حتما ولابد من أن تعود إلي بيتك( شئت أم أبيت) شاتما أو مشتوما فمن غير المعقول أن تغمض عينيك وتصم أذنيك وتقطع لسانك حتي لا تشارك شاهدا أو مستمعا أو محاورا في هذه السيول الجارفة من الألفاظ البذيئة والشتائم الهادرة فيما حولك بمناسبة وبدون. وعلي شبكة الانترنت وأمام شاشة التليفزيون وفي وسط الشارع كنت ماشيا أو راكبا رغم انفك واذنيك وعينيك أنت شاتم أو مشتوم, فالكل يسب ويلعن ويتفنن ويتنفس في اخراج تراكيب جديدة في فن السب ونحت مصطلحات حديثة في الشتم فإذا أدرت وجهك عن برنامج حواري سمعت فيه سبا أو تلميحا به لتهرب إلي فيلم أو مسلسل تري أيضا فنا جديدا في التلميح والإيحاء وكله باسم الفن والابداع والحرية, ولو تركت ذلك كله وفردت امامك صفحات جريدة فلن تعدم تراشقا بالألفاظ بين طرفين أو أكثر وقد اشتبك كل مع الآخر في معركة لا ناقة لك فيها ولا جمل. وفي اشارات المرور تسمع وصلات من السب الناتج عن انفعالات الزحام وليس بالضرورة أن يكون اللفظ المقذع من سائق ميكروباس أو تباع بل قد تري من يفتح زجاج السيارة الفارهة ويضبط أو يفك كرافتته كي يبادر أو يرد السباب كان طرفا فيه أو معلقا, ولا اعتقد أن أحدا منا لا يعرف مفردات قاموس قلة الحياء, وكذاب ذلك الذي يدعي أنه مشمئز لأنه سمع لفظ كذا أسب بطريقة كذا فما يقال في الشارع هو ذا قد وصل إلي البيت وإلي المكتب, واصبح دليلا علي واقعية المخرج فلان وابداع السينارست علان لأنهم نقلوا ما يدور في الحياة إلي اعمالهم الفنية وكأننا نعدم ذلك ونحن في حاجة إليه مع ان قاموس الشتائم يتضاعف كل يوم ويضاف إليه الجديد وليس في وسع أحد أن يعمل فيها مؤدبا, إلا أن يغلق كل فتحات وجهه فلا يري ولا يسمع ولا يشم تلك المناظر والكلمات والروائح الكريهة التي تنطلق كل يوم وفي كل مكان وإن كان في وسع المهدي المنتظر أن يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا فهل يكون في وسع ألف مهدي أن يملأها أدبا بعد أن امتلأت بقلة الأدب؟!