين الموارد المائية المطلوبة لأعمال التنمية حتي عام.2017 ثالثا: أن هناك كما هائلا من البيانات والمعلومات المتنوعة تم الحصول عليها من مصادرها, وتم أيضا معالجتها وتحليلها, واستخدامها في عشرات الدراسات والبحوث القيمة في المجالات المختلفة, والتي تعتبر العصب الرئيسي في إعداد هذه الخطة, مثل المياه السطحية والجوفية, ومياه السيول والامطار, ونوعية المياه والملوثات واستخدامات المحاصيل الزراعية, ومياه الشرب والصناعة والصرف الصحي, والجوانب الاقتصادية والاجتماعية, والثروة السمكية والسياحة, وتحلية مياه البحر, والتغيرات المناخية, والموازنات الاستثمارية, والتطوير المؤسسي وتنمية الموارد البشرية, ونظم دعم اتخاذ القرار وغيرها, مع تصميم عشرات النماذج الرياضية وقواعد البيانات الشاملة التي استخدمت في اعداد تلك الخطة. رابعا: أن الخطة قد تم وضعها بشكل دقيق ومحكم, رغم ضخامة حجمها وتشعب موضوعاتها, حيث قد تم فيها تحديد مئات الإجراءات والأنشطة والمشروعات, المطلوب تنفيذها من كل وزارة علي حدة, أو من القطاع الخاص أو للمجتمع المدني, مصنفة الي إجراءات فنية وإدارية ومؤسسية واستشاردية وتشريعية وغيرها, ويحمل كل إجراء منها رقما كوديا خاصا به, لتسهيل التعامل معه, ولتسهيل عملية المتابعة في أي مرحلة من المراحل ومحدد لكل إجراء تكلفته الاستثمارية وتكلفته التشغيلية وسنة البدء وسنة الانتهاء, وجميع هذه الاجراءات مدونة في مصفوفات ضخمة, معدة بشكل متميز وواضح, وبأسلوب علمي حديث, ضمن الوثيقة الخاصة بهذه الخطة القومية الفريدة خامسا: أن التكلفة الاستثمارية الإجمالية المقدرة لتنفيذ هذه الخطة القومية تبلغ نحو145 مليار جنيه بأسعار عام2001, والتي قد تصل الآن الي نحو نصف تريليون جنيه بأسعار العام الحالي, وهو ما يوضح ضخامة مشروعات تلك الخطة, وأهميتها القصوي بالنسبة للاقتصاد القومي المصري, وايضا بالنسبة للبعد الاجتماعي للمواطنين, تتحمل وزارة الاسكان منها63% ووزارة الري32% والقطاع الخاص5% فقط, بينما تبلغ تكلفة التشغيل والصيانة السنوية نحو41 مليار جنيه, تتحمل المحليات منها70% معظمها في محطات مياه الشرب والصرف الصحي, وتتحمل وزارة الري12%, والقطاع الخاص15%. سادسا: إن هناك لجنة وزارية عليا شكلت في عام2005 خصيصا لمتابعة تنفيذ هذه الخطة القومية, تضم ثمانية من السادة الوزراء, هم وزراء الري والمالية والإسكان والتنمية الاقتصادية والصحة والزراعة والبيئة والسياحة, ومقررها هو زير الري, لضمان أن تتم عملية التنسيق بين الوزارات المعنية بكفاءة عالية لتنفيذ مشروعات الخطة, وأن تضع كل وزارة ما يخصها من تلك المشروعات ضمن خططها الاستثمارية السنوية. * ومن وجهة نظري ان أهم شئ الآن هو ضرورة عمل تقييم شامل لما تم إنجازه من مشروعات الخطة حتي الآن, وهو أمر مهم للغاية, خصوصا أن الموعد المتبقي علي الانتهاء من تنفيذها هو سبع سنوات فقط لا غير, تنتهي في عام2017, ومن الطبيعي أن تكون هناك إيجابيات وسلبيات, ومعوقات قد تظهر في اثناء التنفيذ, أو أن يحدث تعديل في الأولويات, أو ان تظهر مشكلات في ضخ الاستثمارات نتيجة الأزمة المالية العالمية أو غيرها, أو أن يحدث تأخير في إصدار بعض التشريعات المطلوبة لأي سبب من الأسباب, لذلك فإن من الضروري عمل ذلك التقييم الشامل الآن, وايضا في نهاية كل سنة من السنوات السبع المتبقية حتي عام2017, حتي يمكن تذليل أي عقبات قد تحول دون الانتهاء من مشروعات تلك الخطة المهمة, في المواعيد المقررة لها, أو أن يتم اقتراح عمل أي تعديل جوهري فيها, إذا ما تطلب الأمر ذلك, ويمكن عرض ذلك التقييم الشامل ومناقشته في اللجان المختصة بمجلسي الشعب والشوري, وفي لجنة السياسات بالحزب الوطني.