مازالت أصداء الاقتراح الذي أعلنه إفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي منذ أيام عن التخلص من ارتباط قطاع غزة بإسرائيل وإلقاء مسئوليته علي مصر تتوالي حتي الآن. ورغم أن هذا الاقتراح ليس جديدا وسبق أن ردده عدد من قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين في مناسبات متعددة أخرها أثناء حرب إسرائيل علي غزة بنهاية عام2008 واعتبارهم أن هذه الحرب فضلا عن الحصار المفروض علي القطاع فرصة للتخلص من غزة وتحويلها إلي مشكلة مصرية في اطار ما يعرف في إسرائيل رسميا باستراتيجية الترحيل الجماعي للفلسطينيين من أراضيهم. الا أن رد الفعل الفلسطيني ظل متشبثا بالرفض ومهاجما لاقتراح ليبرمان سواء من جانب فتح أو حماس.وكان نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية قد أعلن أن خطة ليبرمان هدفها تحويل غزة إلي كيان منفصل وتقسيم الوطن الفلسطيني وهي خطة قديمة عرفت باسم الدولة المؤقتة وأضاف أبو ردينة أن هذه الخطة كنا قد رفضناها سابقا ونجدد رفضها الآن حيث أنها تهدف إلي فصل غزة عن الضفة بجانب التخلي عن القدس مما يؤدي إلي نسف فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. وقد رصدت مجلة' الايكونومست' البريطانية في تحقيق لها مؤخرا من القدس ردود الفعل المستمرة لتصريح ليبرمان الأخير والأهداف التي يرمي لها من جراء القاء مسئولية غزة علي مصر وقطع الاتصال بين الضفة وغزة مما يجعل اقامة الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا. ويري المراقبون أن إسرائيل لم تتوقف طوال سنوات المفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية عن الخروج من وقت لآخر بمقترحات تعرقل المفاوضات وتمنع وصولها إلي أي نتيجة.وكان من ضمنها عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون بالانسحاب عسكريا من غزة وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية بها في سبتمبر2005 مع السيطرة علي سماء وساحل القطاع بعد احتلال دام38 عاما, فقد كان يهدف إلي التخلص من غزة التي تمثل عبئا أمنيا وسكانيا علي إسرائيل وإلقاء مسئوليتها علي مصرلتحقيق المخطط القديم بدفع الفلسطينيين في غزة في اتجاه سيناء وتحويلها إلي وطن بديل لهم. وقد دفعت المفاوضات غير المباشرة التي بدأت مؤخرا برعاية أمريكية والضغوط التي تبذلها إدارة أوباما علي الفلسطينيين للدخول في مفاوضات مباشرة الأجنحة المتطرفة في إسرائيل إلي التخوف من أن تؤدي هذه المفاوضات إلي وضع إسرائيل في موقف حرج أمام الولاياتالمتحدة والعالم لو أنها كشفت عن حقيقة عدم قبولها للسلام وللدولة الفلسطينية. ولذلك أطلق ليبرمان هذا الاقتراح لإحداث حالة من التشكك لدي الجانب الفلسطيني حول جدوي المفاوضات خاصة بعد أن زعم وزير الخارجية بأن بعض وزراء الخارجية الأوروبيين أبدوا إهتمامهم باقتراحه دون أن يحدد من هم هؤلاء الوزراء, في الوقت الذي بدأت تظهر في إسرائيل مؤشرات داخل الحكومة تساند ما أعلنه ليبرمان. وبالرغم مما أعلن في إسرائيل من أن ليبرمان لم يعرض خطته علي مجلس الوزراء وأنه مازال يحاول اقناع نيتانياهو باقتراحه إلا أن فكرة التخلص من غزة وتحويلها إلي مشكلة مصرية هي جزء من التخطيط الإسرائيلي لأن غزة لا تمثل لهم من الناحية الإيديولوجية قيمة كبيرة بعكس الضفة الغربية التي يروجون من حولها أساطيرهم الدينية والادعاء بأنها جزء تاريخي من إسرائيل ولذلك فإن إسرائيل تهدف إلي التركيز في الفترة القادمة علي ابتلاع أكبر جزء ممكن من الضفة الغربية وفي نفس الوقت تكريس الانقسام الحالي بين الضفة وغزة من خلال ترك مسئوليتها لحكومة حركة حماس ثم مخاطبة العالم بأن مفاوضاتها يجب أن تركز علي الضفة الغربية وحدها وهو ما يعني نسف فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس. لقد ساد اعتقاد لدي البعض أن الوزير المتطرف أطلق تصريحه بشكل منفرد ودون أي تنسيق أو ارتباط مع رئيس الوزراء, في الوقت الذي ألمح فيه أحد مساعدي نيتانياهو لمجلة الايكونوميست أن تصريحه ليس سوي بالونة اختبار وهو تقليد معروف في اسرائيل. وأيا كانت الحقيقة حول هذا المشروع الشيطاني فالمسئولية الآن ملقاة علي عاتق القيادة الفلسطينية التي يتعين عليها التصدي لهذه المؤامرة وانقاذ القضية الفلسطينية بالاسراع بالمصالحة. وتفويت الفرصة علي إسرائيل التي تحاول استغلال الخلاف بين فتح وحماس لتحقيق طموحات قديمة لم تعد خافية علي أحد.