أقرأ الآن كتاب( أسبانيا في تاريخها) تأليف أمريكو كاسترو وهو باحث ومؤرخ أسباني ترجمة د. علي ابراهيم منوفي ومراجعة د. حامد أبوأحمد, صادر عن المجلس الأعلي للثقافة, المشروع القومي للترجمة, والكتاب صدر في نحو منتصف القرن الماضي. وهو بمثابة تماس مع بعض الاشكاليات المتعلقة بهويتنا وثقافتنا إذ يتساءل في المقدمة عن هوية أسبانيا.. عن ذلك الشعور الكامن لدي الأسبان, تلك العقدة التي تنتابهم في كثير من الأحيان, إذ يشعرون بأنهم لم يقدموا مساهمة جدية مؤثرة خلال عصر النهضة الأوروبية أو منجزا فكريا أو علميا علي سبيل المثال.. والكتاب هنا يفند هذا الاعتقاد إذ يؤكد عبر صفحاته أن أسبانيا قدمت منجزا اخر مهما وحيويا ربما علي صعيد مختلف ومغاير, ونقصد بذلك التراث الأدبي والشعري خلال الحقبة الاسلامية, تلك الحقبة التي كان لها تأثيرها البالغ علي الثقافة الاسبانية. من ناحية أخري, يعرض الكتاب لطبيعة الثقافة الاسبانية التي تتمتع بخصوصية في خضم الثقافة الأوروبية, وتلك الخصوصية التي اكتسبتها نتجت في الحقيقة من التأثيرات العربية الاسلامية وحقبة التعايش الحضاري الذي حظيت به الأندلس حيث تعايشت اليهودية والمسيحية والإسلام جنبا الي جنب. يتعرض الكتاب بالتفصيل للتعامل التعسفي مع هذه الحقبة وتجاهل الثقافة الاسبانية( منذ سقوط الاندلس) لهذه الفترة والتعامل معها بروح عدائية.. فالكتاب إذن يعد محاولة لاعادة الاعتبار لهذه الفترة وهو بالفعل كان مفتتحا لكتابات كثيرة تعلقت بالمورسكيين( ماتبقي من العرب المسلمين بعد خروجهم من غرناطة) وثقافاتهم وتأثيرهم في الثقافة الاسبانية. يستعرض الكتاب كذلك التأثيرات الدينية والأدبية التي تركتها معها الثقافة الاسلامية والعربية خلال حقبة وجود العرب في الأندلس, هناك علي سبيل المثال كتب وابداعات عديدة يعرض لها نذكر منها كتاب طوق الحمامة لابن حزم وغيرها من الأمور التي تبرز مدي تأثر الاسبانية بالثقافة العربية.. إذ يرصد عبر صفحاته أيضا علي مستوي اللغة, جملة من الكلمات العربية التي اصبحت ضمن نسيج اللغة الاسبانية, وكذلك الأساليب التعبيرية الاسبانية وتأثرها بالأساليب التعبيرية العربية, ويحدثنا أيضا عن تأثير ذلك في اللغة البرتغالية, ويحدثنا علي صعيد آخر عن التأثيرات القرآنية فيما هو وارد علي ألسنة الناس من تعبيرات وطرائق بلاغية سواء في الاحتفاء بالضيف أو التعامل مع الآخرين أي من خلال المنظور في العلاقات الاجتماعية. يتماس هذا الكتاب إذن مع ثقافتنا وربما أيضا مع التساؤل الذي قد يكون كامنا لدي البعض وغير مفصح عنه ويتعلق بعلاقتنا بالثقافة الأوروبية, هل يجب التعامل مع هذه العلاقة بشكل دوني, بمعني إن ثقافتنا هي الأدني والأقل شأنا ومكانة, أظن انه من هذه الزاوية تحديدا يعتبر هذا الكتاب عملا يتعاطي مع هواجس ثقافية تتعلق بنا أيضا. * نعاني في مجتمعنا من مشكلة قشور الثقافة وتراجع واضح في الأداء الابداعي والأدبي وأعتقد أن السبب الرئيسي والجوهري لهذه الظاهرة هو تردي التعليم الشديد, وكذلك تردي برامج التعليم التي تنتج معها تلاميذ وطلابا كارهين للقراءة بصفة عامة والأدب بصفة خاصة. لدينا تعليم يعني بالعلاقة مع المعلومات ولا يعني بالعلاقة مع المعرفة والفارق بينهما كبير وشاسع.. وأظن ان وضع التعليم علي هذا النحو يصبح غير مبشر بالمرة ولا يطرح معه طرحا ايجابيا. التعليم ينتج مواطنين لا علاقة لهم بالمعرفة