آخر موعد ل غلق موقع التنسيق لمرحلة تقليل الاغتراب.. «التعليم» توضح (رابط)    درجات الحد الأدنى للقبول بالثانوية العامة والمدارس الفنية 2055 بالمنيا (تفاصيل)    متي ستبدأ شركة مصر للابتكار الرقمي الموافقة للتحول إلى «وان بنك الرقمي»؟    رسميًا بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 18-8-2025    «المحامين» تعلق على واقعة فيديو المتحف المصري الكبير: «المواجهة لا تحتمل تأجيل.. وأحذر من تخلف التشريعات»    المستشار الألماني: الطريق مفتوح لمفاوضات أكثر جدية بشأن أوكرانيا    بعد نقلهما للإسماعيلية.. يلا كورة يكشف خطة الزمالك قبل مباراتي مودرن وفاركو    «مخلص والإعلان في يناير».. الغندور يكشف عن صفقة الأهلي الجديدة    رسميًا.. ما هي مقررات الصف الثالث الثانوي في نظام البكالوريا والثانوية العامة؟ (بيان رسمي)    هشام عباس: حفلات القلعة لها طابع خاص وبحس إنى برجع للعصر القديم    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    سقوط سائق "توك توك" خالف المرور وسار عكس الاتجاه في الإسكندرية    مصرع سيدة وإصابة 5 في تصادم مروع بالدقهلية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    "تموين الإسكندرية" تضبط أسمدة زراعية مدعمة قبل تهريبها للسوق السوداء    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    باحث: إسرائيل ترفض الصفقات الجزئية وتواصل الحرب لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    «الرقابة الصحية»: الإسكندرية مؤهلة لتكون نموذجًا رائدًا في تطبيق التأمين الصحي الشامل    نقل مباراة الأهلي وبيراميدز إلى السلام بعد غلق استاد القاهرة الدولي    وزير الخارجية يرافق رئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة الجرحى الفلسطينيين بمستشفى العريش العام    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    المقاولون العرب يكشف حالة أمير عابد بعد تعرضه لحادث سير: "تحت الملاحظة"    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    سعر الفضة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025.. بكم الإيطالي الآن؟    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية ال61 للصحفيين الأفارقة    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    إزالة 53 حالة تعد على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    شئون الدراسات العليا بجامعة الفيوم توافق على تسجيل 71 رسالة ماجستير ودكتوراه    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    رئيس "الوطنية للانتخابات" يزور النيابة الإدارية: خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    قرار جديد من محافظ الوادي الجديد بشأن سن القبول بالمدرسة الرسمية الدولية    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    الأحد.. إعلان تفاصيل الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    يحتوي على غسول للفم.. كيف يحمي الشاي الأخضر الأسنان من التسوس؟    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «غضب ولوم».. تقرير يكشف تفاصيل حديث جون إدوارد داخل أوضة لبس الزمالك    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    كلية طب القصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات تنفيذية شاملة    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاق وعشبة الوهم
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 08 - 2010

تحسن الهيئة العامة لقصور الثقافة في ظل إدارتها الواعية والمستنيرة حين تفسح من منشوراتها مايتسع لمختارات من أجمل صفحات الشعر العربي المعاصر‏,‏ كما صنعت مؤخرا حين نشرت في سلسلة آفاق عربية قصائد مختارة للشاعر العراقي علي جعفر العلاق‏,‏ بعنوان عشبة الوهم
