في ظل الحملات المتوالية علي المسلمين في أوروبا بدءا من منع الحجاب بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية مرورا بالاستفتاء الذي أقر بمنع المآذن في سويسرا, وصولا إلي حملات منع النقاب في بعض الدول الغربية. فجرت حكومة ديفيد كاميرون مفاجأة للبريطانيين بتعيينها البارونة سعيدة حسين وارسي وزيرة في حكومته الائتلافية في شهر مايو الماضي لتصبح بذلك أول مسلمة تشغل منصبا وزاريا في تاريخ بريطانيا, الأمر الذي قد ربما يعيد النظر في علاقة الغرب بالإسلام. وما إن صدر القرار حتي تحولت سعيدة المحامية من أصل باكستاني بين ليلة وضحاها إلي مادة إعلامية ثرية في الصحف ووسائل الاعلام البريطانية, فتلك السيدة التي لم تتجاوز التاسعة والثلاثين من عمرها والقادمة من ثقافة مختلفة استطاعت بفضل ذكائها وطموحها ومثابرتها أن تصبح ممثلة لأعرق حزب في بريطانيا والتي كانت تترأسه في الماضي رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت ثاتشر الملقبة ب المرأة الحديدية. مشوار وارسي كان مليئا بالنجاحات حيث مكنتها دراستها للقانون في جامعة ليدز بإنجلترا من خوض معترك السياسة في سن صغيرة, لتشغل منصب نائبة اتحاد الطلبة في الجامعة ثم بعد التخرج وزيرة ترابط المجتمع والعمل الإجتماعي في حكومة الظل لدي حزب المحافظين, وما إن لبثت في الحصول علي هذا المنصب حتي عملت علي مشروع بحثي عن وزارة القانون في باكستان. كما كانت أول امرأة مسلمة تجلس علي المقاعد الأمامية في حزب سياسي عام2007 عندما عملت مستشارة خاصة لمايكل هوارد الزعيم السابق لحزب المحافظين للعلاقات بين الجاليات. سعيدة التي ترأس حاليا مؤسسة سعيدة الخيرية لتمكين المرأة ومقرها باكستان تعد من أشد المهتمين بتشريع القوانين الخاصة بقضايا الإناث كالزواج القسري والختان, حيث صرحت في حديث لها لصحيفة التايمز البريطانية بأن من أهم أولوياتها تحسين صورة المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية والتي يحاول البعض تشويهها, مطالبة المسلمين بعدم التذرع بالدين كسبب لعزلتهم السياسية عن المجتمع. فهي تعتقد ان وضع المرأة المسلمة في بريطانيا أفضل بكثير من دول أخري مضيفة في رسالة وجهتها للمسلمين في جميع أنحاء العالم:' يجب علينا أن نشارك في الحياة العامة داخل الدول التي نعيش فيها لإظهار مبادئ ديننا الإسلامي السمحة وكي لا يشعر المسلمون ب التهميش. وارسي التي حرصت علي ارتداء الزي الباكستاني التقليدي في أول يوم لها كأحد أفراد الحكومة البريطانية تري أن علي بريطانيا أن تعالج القضية الفلسطينية بعدالة وذلك لتتجنب حالات الاحتقان وإحساس المسلمين بالضيق فيما يتعلق بموقف بريطانيا من هذه القضية, الأمر الذي دعاها إلي توجيه نداء إلي هيئة الإذاعة البريطانية' بي بي سي' إلي عدم التقاعس عن تغطية الاحداث بصورة كاملة لما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من جرائم إسرائيلية بشعة! أما فيما يتعلق بمسألة منع النقاب في بعض الدول الغربية تري سعيدة أن ذلك يتعارض مع مبدأ الحريات التي طالما نادت به هذه الدول, فحرية الملبس والعقيدة من أهم مبادئ الديمقراطية التي طالما سعت إليها دول الغرب, مؤكدة في حديثها لصحيفة' التايمز' أنه علي الرغم من حظر النقاب في الأماكن العامة بفرنسا إلا أنها تري استحالة حدوث ذلك في بريطانيا التي لا تملك قانونا يدفعها إلي ذلك, والدليل هو وجود أكثر من مليونين ونصف مليون مسلم يقيمون في بريطانيا بينهم حوالي1% من النساء منتقبات. ويري البعض أن الدور الذي لعبته وارسي في إطلاق سراح المعلمة البريطانية جيليان جيبونز التي اعتقلتها السلطات السودانية عام2007 علي خلفية اتهامات بالإساءة إلي الدين الإسلامي بعدما سمحت لطلبتها في إحدي المدارس بتسمية دمية علي شكل دب باسم محمد- كان مؤثرا جدا في حياتها المهنية, ولفت الأنظار إليها, الأمر الذي جعل اختيار ديفيد كاميرون يقع عليها لشغل هذا المنصب ورغم ذلك يري بعض المعارضين أن وارسي مازالت صغيرة وغير ناضجة سياسيا بما يكفي لشغل هذا المنصب. وأيا كانت الآراء بالنسبة لأداء سعيدة التي لقبت ب أكثر النساء المسلمات نفوذا في بريطانيا, فالأيام المقبلة ستكون شاهد عيان علي مدي كفاءتها في تولي هذا المنصب.