والقراءة.. وأذكر هنا علي سبيل المثال انه لا توجد لدينا دراسة علمية أو بحث ميداني يتناول علاقة الناس بالثقافة والتعليم.. لقد تحولت الحياة الثقافية لدينا الي مجرد مؤتمرات ومهرجانات وكل ماهو( شكلاني) وتم تغييب السؤال الأهم في الثقافة وهو العلاقة بين الثقافة والمجتمع.. وهل الثقافة ضالعة فعلا في مشروع نهضة وهل المثقف الآن يرفد المجتمع بأفكار تعينه علي نهضته.. أظن أن هذا هو السؤال الأهم. * تحتاج الكتابة بصفة عامة كي تكون مؤثرة وايجابية الي أمرين: تجربة حياة مستمرة ومتنوعة وأيضا الي مرجعيات ثقافية.. وهذا لا أجده في كثير من الأحيان لدي الأجيال الجديدة.. هم يكتبون عن كل مايمس( اللحم والجلد) مجرد كتابة ذاتية خاصة تفتقد الي الرؤية.. أنا لست ضد الكتابة الذاتية ولكن شريطة أن تتماشي مع ذوات الاخرين وتعبر عنهم.. أقصد تلك الكتابة التي يستطيع أن يتفاعل معها المتلقي, وتكون معبرة عنه بشكل من الأشكال.. وأنا هنا لا أسمي وأخصص أسماء بعينها ولكني أرصد ملحوظة عامة لدي الأجيال الجديدة وبالطبع هناك بعض الاستثناءات. * أعتقد أن مشكلة الكتابة النسائية انه يتم التعامل معها علي نحو فسيولوجي في المقام الأول.. لا أحد يتعامل معها باعتبارها كتابة حقيقية, أقصد كتابة أدبية.. سواء من قبل الناقد أو القارئ أو حتي علي صعيد الإعلام بوجه عام. والمرأة إذا ماعرضت لقضاياها النوعية ورصدت مشكلاتها وهمومها فهي الأقدر بالتأكيد علي التعبير عنها. الرجل يهتم بالمرأة في الأدب عبر علاقته النفعية بها, فنراه يتحدث باسهاب عن الحبيبة أو الزوجة أو حتي الأم, أي تلك العلاقات التي تقوم علي المنفعة والتي يستفيد منها, ونادرا ما يتحدث عن الأخت مثلا وإذا حدث فإنه يقدمها في صورة سلبية( البخيلة, التي تغار من الحبيبة, التي تقف في طريق سعادته). ونادرا مانري الكاتب يصف المرأة بصفات معنوية ايجابية( كريمة شجاعة نبيلة.. الخ) فهو يصفها دائما بصفات حسية وجسدية.. فالمرأة مفعول به من الرجل.. مجرد موضوع للحب والزواج. وهذا ليس في الأدب العربي فقط بل أيضا في الأدب العالمي.. ولكن مرة أخري أؤكد أن هذا رأي عام وهناك دائما الاستثناءات. نعم.. نحن في أمس الحاجة الي الحديث عن المرأة من منظور إنساني.. من منظور وصفها ومشكلاتها وهمومها.. وهذه في اعتقادي وظيفة الأدب. * هناك بالطبع ظواهر ثقافية ايجابية.. هناك مشروع مكتبة الأسرة.. والمشروع القومي للترجمة.. وهناك كذلك إصدارات المجلس لكننا مع ذلك نفتقد الي رمزية موضوعية في هذا الصدد.. لم نتحدث أو نتساءل عن( الجدوي الثقافية) لكل هذه المشاريع مثلما نتحدث ونعرض( للجدوي الاقتصادية) لأي مشروع اقتصادي.. لم نطرح علي أنفسنا يوما هذه الأسئلة المهمة ونحن نشرع في انشاء مشاريعنا الثقافية: من يقرأ؟ لمن تذهب هذه الكتب؟ وماتأثيرها في المجتمع؟ أتصور أنها أسئلة مشروعة جدا وضرورية كذلك, لم نفعل ذلك ربما لغياب جهاز الرصد والجهات التي تقوم بالعمل التحليلي. * لست راضية عن أحوالنا الثقافية.. يمكننا بالتأكيد أن نحظي بوضع أفضل بكثير.. من هم أقل منا شأنا في الفكر والحضارة سبقونا وتعدونا وصارت المسافات بيننا كبيرة.. علي مستوي العالم أذكر كوريا الجنوبية وتركيا.. ليس فقط علي الصعيد الاقتصادي, ولكن أيضا علي المستوي الثقافي.. في تركيا عندما يفوز أورهان باموك بجائزة نوبل وهو في سن التاسعة والأربعين.. أليس هذا مؤشرا ايجابيا؟!