كتبت : رشا عبد الوهاب : مزيج مميز هكذا أجمعت الصحف الأمريكية والبريطانية علي وصف المخرج المتمرد يوسف شاهين. صانع أفلام كوزموبوليتان من العالم العربي. بدأ بالأفلام الواقعية ثم انتقل إلي صناعة أفلام ملغمة بالميلودراما السياسية والرومانسية والموسيقي. هنا اقتباسات من بعض من كتب عن شاهين في الصحافة الغربية. وفي معرض نعيها للمخرج الكبير, خرجت مجلة التايم تحت عنوان من مصر مع خالص الحب والغضب تعاتب المشاهد الأمريكي علي عدم متابعة أفلام مخرج وصفته بأبي الهول بدأت المقالة من أغنية حدوتة مصرية:( دي الحكمة قتلتني و حيتني وخلتني أغوص في قلب السر.. قلب الكون قبل الطوفان ما ييجي خلتني أخاف عليك يا مصر) كتبت هذه الأغنية لأرض تعيش في أزمة, بكلمات الشاعر عبد الرحيم منصور كتبها لفيلم حدوتة مصرية(1982). ربما تعتبر الأغنية ترنيمة شخصية للمخرج والكاتب السينمائي يوسف شاهين الذي توفي عن82 عاما,. وبوفاة شاهين انتهت حياة مهنية حافلة ونموذجية امتدت حوالي ستة عقود من صناعة الأفلام والألغاز والمشاكل. شاهين ليس معروفا بشكل جيد في الولاياتالمتحدة حتي بالنسبة لمحبي الأفلام الأجنبية. قليل من أفلامه عرض هنا,وسوف تذهب مجهوداتك سدي إذا حاولت البحث علي أسطوانات أفلامه. لكن في المهرجانات السينمائية, كان شاهين الممثل الأساسي وربما الوحيد للقارة الإفريقية بكاملها وللعالم الإسلامي علي الرغم من انتمائه لأسرة مسيحية جاءت من أصول يونانية ولبنانية. ولد شاهين في الإسكندرية ونما خلال زمن فوضوي بالنسبة للكوكب ولمصر خلال الحرب العالمية الثانية حيث تحرك جيش روميل تجاه بلدته الإسكندرية ومع قيام دولة إسرائيل بعد الحرب والتي اعتبرتها الدول العربية نكبة. ومع ظلال متنوعة من الالتزام وثنائية الضدين, فإن شاهين سيقدم الصراع العربي الإسرائيلي في العديد من أفلامه وخاصة في فيلمه الذي يروي سيرته الذاتية إسكندرية.. ليه؟ كان قوميا وعالميا. كان يحب أفلام هوليوود وذهب ليتعلم في شبابه التمثيل في لوس أنجلوس في باسادينا بلاي هاوس وتعلم من طريقتهم القوية كما تعلم من أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية ذات النزعة الإنسانية وكذلك من النزعة الرومانسية في الأفلام الهندية في عصرها الذهبي بعد الحرب العالمية الثانية. كان مؤلفا ومخرجا لأفلام محبوبة علي الأقل في العالم العربي. وقدم وجهات نظر سياسية مختلفة عن الموجودة في الأفلام المختلفة, لكن فكره كان يحكمه بشكل كامل بدعوته التي لا يمكن كبح جماحها إلي الاستمتاع. وبدأ شاهين عمله في الخمسينيات عندما بدأت مصر تنافس الهند باعتبارها هوليوود الشرق وعندما بدأ نجم عمر الشريف وفاتن حمامة يسطع في الدول الإسلامية من المغرب إلي أندونيسيا. وفي عام1954, اختار شاهين فاتن حمامة التي كانت تمثل منذ الطفولة وزميله في الدراسة عمر الشريف الذي كان يبلغ من العمر22 عاما لبطولة فيلم صراع في الوادي. دراما روميو و جوليت في مزارع القصب كانت بداية مصر للمشاركة في مهرجان كان السينمائي. وظهر الممثلان كأعظم محبين في وقتهما, وشكل زواجهما في العام التالي تحالفا فنيا يشبه زواج اليزابيث تايلور وريتشارد بورتون في الستينيات. ومن أفلامه الخمسين, يمكن الحديث عن فيلمه باب الحديد(1958) الذي يوثق لحياة بائعي الجرائد والمشروبات الغازية إلي راكبي القطارات. ومن هنا تبدأ خطوط التراجيديا. بعد20 عاما, قدم شاهين إسكندرية.. ليه؟ لتبدأ من هنا رباعيته عن الإسكندرية, حيث تبعه بفيلم حدوتة مصرية1982 و إسكندية كما وكمان1990 وإسكندرية.. نيويورك.2004 وقدم الفيلم الأول لمصر خلال الحرب, حيث كان القوميون العرب يقتلون الجنود الإنجليز ويخططون لاغتيال وينستون تشرشل وليفعلوا أي شيء لتخرج الإمبراطورية البريطانية خارج فلسطين. أحب شاهين بلاده لكن كناقد, وأحبته مصر في المقابل لكن كأم شغوفة بابنها( مثل السيدة ايزيلين تجاه رايموند في فيلم المرشح المنشوري). عندما يتصرف شاهين بشكل جيد ويحصد جوائز المهرجانات, تصبح مصر فخورة به, لكن عندما ينتقد المصالح السياسية, ترسله إلي السرير بدون طعام. وتعد ملحمته الناس والنيل عن بناء سد أسوان أول فيلم إنتاج سوفيتي مصري مشترك. لكن الرعاة لم يعجهم تدخلات المخرج بالحذف والإضافة حيث بدأ الفيلم عام1968 ولم يعرض إلا في عام.1972 ويعد فيلم المصير1997 السيرة الذاتية التي كتبها عن حياة الفليسوف الاسلامي الليبيرالي ابن رشد هجوما صريحا علي الأصولية الدينية: بدأ بالإعدام حرقا وانتهي بحرق الكتب. وتعود سخرية شاهين من الأصوليين إلي فيلمه باب الحديد, حيث صورهم في شكل كوميدي: حيث عندما رأوا راقصات يتمايلن علي أنغام الروك أند رول فاستعاذوا بالله. كان شاهين أيضا قوميا, ووجد فيلمه صلاح الدين1962 عن سلطان مصر وسوريا في القرن الثاني عشر صلة واضحة بين توحيد صلاح الدين لشمال إفريقيا وعرب الشرق الأوسط في مواجهة الصليبيين مع الوحدة العربية والسورية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر لمواجهة إسرائيل. والعديد من أفلام شاهين ومن بينها العصفور1973 وعودة الابن الضال1978( التي تقوم علي رواية أندريه جيد), قدمت خلال الحروب العربية- الإسرائيلية في1967 و.1973 ووجد غرامه بامريكا وتحفظاته عليها متنفسا أخيرا في فيلم إسكندرية.. نيويورك, حيث يعرض صانع الأفلام العجوز غرامة بسيدة أمريكية لأكثر من نصف قرن. ودائما ما كان شاهين يصنع فروقات بين الشعب الأمريكي وحكوماته. وفي مساهماته عام2002 في فيلم عن أحداث11 سبتمبر والذي عرض في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في الذكري الأولي لهجمات مركز التجاة العالمي, عرض الحجة بأن المسلحين لديهم الحق لقتل المدنيين في أمريكا وإسرائيل حيث في هذه الديمقراطيات يختار الشعب قادتهم وبهذا يكونون مسئولين عن السياسات التي تستعبد باقي العالم.وفي الحقيقة, من العار ألا تكون أعمال شاهين معروفة في هذا الجزء من عالم السينما. لم يكن أبو هول قليل الشأن, كان يعتقد أن القليل لا يكفي أبدا. رمي شاهين كل شيء, الأفكار, الناس, كل الدول والمناطق, في الهواء أمام عيون المشاهد حتي يستطيع كشفها. ووراء أفلامه تكمن قيمة المتعة, ولن يجرح الأمريكيون أن يشاهدوا صانع أفلام كوزموبوليتان من العالم العربي. أما صحيفة الجارديان البريطانية فقد أكدت أن شاهين الذي أخرج أول أفلامه بابا أمين عام1950 كان راوي قصص انتقائي وحماسي بحيث يمكنه الانتقال بسرعة عبر عدد من الأساليب والأجناس الأدبية. ومن خلال العديد من افلامه, كان أخرها هي فوضي الذي عرض في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في2007, تحول بمهارة من الواقعية إلي الميلودراما ومن القصص الرمزية التاريخية إلي الكوميديا الموسيقية ومن النقد الاجتماعي إلي كتابة السيرة الذاتية. وسواء كان موضوع الفيلم عن النضال ضد الفقر والطبقة المتوسطة وعن شبابه في الإسكندرية وبناء سد العالي أو عن حياة ابن رشد, تعكس أفلام شاهين الحساسية الإنسانية واهتمامه العميق بالتاريخ والمجتمع المصري والشرق أوسطي. وكواحد من أوائل الداعمين للثورة, أصبح شاهين ناقدا لسياسات جمال عبد الناصر والسادات. وفي1994, عندما قدم فيلم المهاجر عن قصة سيدنا يوسف, منع الفيلم بعد إلانتقادات التي وجهت إليه من المتشددين الإسلاميين, ودخل في معركة مع الرقابة والبروقراطية. وفي حواره مع صحيفة هيرالد تريبيون الدولية عام1997, قال شاهين إن كل مشاريعه ذات مخاطرة عالية, وأحارب كالمجنون. وأقضي80% من وقتي في السياسة و20% أصنع أفلاما. كل ما أكسبه يذهب للسينما. ولا أستطيع التوقف ووصف الناقد اليوت ستاين فيلم باب الحديد بأنه مزيج مميز من الواقعية الاجتماعية الجديدة ورعب غريب وكوميديا خفيفة. المزيج المميز. ومثل نجيب محفوظ الذي تعاون معه في فيلمين في نهاية الستينيات, قدم شاهين نفسه باعتباره ليبيراليا وروحا متشككة ممزقة بين الثقافة السياسية الحاكمة والإخوان المسلمين.