والعلاق واحد من الأصوات الشعرية البارزة من بين شعراء جيل الستينيات في العراق‏,‏ هذا الجيل الذي يضم بين أعلامه سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وحميد سعيد وسامي مهدي وغيرهم‏,‏ وهو الجيل الذي تم علي يديه إنضاج قصيدة الشعر الجديد‏,‏ أو شعر التفعيلة‏,‏ وإحكامها لغة ومعمارا‏,‏ والوصول بها الي آفاق تتجاوز بكثير الفضاء الشعري الذي صنعه الجيل السابق عليه من الرواد‏:‏ نازك والسياب والبياتي والحيدري وغيرهم‏.‏ وجميعهم باستثناء السياب كان ينقصهم إحكام اللغة الشعرية‏,‏ التي تصوروا أن هشاشتها ونثريتها أحيانا هما مرادف الحداثة‏,‏ ودليل خلخلة اللغة الشعرية السائدة‏,‏ والاندفاع نحو لغة جديدة‏,‏ أوصلت حركة شعر التفعيلة بعد أكثر من نصف قرن الي مايسمي بقصيدة النثر‏,‏ تمزق لغة‏,‏ وتحطم تراكيب‏,‏ وافتقاد بنية وموسيقي وإيقاع‏.‏
لكن ميزة علي جعفر العلاق‏,‏ الشاعر العراقي الستيني المندفع بجواده الشعري العربي الأصيل مع كل وثبة شعرية‏,‏ وكل ديوان ومنعطف جديد‏,‏ الي فضاءات أرحب انه لم يستسلم لما يصنعه الاشتغال بالبحث الأكاديمي والدراسة النقدية من جفاف الروح وافتقاد مائية الشعر وخواء سيقان القصيدة وفروعها وأعوادها من نسغ الحياة المتنامية وخصوبة الشجرة المخضوضرة باستمرار‏,‏ شجرة لكل فصول العمر‏,‏ ومراحله وتقلباته‏,‏ وطموحاته وانكساراته‏.‏ هكذا أتيح لي أن أتتبع مسيرة العلاق الشاعر الذي سكب كثيرا من فيض شاعريته في دراساته النقدية‏,‏ لكن مابقي له من شعرية جعله مبدعا متوهجا في الطليعة من جيله‏,‏ بل هو رأس حربة هذا الجيل الآن‏,‏ إنجازا وإضافة واستشرافا‏,‏ منذ كان ديوانه لاشيء يحدث لاشيء يجيء‏1973,‏ وبعده وطن لطيور الماء‏1975,‏ ثم شجر العائلة‏1979,‏ وبعده فاكهة الماضي‏1987,‏ ثم ممالك ضائعة‏1999,‏ وبعده سيد الوحشتين‏2006,‏ وأخيرا هكذا قلت للريح‏2008.‏
علي مدي هذه المسيرة الشعرية‏,‏ كانت ملامح العلاق وسماته تتشكل وتتألق‏,‏ عناية باللغة وحفاوة بشاعريتها وقدرتها علي البوح والإفضاء والرمز وعبور الظل‏,‏ وتجاوز التحديد واليقين والمباشرة‏.‏ المعمار المحكم للقصيدة‏,‏ فلا إفراط ولا ترهل ولا استهانة بذكاء المتلقي ووعيه اللغوي والشعري‏,‏ تعصم الشاعر من التقرب الي القاريء‏,‏ وتضع القاريء حيث ينبغي له أن يكون‏,‏ في محاذاة النص الشعري‏,‏ مجربا لمفاتيحه‏,‏ ومكتشفا لكنوزه‏,‏ ومتذوقا جادا لفاكهته‏.‏ والموسيقي المنسابة‏,‏ في دعة أو في جيشان‏,‏ في رقرقة أو في صخب‏,‏ هي العاصم دوما من التشابه الشكلي مع بائسي قصيدة النثر‏,‏ والمفجر لأغني ما في شعر العلاق من هدير وحميمية‏,‏ وصخب واحتشاد‏,‏ وهي المطية الدلول لرموزه ومعجمه المدني البدوي‏,‏ المائي الصحراوي‏,‏ ولغته التي اصطفتها الذاكره‏,‏ واصطفت هي بدورها قارئها الراهن والمستقبلي‏.‏ هل نصغي إليه الآن في حديث الطير‏:‏
أنا ابن الماء‏,‏ لي ذاكرة تغلي‏,‏ حفرت ترابها الفوار حتي نز منها الدم والذكري‏,‏ وأصغيت الي الانهار‏:‏ لا حبر ولا امرأة‏,‏ هتاف غامض يعلو‏,‏ يروغ النهر فظا‏,‏ مبهما كالحلم‏,‏ أو كالنوم‏,‏ ما من جرس في الريح يهديني الي أشلائها الغضة‏.‏ هل في النهر أو حوصلة الطير بقايا خصلة‏,‏ أو مقطع منها؟
تقول الطير كم مرت أمام النبع حافية كمرآة
أشم الريح‏:‏ أشلاء وهمهمة‏,‏ وفي مفتتح النص بقاياها‏,‏ متي يكتمل الموسم؟ أو يلتئم الحلم؟ متي تهطل من قيثاري المرضوض‏,‏ أو تبزغ من كفي هاتين سروج دونمت خيل‏,‏ ونار في فضاء‏,‏ ممطر‏,‏ عريان‏,‏ حصي يفلقه الرعد ولا كمأة‏,‏ ريح صرصر تعوي‏,‏ فتقفز فجأة أرض‏:‏ فلا لغة‏,‏ ولاغزلان‏.‏
نساء يتشممن الحصي‏,‏ والرعد في أنهار أوروك‏,‏ ينادين البدايات السحيقة‏:‏ غيمة تعري‏,‏ وحبر يتعالي الآن‏.‏ يعلو الطير أن يهبط؟ نص ضائع في الريح‏,‏ أم في شهوة النار التي تعصف بين اثنين؟
من يطلق هذي الخيل من مربطها الطيني‏:‏ أدنو أعزلا ظمآن من مفتتح الغابة‏..‏
أمضي في ركام الورق الذابل‏:‏ أمطار‏,‏ جذاذات‏,‏ رموز‏,‏ وقع أقدام‏,‏ كتابات‏,‏ ورعد يهب الكمأة للرعيان‏..‏ لا تقلق‏,‏ تقول الطير‏,‏ قد تأتي القصيدة‏,‏ هكذا‏,‏ طوعا‏,‏ بلا ضوء شحيح‏,‏ دون صيادين قد تقبل أنثاك تقول الطير‏,‏ من أقصي أنوثتها‏.‏
وشب الضوء في لغة مكبلة‏,‏ وفاض النهر‏,‏ والتفت أفاعي السهر الساطع كالنص الذي لم يكتمل بعد‏,‏ وراح المطر الأسود‏,‏ يشتد ويشتد‏,‏ ومازالت شباك الصيد خرصاء‏,‏ متي يدفع هذا النهر أنثاي الي قيثاري الموحش‏,‏ أو يأتي بها الرعد؟ في ختام قصيدته البديعة يقول العلاق‏:‏
أحقا ثمة امرأة
أحقا ثم صيادون؟
أنثي النص كانت تلك‏,‏
أم أنثاي؟

المزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.